تعسر اللبرالي وانتكس


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
.



لا يدرك أن الفكرة بذرة، لا تنمو إلا في روح خصبة، ونفس معتدلة، تسقى بماء الحب، ويخشى عليها من القحط والجدب.
لا ينام إلا على سوء طوية، ولا يؤمن له جانب، ولا يقر على رأي واحد، ذهب للبحث عن قرنين، فعاد بلا أذنين.


متورم، جمع من ركام الوهم أطناناً، ومن شظايا الهمِّ ألواناً.


تهبُّ عاصفته فتسد منافذ النْفس، وتكدرُ منابعَ الفكر، تفوح منه كلمات بهلوانية، تحملُ عسرَ الفكر، وانحباسَ السلوك، وزخم اللفظ.


عجز عن صعود القمم، فرماها بحطام الرمم، كالخذفِ لا يقتل صيداً، ولا ينكأ عدواً، لا يصيب إلا عين الصديق، ولا يكسر إلا سنَّ الرفيق .


يعاني من تضخم صدر لايتسع أحداًً، وضيقِ أفق يهلك بلداًً، جلب الهمًّ باسم الوهم، فكان يرفعه على السراب ويضعه، و يشتته ويجمعه، فالكاسد عنده رابح، والرابح كاسد، تنبت في نفسه النقمة على كل ذي نعمة.


صنع من عزلته عرش بلقيس، فلا حسيس له ولا أنيس، فارق جفنه النَّوم من كل واردة، وعافت نفسه الزاد من كل شاردة، بالظن يوقد الفتن، وعلى ذاته يحمل الوهن، كالخزف خواءً، وكالطبل صوتاً، وكالبرمائيات نقيقاً، ليس من أهل البر فيقاد، ولا من أهل البحر فيصاد.


لا يكتب في خيالٍ يمتع القارئ، ولا في واقع ينير الطريق، ولا في عمق يجلب الفكرة، عاجز عن السير إلا في الوحل، وقاعد عن الوقوف إلا على زلل، يفرُّ من نفسه فراره من قسورة، فهي العارفة بعلَّته، والموقظة لغفلته، تنحره بخنجر الواقع، وتسلخ جلد الزيف عن جنبيه، تقول له : إن ورمك ليس شحماً، فلا تتوهم أنك من العافية ملئت لحماً، قد تعطل منك قلبك، وذهب رشدك ولبك.


يرى في الظلام أشباحاً، تصنع له جناحاً، فيعثر مع أول خطوة، ويرجع من أول كبوة، لا يتحمل أن يوقد شمعة، ولن يرى من نورها لمعة، زواياه منفرجة في عدِّ َحسناته، وحادة في إخفاء زلاته، يبحث في عيوبه عن منقبة، وفي فضائل الآخرين عن مثلبة.


يلتطم بشاطيء الحقيقة فيذهب جفاء؛ فتراه على الموج خشبة، وفي الهواء ريشة، وفي الشدائد خزفة، وفي النَّار أعواداً خاوية، يكذب في النَّهار ويصدق كذبته في الأسحار، يتمدح بمالم يعط ، ويصرخ في لغط، أصم عن سماع الحق، وأبكم عن قوله، لم يدرك أن الكلمة خطامٌ أو لجامٌ، إما أن تسوقه لعالي الدرجات، أو تقوده لحضيض الدركات، إذا ثقلت ثقل ميزانه، وإن خفت خفَّ قدره.


تبَّاعٌ لكل غريب، وورّادٌ لكل عجيب، يرى الحقَّ في هواه، والصحبة في مبتغاه، كلَّما اقتربت منه زدت بعداً، يتجمل بقولٍ لا يدرك معناه، ولا يحسن مبناه، يضعه في غير موضعه، ولا يعلم مصدره ومرجعه، لا يتثبت كما أمر، ولا يتورع عمَّ نهي عنه وزجر، لحوم النَّاس فاكهته، والتفريق بينهم لعبته، إن حضروا مدحهم، وإن غابوا قدحهم.


ورِمت لسانه حتى زادت عن لحييه، وثقل بنانه حتى كسر ساعدية، والتوت قدماه حتى أعجزت ساقيه، الندم نديمه، والشك قرينه، الكل منه مكلوم، ومن فعله مسقوم، لا يشبه تشتته إلا رمال البيد، ولا يماثل قسوته إلا صفوان، ولايطال بعده إلا السَّراب، طال مسيره واشتد ظمأه، فلم يعد حيث كان، ولم يجد ما يرجو من قادم الزمان.


لا يؤمن بنقاء، ولا يعترف بعطاء، يحمل الآخرين فشله، ويهرب من الأمكنة، فلا يجد فيها قرارهُ ولا مسكنه، يظنُّ أنه سيجد من هروبه مصعداً.


تنور الحقد يتلظى بين جنبيه، ويفوح من عينيه، فلا يجد منه جليسه إلا أذى، ولا البعيد عنه إلا ردى، أكتاف الغير مطاياه، والطعن في ظهورهم مزاياه، كم سقط من فوقها وما اعتبر، وكم دهس تحتها وما ادكر، لا يعلم من أين بدأ حتى يدرك أين انتهى؟


يكتب بروح الناقم، ويتحاور بأسلوب الشاتم، يظنُّ أنه في حوار وهو في خصام وشجار، مطايا فكره هزيلة، لم يحسن إطعامها باليقين، ولم يدربها على الصبر، ولم يسر بها في معارج الشكر والعذر، عوّدها على مخالفة المسير، والبعد عن حسن المصير.


لا يدرك أن الفكرة بذرة، لا تنمو إلا في روح خصبة، ونفس معتدلة، تسقى بماء الحب، ويخشى عليها من القحط والجدب. لا ينام إلا على سوء طوية، ولا يؤمن له جانب، ولا يقر على رأي واحد، ذهب للبحث عن قرنين، فعاد بلا أذنين.


كالخيل الأبلق بين السود أبيضاً، وبين البيض أسوداً، لم يكسر عَدواً ولم ينصر صديقاً، محسوب على الطير وهو لا يطير، ومحسوب على السابحات وهو لا يسبح، لو كان طعاماً لم يهضم، أو كان حصى لم يبن به، أو كان عوداً لم يوقد به، أو كان حديداً لم يطرق.


من جمع صفاته فقد احترق، ومن ناله بعضها فقد نجا، ومن تلبس بأغلبها فقد أدركه العطب.


نسأل الله السلامة، من كل خزي وندامة، ومن صحبة من تعس وانتكس



منقول