طيبة
08-15-2007, 01:29 PM
قرأت لكم .............وأرجو الرد
شريط الفيديو الذي صوره أحد التلاميذ السعوديين لمعلم ينهال ضربا على أحد صغار التلاميذ مازال الجميع يتذكرونه، خاصة بعد ان كشفت لقطات الفيديو ابعاد ظاهرة تنتشر للاسف في كثير من المدارس.
هذا لا يعني ان مدارسنا موبوءة بالعنف، وان كل من يتولى تربية صغارنا مصاب بهذه اللوثة ولا يراعي حرمة الرافة بالبراعم، لكن الحادثة تعني ان اسلوبا ما زال يمارس، وان اعتذار وزارة التربية السعودية عما حدث يحمل دلالة انه آن الأوان ليتراجع هذا الاسلوب ويختفي كما اختفت امراض سارية عبر القرون . في جولتنا بين التلاميذ والتلميذات، كنا نشعر انه ليس من الصعوبة ان يعترف احدهما بأنه تعرض للضرب، وقد لا يكون ذلك بسبب الخوف، ولكن بسبب الخجل،
تحكي هتون طالبة الصف الأول المتوسط ما وقع لها حين كانت صغيرة ( عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي أخذت من زميلتي شادن قطعة من الحلوى، لأنها سبق وأخذت حلوتي، فبكت واشتكتني لدى المعلمة التي غضبت مني واعتبرت ذلك سرقة تستوجب العقاب، فأخذتني لمديرة المدرسة وأخبرتها بما حدث، وفوجئت بالمديرة أنها لم تسألني عن القصة وكيف حدثت، بل أغلقت الباب واقتربت مني وصفعتني صفعة قوية جدا حتى أنني لم استطع البكاء في حينها من هول المفاجأة ، والى الآن اذكر هذا العقاب واشعر بالكره الشديد لتلك المديرة
< التأثير يدوم اطول مما نتصور كما يقول ماجد الشهري 31 سنة: عندما كنت في الصف الخامس الابتدائي جاء المعلم كي يختبرنا في مادته، ولم أكن قد حفظت الدرس جيد، فتقدم نحوي ورفع يده في الهواء وصفعني كفين من يده الغليظة وشعرت حينها كأن ماء حارا انسكب في أذني وعندما ذهبت للبيت ازداد الألم، أخذني عمي للمستشفى لكني فقدت السمع في إذني اليسرى وفات الأوان،
لا تتوقف اسباب ضرب المعلمين للتلاميذ كما يخبرنا البعض عند الحوادث الصغيرة التي تبدو مثل الطرائف او النكات كعدم حفظ الدرس او الشجار بين التلاميذ الصغار، فهناك اسباب اخرى مثل تسرع التلميذ او تهوره او ايذائه لرفاقه، ولكن ماذا عن ضرب التلميذات؟
في جولتنا سمعنا عن عقاب من نوع آخر تقول البنات اللاتي تعرضن له انه اقسى من الضرب:
< تقول ريم: أتيت وأختي التوأم نورة إلى المدرسة متأخرتين، حيث مضت الحصة الأولى، وأثناء دخولنا المدرسة شاهدتنا المديرة التي غضبت بشدة، فطلبت منا الوقوف في ساحة المدرسة تحت الشمس وكان الجو صيفا، ووقفنا حصة ونصف تقريبا، أما أم هديل فتحكي قصة ابنتها التي تعرضت للضرب قائلة: ابنتي هديل شقية نوعا ما، وذات يوم ضربت زميلتها في المدرسة بالمسطرة على يدها وهي تقول أنا أضربكم مثل الأستاذة، وذهبت الصغيرة تشكو لأمها، فتحدثت الأم إلى المعلمة أن لا تضرب الصغيرات حتى لا يأخذن عنها هذه العادة السيئة لأنهن يقلدنها، وفي اليوم التالي قامت المعلمة بضرب هديل لأنها تقلد أسلوبها في الضرب نظرية تحكي أم ماجدة عن ابنتها في الصف الثاني، التي ضربتها المعلمة بسبب نظرية غريبة تتبناها المعلمة وتقول: جاءت ماجدة ذات يوم من المدرسة وهي تبكي لأن المعلمة ضربتها، فتحدثت مع المعلمة عن السبب فقالت نحن الآن نستعد لتعلم جداول الضرب وصدقيني حفظ الجداول مستحيل أن يكون بدون الضرب، حتى تعرف التلميذة أنها أن لم تحفظ فسوف تضرب ، أي أن المدرسة بدأت بالضرب قبل حتى أن تعطيهم الدرس.
صورة مشرفة لبعض المعلمات
ونحن هنا لا نقول بان جميع المعلمات هذا هو أسلوبهن في التربية ولكن هناك من تعطي للتعليم صورة مشرفة، وتعتبر التلميذة ابنتها ، تقول أمل مبارك ( عندما كنت طفلة في الصف الأول الابتدائي كنت أكذب كثيرا في كلامي والقصص التي ارويها ، ولكن معلمتي الحبيبة كانت خير موجه لي، فكانت تخوفني بان هناك ضوءا أحمر يظهر في عيني إذا كذبت وضوءا أخضر إذا قلت الصدق ، فكنت حين أكذب الكذبة أتردد وأخاف من الضوء الأحمر، وبالتدريج تخلصت من هذه العادة نهائيا والفضل ليس لأبي أو أمي وإنما لمعلمتي ).
أصبحت أخشى على أطفالي من المدرسة
يبدو أن تاثير الضرب لا يطال التلاميذ فقط بل ينشر ظلاله المرعبة على الأقل ايضا إذ تعترف لنا سارة المالكي قائلة: لقد أصبحت أخاف على أطفالي من الذهاب للمدرسة فنحن نشجعهم على الدراسة ونتأمل فيهم خيرا، ولكن أن يتطاول عليهم احد بالضرب مثلما فعل ذلك المعلم الخالي قلبه من الرحمة، فهذا أمر غير مقبول، إطلاقا.
الضرب في الصغر..
حول الآثار النفسية التي يسببها الضرب للطفل تقول فاطمة النزاوي أستاذة علم النفس بجامعة الملك سعود:لا يصح مطلقا استخدام الضرب للطفل أو غيره ، فلدينا فهم خاطئ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) فلو تأملنا الحديث الشريف لوجدنا أن أمر الطفل يكون منذ السنة السابعة ويستمر إلى العاشرة أي أن الأب يوجه طفله ثلاث سنوات متتالية، ثم يضربه ضربا خفيفا بغرض تنبيهه لخطئه، لان الضرب المستمر وعلى كل الأمور يفقد قيمته النفسية والمعنوية لدى الطفل.
أنا .. أنا .. تضربني امرأة ؟
تحكي أم خالد قصة ابنها حين كان في الروضة، وفي روايتها الطريفة تقول: عندما كان خالد صغيرا أدخلناه الروضة، فعاد ذات يوم إلى البيت غاضبا ورفض العودة للمدرسة مرة أخرى، لان المعلمة ضربته، فحاولنا ثنيه عن ترك المدرسة ولكنه رفض ويقول أنا تضربني امرأة كيف منظري أمام أصحابي؟ وبالفعل لم يذهب إلى الروضة أبدا، ولكنه دخل مدرسة البنين بعد ذلك.
المغرب
إعتراف جريء من معلم
> تؤكد تعليمات وزارة التربية والتعليم ومؤسساتها في المغرب على المربين والمعلمين عدم استعمال العنف في تعاملهم اليومي مع التلاميذ والطلبة وتبني الحوار واللين وذلك احتراما لحقوق الطفل ومنحه مجالا صحيا للتعبير عن نفسه وتوفير مناخ نفسي سليم ليدرس في أجود الظروف عملا باتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب منذ سنوات، لكن بالرغم من هذا التأكيد والتحذير عبر مذكرة وزارية رقم 99/87 فإن الكثير من حالات العنف تمس الطرفين التلميذ والأستاذ. لماذا؟
ـ بعض الاجابات تقول: إن الاسباب موضوعية وليست شخصية، أي تتعلق بشخص المعلم ومزاجه، كالازدحام في بعض الصفوف وضغوط تدريس المادة، الا ان بعض المعلمين يعترفون بأخطائهم وتسرعهم بارتكاب العنف وبهذا الصدد يقول أحمد الحسيمي (مدرس اللغة الفرنسية):
كنت أعلم تلامذتي الحروف الأبجدية باللغة الفرنسية وكنت أصر على أن يحفظوا الحروف وينطقوها بطريقة سليمة، وبدلا من أن ينطق أحدهم حرف «ن» محتذيا بنموذج أصدقائه وعملا بالطريقة التي نطق بها هذا الحرف فإنه يقول «أو» دون أن يتحكم في تحريك شفتيه وبدون شعور صفعته على الوجه فسالت الدماء من فمه وتكسرت إحدى أسنانه، وهذا التصرف جاء نتيجة الإحباط الذي شعرت به أمام عجزه عن النطق السليم للحرف المذكور فصفعته بلا شعور واضطررت في نهاية الأمر لمطالبة زملائي المدرسين للتوسط والتوسل لأسرة الطفل للعفو والتسامح على أن أتكفل بمعالجته.
معلمون يلومون الأهل!
يرى مدرس آخر هو نور السعداوي أن حياة الأستاذ لا تخلو من المخاطر، فتلاميذ اليوم لم يعد لديهم استعداد للتعليم ولا الحفظ والأسرة منغمسة في مشاكلها اليومية وأغلبية التلاميذ لا ينجزون واجباتهم المنزلية بسبب إدمانهم على مشاهدة الرسوم المتحركة والمسلسلات التلفزيونية، وهذا ما يحز في نفس المدرس الذي يجتهد في تحضير دروسه وتلقينها اليوم، وفي الغد يفاجأ بمعظم التلاميذ (صم وبكم) وكأنهم نزلوا من كوكب المريخ مما يوتر أعصاب الأستاذ ويضطر وبعد نفاد جميع وسائله التربوية إلى استعمال العصا،
الضرب ضرورة أحيانا
رغم معرفة المعلمين بعواقب العنف والمشاكل التي تترتب عنه، والتي قد تصل ببعضهم للوقوف بين يدي العدالة، فإن إحساسهم بالمسؤولية وحرصهم على تعلم الأطفال يجعلانهم يرون أن العصا لغة لا بد منها وأن الطرق البيداغوجية وحدها ليست كافية، فيما يرى بعض الآباء أن لجوء الأستاذ للعنف والضرب يعني فشله في تبليغ دروسه وأن العقاب البدني يعكس هذا الفشل رغم ان اغلب الحالات يتم تطويقها ومعالجتها حبيا بين الأسرة التعليمية وأهالي الأطفال.
وتؤكد المذكرة الوزارية الصادرة في هذا الشأن والتي توزع على جميع المؤسسات التعليمية الآثار السلبية الخطيرة على استقرار ومردودية المدرس من جهة، ونفسية الطفل وقابليته للتعلم من جهة أخرى.
بريطانيا
مسموح بصفعة واحدة خفيفة جدا.. ولكن ممن؟!
يعيش الطفل في بريطانيا في عالم يرفع الراية البيضاء بوجه العنف ولا يؤمن بمزايا وايحابيات الضرب التي يتحدث عنها الآخرون، حيث لا تطال الطفل هنا ضربة كف أو وخزة عصا، فالضرب ممنوع سواء جاء من الوالدين أو من الشارع أو من المدرسة، والصغير يقفز في ساحة اللعب مثل عصفور طليق يحتمي عند الحاجة بالدولة التي تنجده في الحال وتقتص ممن يضربه وتقدمه إلى المحكمة.
القوانين البريطانية صارمة في تحريم الضرب بكل درجاته وأنواعه في حالة الصغار دون الثالثة من العمر، أما بعد هذا العمر فإن القوانين تحذر الوالدين من ضرب منطقة الرأس أو الأذن أو هز الطفل أو رجه بقوة أو ضربه بالعصا أو الحذاء أو الحزام، لكنهم تركوا بابا صغيرا للصفعة الخفيفة الواحدة وقت الضرورة.
ولكن حتى هذا الإمتياز في الصفعة الخفيفة يحرم على المدرسة ولا يسمح للمعلم برفع يده على الطالب مهما كانت الأسباب والمبررات،
المعلم بين نارين
المعلم في بريطانيا وفي كثير من الدول الاوروبية وأمريكا أيضا بين موقفين احلاهما مر فهو محاصر بالقانون الذي يمنع العقاب الجسدي منعا باتا، من جهة، وبالطلبة المشاكسين والعدوانيين وغير المؤدبين من جهة أخرى، وقبل شهور نقلت الصحف الأمريكية حكاية طالب في الرابعة عشرة من عمره قتل معلمه بالمسدس لأنه زجره وحاول منعه من التحدث مع زميلين له، أما حكاية السخرية والاستهزاء والاستهانة بالدرس وبالمعلم فهي شائعة جدا كما تؤكد نقابات المعلمين البريطانيين وبدأت الأصوات ترتفع مؤخرا مطالبة بإيجاد قوانين تحمي المعلم من هذه الاعتداءات وتردع الطلاب وتوقفهم عند حدهم، و في استبيان وزعناه على مجموعة من طلبة إحدى مدارس شمال لندن ووضعنا فيه السؤال التالي «هل ترى ان المعلم هو ضحية لهجوم الطلاب» جاءت بعض الإجابات كما يلي:
> توبي (13 سنة) «اعتقد ان المعلم محظوظ لأننا لا نعامله بنفس الطريقة التي يعاملنا بها».
> ليام (10سنوات) «التلاميذ يهاجمون المعلم لأنه يدرسهم مواد لا تثير اهتمامهم، ربما سيكفون عن مضايقته لو انه اختار دروسا غير مضجرة».
> فاطمة (15سنة) «المعلم يستحق الاحترام، وباب الشكوى مفتوح إذا تمادى المعلم في استخدام موقعه، وفي كل الأحوال علينا احترامه لأنه أكبر منا سنا».
> مارتن (15سنة) «لا احب المعلم الذي يريد ان يوهمنا إنه يعرف كل شيء في حين انه لا يعرف حتى نفسه».
> جاز (13سنة) «المشكلة تكمن في المعلم الذي لا يعرف كيف يضبط الصف، والتلميذ يهاب المعلم اذا كانت شخصيته قوية ومؤثرة، واعتقد ان المعلمين قد دربوا كي يقودوا الصف وعليهم أن يفعلوا ذلك».
دعاوى كيدية ضد المعلمين
وهذا لا يعني ان الطالب في بريطانيا يعيش في نعيم اسمه المدرسة فهو عرضة أيضا لمشاكل عديدة مع المعلم الذي قد يكون في بعض الأحيان عنصريا أو عصابيا أو يعاني هو نفسه من مشاكل حياتية أو نفسية قد يعكسها أحيانا على طلابه، ومن أجل هذا فتحت المحاكم أبوابها كي تأخذ للطفل حقه إذا كان مظلوما ولا تحابي المعلم على حسابه، ولكن بعض التلاميذ ومعهم أهلهم يبالغ في الاستفادة من هذا الحق ويسوق المعلم إلى المحكمة بحق أحيانا وبغير حق في أحيان كثيرة، ولهذا الغرض اقيم في مدينة برايتون مؤخرا مؤتمر شاركت فيه نقابات المعلمين البريطانيين وطرحت فيه قلقها من تزايد الدعاوى التي يرفعها التلاميذ على معلميهم واكدت مندوبة احدى النقابات ان أقل من واحد من مائتين من هذه الدعاوى يدان فيها المعلم اما البقية فهي مجرد خسارة في الوقت والمال ومزيد من الضغط والإجهاد النفسي الذي يلحق بالمعلم وعائلته وطالبت بمعاقبة الطالب الذي يقدم شكوى كيدية ونقله إلى مدرسة أخرى، واشارت أيضا إلى ان سبب تزايد هذه الدعاوى يعود إلى الاعلانات التي يضعها بعض المحامين في الصحف والمجلات ويعدون فيها الطلبة ويمنونهم بتعويضات مالية كبيرة قد تحكم لهم بها المحكمة، وهذا ما يشجعهم على اللجوء إلى القانون وعلى الكذب والتلفيق لكسب الدعوى، مشيرة إلى قضية الطالب الذي ادعى ان معلمته قد رمت به في احدى البالوعات الفارغة، وفي المحكمة تبين انه قد اتفق مع رفاقه على وضعه في الحفرة، وظهرت براءة المعلمة بعد ان اثبتت للقاضي انها كانت تتسوق مع بعض الزميلات ساعة الحادث.
كيف يعاقب التلميذ دون ضرب؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يعاقب الطالب المشاكس أو المخالف أو سيئ السلوك في المدارس البريطانية ما دام الضرب ممنوعا؟ والجواب هو في البدائل التي تتفنن المدرسة في إيجادها وتطويرها للحصول على أكبر تأثير في ردع التلاميذ وأهمها:
> عقوبة احتجاز الطالب لساعات متفاوتة بعد نهاية الدوام وحرمانه من العودة إلى البيت أسوة ببقية الطلاب.
> حرمانه من الرحلات المدرسية والأنشطة اللاصفية.
> حرمانه من المباريات الرياضية.
> توبيخه وتعنيفه بالكلام.
> ادخاله في نظام (التقرير) الذي يكون أصفر أو أحمر حسب الحالة وفي هذا النظام يكون على الطالب جمع تواقيع كل المعلمين كي يشهدوا بأن سلوكه قد بدأ يتحسن يوما بعد يوم.
القاهرة
نضرب أو لا نضرب
انعاقب أم ندلل. ضرب مبرح أم تأنيب خفيف؟ أسئلة وحوارات ما زالت تدور بين أروقة المدارس ويختلف عليها الأساتذة والمختصون بشؤون التربية والتعليم، وهم لا يعرفون أن القضية لا تتعلق بالضرب أو استخدام العصا أو السلك الكهربائي، أو ما تطاله يد المدرس لحظة انفعاله، قدر ما هو أثر العقاب على الصحة النفسية لأطفالنا، أولادنا، فلذات أكبادنا.
ماذا تقول «ياسمين»؟
عن الأثر النفسي للعقاب البدني، كان لقاؤنا وبعض التلاميذ:
ياسمين مصطفى (8 سنوات) ببراءة ووضوح تقول: أنا أحب المدرسة وأحب المدرسين والمدرسات لكنهم يضايقونني بصوتهم العالي، وتهديدهم لي بالعصا أنا وزميلاتي كلما نطقت بكلمة ـ غصب عني ـ مرات كثيرة تضحكني زميلة لي تجلس بجانبي، ومرات أخرى يضربني زميل آخر يجلس خلفي من تحت الكرسي، ومن دون أن تراه المدرسة، ماذا أفعل؟ إن استدرت له، وضربته تراني المدرسة وتمسك لي بالعصا، وأضرب عشرة عصي، وأنا لم ارتكب ذنبا،
المدرس العصبي جدا
ويقول محمد مصطفى عبد العال وهو في الصف السادس الابتدائي: أنا تلميذ شاطر في المدرسة، أواظب على الحضور يوميا ولا أدعي مرضا أو إصابة؛ لأجلس بالبيت، أحب دروسي والمدرسين، خاصة حصة الألعاب والموسيقى والكومبيوتر، حيث أظهر مهاراتي التي تعلمتها من والدي، وأعمل الواجب، حتى لا أتعرض للعقاب.
لكن ما يضايقني ويجعلني أتمنى الإجازة يوما بعد يوم، وأن يطول يوم الجمعة أكثر من 24 ساعة أن بعض المدرسين وليس جميعهم لا يطيقون كلمة زائدة، أو فكاهة خفيفة تصدر عفوا من أحد التلاميذ، فهم عصبيون جدا! وإن حدث ينقلب الفصل رأسا على عقب، يأتي المدرس بعصاه الغليظة وينزل بها على أيدينا كلنا دون تفريق!
وحتى نداري خجلنا وإحساسنا بالألم نرسم الابتسامة على شفاهنا، أو نتضاحك فيما بيننا، مما يغري الأستاذ بمزيد من الضرب والعقاب.. لا أعرف لماذا لا تتسع صدور المدرسين لنا؟
أحب «الكونج فو» وأكره المدرسة!
يوسف صلاح حامد بالصف الثالث الابتدائي بشقاوة وخفة يقول: والدي ووالدتي دائما يكرران أنني لا أستطيع الجلوس على الكرسي أكثر من دقيقتين، وهذا حقيقي، فأنا أحب اللعب ولاعب ماهر في «الكونج فو» وكرة القدم والجري، لذلك فأنا دائما أترك «الديسك» في «الكلاس» لأقف وأتحرك وهذا يضايق مدرستي ويعرضني لعقابها كل حصة. أتذكر وأنا صغير في الصف الأول، كنت أكثر صراحة وأخبرت مدرستي بأنني لا أحبها، ولا أحب المدرسة بسبب صوتها العالي وألفاظ توبيخها التي لا أسمعها من أبي أو أمي رغم شقاوتي الزائدة كما يقول أبي، اليوم أنا أكرهها في صمت بدون كلام.
اختلفت الحجج.. والضرب واحد
وبسؤال بعض المدرسين وجدنا الإجابات مختلفة، ما بين مؤيد للعقاب والضرب المبرح، وآخرين يحبذون العقاب الخفيف كنوع من التأنيب، وهناك قليلون جدا منهم لا يلجأ أحد منهم إلى الضرب.
يؤكد الدكتور فكري عبد العزيز استشاري الطب النفسي أن ذات الطفل تبدأ في التكون بصورة تدريجية نتيجة التفاعل مع محيطها وذوات الآخرين، فهو سلوك مكتسب يتكون قبل مرحلة البلوغ، وتلعب فيه البيئة دورا مهما.
والمدرس يمثل دورا حاسما في تكوين شخصية الطفل خاصة في المرحلة الابتدائية والإعدادية؛ لذلك فإن التصرفات والمواقف التي يتخذها تؤثر تأثيرا مباشرا على نمو شخصيته، ويضيف: لذلك نقول لا للضرب في المدارس، فعواقبه خطيرة حيث يشعر الطالب بالجبن والخوف، بفقدان الأمان، وقلة الاحترام للنفس وأحيانا الاكتئاب،
ارحموا الأطفال: العقاب البدني في مدارس كينيا
مقدمة: العقاب البدني في مدارس كينيا
في 23 سبتمبر/أيلول 1998، تعرّضت أناستاسيا كاتونغ البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً، لضرب مبرّح باستخدام العصا، من قبل مدير المدرسة التي تدرس بها، السيد ماسيواني بريماري، كما تعرض طلاب الصف جميعهم للضرب. قامت منظمة هيومان رايتس ووتش بمقابلة الطالبة أناستاسيا كاتونغ ووالديها، وتفحّصت القضية الجنائية التي نتجت عن هذا الاعتداء. وقالت أناستاسيا، "أتى مدير المدرسة إلى الصف، وطلب قائمة بأسماء مصدري الضوضاء، وعندما حصل عليها عاقب مُصدِري الضوضاء. وبعد ذلك ناداني ، وذهبت إليه على مرأى من الطلاب، ثم بدأ بضربي. طلب مني أن استلقي أرضاً وأن أخلع سترتي الخارجية، ثم ضربني بالعصا على ظهري، كانت عصا غليظة تشبه غصن شجرة الصمغ، تلقيت ما بين خمس إلى عشر ضربات من هذه العصا، وكان ذلك أمام بقية طلاب الصف". وأُصيبت أناستاسيا بالإغماء إثر تعرّضها لتلك الضربات. ووصفت لنا ما حدث بعد ذلك بالقول، "عندما أفقت، ذهبت للجلوس في مقعدي، وانتظرت حتى غادر جميع الطلاب إلى بيوتهم، وعندما ذهبت إلى بيتي كنت ما أزال أنزف دماً من جروح في رقبتي وظهري ويدَيّ ... أخبرت أبي بما حدث، ثم ذهبت معه إلى مركز الشرطة".
عندما عادت أناستاسيا كاتونغ إلى المدرسة بعد ثلاثة أيام من ذلك، أخبرها مدير المدرسة أن عليها العودة إلى البيت: "قال لي إنه سيضربني بالعصا ثانية، وقال إن هذا اليوم هو آخر يوم لي في هذه المدرسة". وكذلك واجه والداها تهديدات مماثلة (أمها تعمل في المدرسة نفسها). فعندما ذهب أبوها، السيد ويلي كاتونغ، ليشتكي هدده مدير المدرسة بأنه سيضربه أيضاّ.
تُعتبر قضية أناستاسيا كاتونغ قضية استثنائية، ويعود ذلك جزئياً إلى شجاعة والديها ومبادرتهم برفع شكوى. قامت مديرية التعليم المحلية بنقلها ونقل والدتها التي تعمل معلّمة في المدرسة ذاتها، إلى مدرسة جديدة. وعلى الرغم من أن السلطات وجّهت لمدير المدرسة تهمة الاعتداء، وكانت القضية قيد النظر في محكمة منطقة كيامبو وفي وقت كتابة هذا التقرير، إلاّ أن الطلاب الذين يصابون بجراح على يد المعلمين لا يمكنهم عادة تقديم شكوى رسمية على الأطلاق، دون تحسّب حدوث عواقب وخيمة لذلك. إذ عادة ما يُجبر الذين يحتجّون على إساءة المعاملة، على ترك المدرسة تركاً نهائياً - مما يحرمهم عملياً من فرصة الحصول على التعليم.
ممارسة العقاب البدني
العنف هو جزء معتاد من تجربة الدراسة لمعظم أطفال كينيا. فالمعلمون يستخدمون الصفع والضرب بالعصي والسياط، للحفاظ على الانضباط في الصفوف، ولمعاقبة الطلاب على ضعف الأداء الأكاديمي. إن استخدام العقاب البدني هو مسألة روتينية، وتعسفية، وكثيراً ما تكون وحشية. ومن النتائج الجانبية للعقاب في المدارس، انتشار الكدمات والجروح بين الطلاب، كما إنه ليس من النادر أن يصاب الأطفال بجراح أخطر (مثل كسر العظام والأسنان، وحالات النْزيف الداخلي). وفي بعض الحالات، يؤدي الضرب من قبل المعلمين إلى إصابة الأطفال بتشوهات وإعاقات دائمة، أو حتى الموت.
يشكّل هذه العقاب البدني القاسي والمعتاد انتهاكاً للقانون الكيني ولمعايير حقوق الإنسان الدولية. ووفقاً للجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، فإن العقاب البدني في المدارس يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل، وهي الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان التي حازت على مصادقة أكبر عدد من الدول. كما استنتجت هيئات أخرى عاملة في مجال حقوق الإنسان أن بعض أنواع العقاب البدني الذي يجري في المدارس، يشكّل معاملة أو عقوبة قاسية أو لاأنسانية أو مهينة، وممارسة تتعارض مع حق الطفل في الحصول على التعليم والحماية من العنف.
يحدد القانون الكيني استخدام العقاب البدني في المدارس. ووفقاً للأنظمة التعليمية (للضبط في المدارس)، يمكن استخدام العقاب البدني لمعاقبة سلوك محدد، وذلك بعد إجراء تحقيق وافٍ، ويجب أن يجري بحضور شاهد، ولكن ليس أمام الطلاب الآخرين. والشخص الوحيد المسموح له بتنفيذ العقاب البدني هو مدير المدرسة، ويجب أن يستخدم في ذلك عصاً أو حزاماً ذا قياس محدد، وأن يكون موضع الضرب على الأرداف للأولاد، وعلى راحتي اليدين للبنات. كما يجب على مدير المدرسة ألاّ ينفّذ أكثر من ست ضربات كعقاب في المراة الواحدة، وأن يحتفظ بسجل مكتوب حول كافة مجريات هذه العملية. زعم بعض من تحدثنا إليهم إن مدير النظام التعليمي أصدر في العام 1996 مذكرة حظر فيها فرض العقاب البدني، ورغم ذلك لم يجرِ تنفيذ هذا الحظر، وواصلت الأنظمة التعليمية (للضبط في المدارس) السماح باستخدام هذه العقوبة.
ووفقاً للمقابلات التي أجرتها منظمة هيومان رايتس ووتش مع ما يزيد عن مائتي طفل كيني، ما تزال أنماط العقاب البدني القاسية والمنافية للقانون شائعة الاستخدام. فمن ضمن المدارس الابتدائية والثانوية العشرين التي زارتها المنظمة، كانت واحدة منها فقط -وقد قيل إنها أفضل مدرسة ثانوية في كينيا- تستخدم العقاب البدني وفقاً لإرشادات الأنظمة التعليمية (للضبط في المدارس). ووجدنا في المدارس العشرين التي زرناها، أن استخدام العقاب البدني شائع، ويظهر أنه شائع بصورة متساوية ما بين المدارس في المدن والريف، والمدارس التي يؤمّها أبناء الطبقتين والوسطى، والوسطى المتقدّمة، وتلك التي يؤمّها أبناء الطبقة الفقيرة، وكذلك في المناطق المختلفة من البلاد، وبين التجمعات الإثنية والدينية المختلفة.
إن الأسلوب الأكثر شيوعاً للعقاب البدني في كينيا، هو أن يستخدم المعلم عصاً لضرب الطلاب، وعادة ما تكون عصاً خشبية غير منتظمة الشكل، يبلغ طولها ما بين قدمين إلى ثلاثة أقدام[60 - 90 سم]، ويبلغ قطرها تقريباً ثلاثة أرباع البوصة [2سم تقريباً]. ويُعاقِب بعض المعلمين الطلابَ بجلدهم باستخدام سوط مصنوع من المطاط (عادة ما يكون شريحة من إطار سيارة قديم)، أو باستخدام عصا غليظة، أو ببساطة بالصفع أو الركل أو القرص. وفي معظم الحالات يجري ضرب الأولاد على الأرداف، بينما البنات على راحتي اليدين. مع ذلك، فأحياناً ما يتعرّض الأطفال للضرب على أجزاء أخرى من أجسادهم: على الظهر، أو الذراعين، أو الفخذين، أو باطن القدمين، وأحياناً على الوجه والرأس. وعموماً، يُجبر الأطفال على الركوع (وأحياناً الاستلقاء) أمام الطلاب الآخرين في الصف لتلقي الضرب. وفي أحيان أخرى، يقوم المعلمون بضرب الأطفال في أماكن جلوسهم على مقاعد الدرس.
قد يتلقّى الطفل ما بين ضربتين إلى عشرين ضربة بالعصى في المرّة الواحدة، وذلك اعتماداً على طبيعة الإساءة التي يرتكبها، وعلى قسوة المعلم والمدرسة. وبناءً على ما قاله الأطفال لمنظمة هيومان رايتس ووتش، فإنهم يشهدون في بعض المدارس حالة ضرب مرة أو مرتين في الأسبوع، وعادة ما يتلقّى الطلاب ضربتي عصا أو ثلاث في المرة الواحدة. كما قال أطفال آخرون إنهم يتعرضون للضرب أو يشهدون الآخرين يتعرضون للضرب لمرات متتالية طوال اليوم، وتقريباً كل يوم، وعادة ما يتلقّون خمس ضربات أو أكثر في كل مرة. وسمعنا كذلك أخبار متفرّقة عن أطفال تعرّضوا للضرب بسبب عدم قدرتهم على دفع الرسوم المدرسية، ولكن تحدثنا مع طفل واحد فقط قال إنه تعرض شخصياً للعقاب لذلك السبب.
يُستخدم العقاب البدني ضد الطلاب بسبب مخالفات متنوعة لقواعد السلوك. فقد يتعرّض الأطفال للعقاب البدني بسبب تأخرهم عن المدرسة، أو التغيّب عن المدرسة دون إذن (حتى في حالات المرض غير المتوقعة)، أو بسبب اتساخ الملابس المدرسية أو تمزقها، أو الوقاحة، أو الرسم على الجدران، أو الشجار، أو السرقة، أو استخدام المخدرات، أو أي شكل من أشكال السلوك التي قد تعيق التدريس في الصف (كتابة الملاحظات للطلاب الآخرين، الحركات غير المسموحة، التحدث مع الطلاب الآخرين، "إصدار الضوضاء"، وإلى آخره).
إضافة إلى ذلك، يشيع استخدام العقاب البدني بسبب الأداء الأكاديمي الضعيف: ففي صفوف الرياضيات، على سبيل المثال، من غير النادر أن يقوم المعلمون بضرب الطلاب بسبب الإجابة الخاطئة على مسألة رياضية (وأحياناً يقوم المعلمون بذلك على سبيل الضبط، استناداً إلى أن الأطفال الذين لا ينتبهون للشرح، هم فقط من يخطئون في تقديم الإجابة الصحيحة). وفي بعض الصفوف والمدارس، يحدد المعلمون علامات معيّنة ينبغي على الطلاب تحصيلها، ويتعرّض الطلاب الذين يخفقون في تحقيق ذلك للضرب بالعصا. وعلى الرغم من أن الفقر أو الحياة الأسرية قد تشكّل أسباباً لعدم قدرة الطالب على تحقيق توقعات المعلّم، إلا أن المعلمين لا ينظرون إلى هذه المسألة عند تنفيذ العقاب. ويقوم كثير من المعلمين بمعاقبة الطلاب الذين لا ينجزون وظائفهم البيتية أو لا يتعلمون الدرس، وبصرف النظر عما إذا كانت الكتب والمواد الضرورية متوفرة للطفل، أو أن الفرصة متاحة للطفل لإنجاز الوظيفة البيتية.
تحدّث الكثيرون أيضاً عن العقوبات الجماعية: فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن أداء إحدى المدارس جيداً في الامتحان الوطني، يمكن أن يتعرّض جميع طلاب أحد الصفوف للضرب بالعصا بصرف النظر عن مستوى الأداء الفردي لكل طالب. وكذلك إذا اكتُشفت رسومات وكتابات على جدران أحد الصفوف، فمن الممكن تعرّض جميع طلاب الصف للضرب إذا لم يُعرف الفاعل. وإذا صدرت ضوضاء عن مجموعة من الطلاب، فيمكن حينها أن يجري ضرب جميع الطلاب من هذه المجموعة في وقت واحد (إذ يقوم عدة معلمين بضرب طلاب مختلفين)، أو يقوم معلم واحد بضرب طلاب المجموعة بالتتالي.
من الممكن أيضاً أن يشترك مجموعة من المعلمين بضرب أحد الأطفال. ففي عدد من المدارس التي زرناها، أخبَرَنا الطلاب بأن العقوبة المعتادة "لمُصدري الضوضاء" في الصف، هي أن يذهب الفاعل إلى غرفة المعلمين، ومن ثم يُجبر على الركوع أو الاستلقاء، ومن ثم يشترك بضربه بين ثلاثة إلى ستة معلمين في الوقت ذاته، باستخدام العصي أو الأسواط.
الجراح الخفيفة كالكدمات والتورّم هي نتيجة روتينية "طبيعية" للعقاب البدني. والجراح الأخطر (كالجراح الغائرة؛ والتواء المفاصل؛ وكسر الأصابع) هي أقل شيوعاً، ولكن كان العديد من الأطفال الذين قابلناهم إما تعرّضوا بأنفسهم لجراح كهذه، أو يعرفون طلاباً آخرين تعرضوا لها. (من الممكن أن يحصل التواء المفاصل وكسر الأصابع بسهولة، إذا أزاح الطالب يده ليتجنب ضربة العصا أثناء نزولها وأصابته في أطراف أصابعه). أما الجراح شديدة الخطورة (كفقد السمع المؤقت أو الدائم؛ وكسر الأسنان؛ وكسر الرسغ أو عظمة الترقوة؛ والجراح الداخلية التي تتطلب عملية جراحية) فهي نادرة، ولكنها تحدث مع ذلك؛ وكنّا قد قابلنا عدة أطفال ممن أصيبوا في السابق بجراح كهذه، أو أنهم يعرفون أحداً أصيب بها.
في حالات قليلة يموت الأطفال كنتيجة للعقاب البدني، وقد أوردت الصحف الكينية بضعة حالات كهذه في السنتين الأخيرتين. ومع ذلك، كان من المستحيل الحصول على إحصاءات دقيقة حول هذه الحالات الخطيرة: فالعديد من حالات الضرب الشديد لا تُبلَّغ للسلطات الحكومية أو للصحافة، إذ يخشى الأطفال والأهالي من انتقام المعلمين ومدراء المدارس. وكذلك فإن رداءة حفظ سجلات المحاكم والشرطة تجعل من الصعب تعقّب الحالات التي تم الإبلاغ عنها، إذ قد تشير سجلات الشرطة ببساطة إلى الحالات القاسية من العقاب البدني بوصفها اعتداءً أو جريمة قتل، دون الإشارة إلى إنها حدثت في المدرسة.
استجابة السلطات للحالات التي يتم الإبلاغ عنها، وإنصاف الضحايا
تحرّت منظمة هيومان رايتس ووتش في عدة حالات أوردتها الصحافة أو وثّقتها منظمات غير حكومية، عن أطفال أصيبوا بجراح خطيرة ومات بعضهم بسببها، وتأكدنا من تفاصيل بعض تلك الحالات. وفي الحالات القليلة التي وصلت إلى القضاء، أفضت المحاكمات إلى تبرئة ساحة المعلمين أو الاكتفاء بتغريمهم غرامات خفيفة. وتقريباً في كافة الحالات الموثّقة التي أدى بها الضرب إلى موت الطالب، حصل المعلمون على البراءة لأنهم لم يكونوا على علم بأن الطفل كان يعاني من ظروف صحية قبل تعرضه للضرب، تجعله معرّضاً للأصابة أكثر من غيره.
ويبدو أن وزارة التعليم لم تفعل سوى القليل لفرض فقرات أنظمة العليم (للضبط في المدارس) التي تحدد كيفية تنفيذ العقاب البدني. وقد قال بعض كبار المسؤولين الرسمين في وزارة التعليم لمنظمة هيومان رايتس ووتش إن الوزارة لا تشجّع استخدام العقاب البدني، على الرغم من أن الأنظمة تسمح به، كما قالوا إن مدير التعليم، السيد إليا نجوكا، أصدر مذكرة في العام 1996 لمنع هذه الممارسة. وبصرف النظر ما إذا كانت هذه المذكرة قد صدرت أم لم تصدر -لم تتمكن منظمة هيومان رايتس ووتش من أن تجد إي سجل رسمي لهذه المذكرة- فإن الحظر لم يفرض أبداً ، وما زالت هذه الممارسة متواصلة دون تغيير. ومع ذلك، أكّد بعض كبار المسؤولين في وزارة التعليم أن المذكّرة التي تحظر العقاب البدني لم تُلغَ. وباختصار، هناك ارتباك في المستويات العليا في وزارة التعليم فيما يتعلق بسياسة الوزارة أزاء العقاب البدني.
أمّا حملات رفع مستوى الوعي، وتدريب المعلمين على أساليب الضبط البديلة عن العقاب البدني، فهي غير موجودة عملياً. وقلّما يُعاقب المعلمون من قبل مدير المدرسة أو وزارة التعليم، حتى في حالات تسببهم بجراح خطيرة لأطفال تحت رعايتهم. كما يندر أن يُوجّه توبيخ، أو لا يوجَّه أبداً، لمدير المدرسة الذي يتغاضى عن العقاب البدني القاسي والمتواصل الذي يقوم به المعلمون. وكذلك، وفقاً لما قاله العديد من المعلمين والأهالي الذين قابلتهم منظمة هيومان رايتس ووتش، فإن الفساد منتشر في البيروقراطية التعليمية في كينيا، وأحياناً يجري تعيين المعلمين في المناطق المرغوبة فيما إذا دفعوا رشوة. وهكذا، يجري التكتّم على الإساءات من خلال دفع الرشوات.
تتمتع لجنة خدمات المعلمين في كينيا بسلطة معاقبة المعلمين من خلال إيقافهم عن العمل لفترة محددة، ونقلهم إلى مدارس أخرى، أو حتى فصلهم من العمل. ويتميز قسم التحقيق في هذه اللجنة باللامبالاة إذا كان الأمر يتعلق بالنظر في الإساءات الناتجة عن العقاب البدني. وعلى الرغم من أن الصحافة الكينية غطت بكثرة، حالات الإصابة بجراح خطيرة الناتجة عن العقاب البدني في السنوات القليلة السابقة، إلاّ أن نائب مدير لجنة خدمات المعلمين أخبر منظمة هيومان رايتس ووتش إن اللجنة تتلقى شكوى واحدة فقط كل عدة أعوام حول الاستخدام المفرط للضرب، ولم تقم اللجنة على الإطلاق بمعاقبة أي معلم بسبب استخدام الضرب بالعصا. كما أصر على أن "معظم الضرب يحدث وفقاً للتعليمات".
أما النظام القضائي فهو عموماً سبيل غير عملي لإنصاف ضحايا العقاب البدني في المدارس. فمعظم العائلات لا تستطيع تحمل مصاريف المحامين، ولهذا فإن إمكانية اللجوء إلى المحاكم ضعيفة، كما أن آمالهم بالفوز من خلال التقاضي القانوني ضئيلة، فيما إذا قرروا الخوض في ذلك. علاوة على ذلك، يتميز النظام القضائي بالضعف بسبب بطء عملية التقاضي، وصعوبة فرض أحكام القضاء.
ومما يدعو للقلق بصورة خاصة، وجود حالات عديدة لعمليات انتقام شديدة ضد الأشخاص الذين يقومون بالاحتجاج على العقاب البدني القاسي، وهذا أمر أدركته منظمة هيومان رايتس ووتش خلال مقابلاتها مع الأطفال والأهالي. فوفقاً للعديد من الأشخاص الذين قابلناهم، قد يؤدي الاحتجاج على إيقاع العقاب المفرط، إلى المزيد من العقاب القاسي في المستقبل، كما قد يتعرّض أخوة وأقارب الطفل الذي قدّم أهله الشكوى للعقاب، إلى جانب معاقبة الطفل نفسه. وقال بعض الأهالي أنهم تعرضوا للتهديد بالعنف عندما قاموا بالاحتجاج على إساءة معاملة أطفالهم.
أفاد بعض الأطفال أنهم أُجبروا على الانتقال من مدارسهم إلى مدارس أخرى للنجاة من المعلمين الحاقدين. كما قال عدة مدراء مدارس لمنظمة هيومان رايتس ووتش إنهم يخبرون أهالي الأطفال عندما يأتون لتقديم شكوى بخصوص تعرّض أطفالهم للضرب، أن عليهم نقل أطفالهم من المدرسة إذا كان الضرب لا يروق لهم. وفي الواقع العملي، وكما أقر العديد من مدراء المدارس، قد يُضطر الأطفال الذين يقدمون شكاوى حول العقاب البدني إلى التخلي عن المدرسة تماماً، إذ أن الانتقال إلى مدرسة أخرى بعد مغادرة مدرسة "لأسباب متعلقة بالضبط" -أي عدم القبول بفرض العقاب البدني- هو أقرب إلى المستحيل
شريط الفيديو الذي صوره أحد التلاميذ السعوديين لمعلم ينهال ضربا على أحد صغار التلاميذ مازال الجميع يتذكرونه، خاصة بعد ان كشفت لقطات الفيديو ابعاد ظاهرة تنتشر للاسف في كثير من المدارس.
هذا لا يعني ان مدارسنا موبوءة بالعنف، وان كل من يتولى تربية صغارنا مصاب بهذه اللوثة ولا يراعي حرمة الرافة بالبراعم، لكن الحادثة تعني ان اسلوبا ما زال يمارس، وان اعتذار وزارة التربية السعودية عما حدث يحمل دلالة انه آن الأوان ليتراجع هذا الاسلوب ويختفي كما اختفت امراض سارية عبر القرون . في جولتنا بين التلاميذ والتلميذات، كنا نشعر انه ليس من الصعوبة ان يعترف احدهما بأنه تعرض للضرب، وقد لا يكون ذلك بسبب الخوف، ولكن بسبب الخجل،
تحكي هتون طالبة الصف الأول المتوسط ما وقع لها حين كانت صغيرة ( عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي أخذت من زميلتي شادن قطعة من الحلوى، لأنها سبق وأخذت حلوتي، فبكت واشتكتني لدى المعلمة التي غضبت مني واعتبرت ذلك سرقة تستوجب العقاب، فأخذتني لمديرة المدرسة وأخبرتها بما حدث، وفوجئت بالمديرة أنها لم تسألني عن القصة وكيف حدثت، بل أغلقت الباب واقتربت مني وصفعتني صفعة قوية جدا حتى أنني لم استطع البكاء في حينها من هول المفاجأة ، والى الآن اذكر هذا العقاب واشعر بالكره الشديد لتلك المديرة
< التأثير يدوم اطول مما نتصور كما يقول ماجد الشهري 31 سنة: عندما كنت في الصف الخامس الابتدائي جاء المعلم كي يختبرنا في مادته، ولم أكن قد حفظت الدرس جيد، فتقدم نحوي ورفع يده في الهواء وصفعني كفين من يده الغليظة وشعرت حينها كأن ماء حارا انسكب في أذني وعندما ذهبت للبيت ازداد الألم، أخذني عمي للمستشفى لكني فقدت السمع في إذني اليسرى وفات الأوان،
لا تتوقف اسباب ضرب المعلمين للتلاميذ كما يخبرنا البعض عند الحوادث الصغيرة التي تبدو مثل الطرائف او النكات كعدم حفظ الدرس او الشجار بين التلاميذ الصغار، فهناك اسباب اخرى مثل تسرع التلميذ او تهوره او ايذائه لرفاقه، ولكن ماذا عن ضرب التلميذات؟
في جولتنا سمعنا عن عقاب من نوع آخر تقول البنات اللاتي تعرضن له انه اقسى من الضرب:
< تقول ريم: أتيت وأختي التوأم نورة إلى المدرسة متأخرتين، حيث مضت الحصة الأولى، وأثناء دخولنا المدرسة شاهدتنا المديرة التي غضبت بشدة، فطلبت منا الوقوف في ساحة المدرسة تحت الشمس وكان الجو صيفا، ووقفنا حصة ونصف تقريبا، أما أم هديل فتحكي قصة ابنتها التي تعرضت للضرب قائلة: ابنتي هديل شقية نوعا ما، وذات يوم ضربت زميلتها في المدرسة بالمسطرة على يدها وهي تقول أنا أضربكم مثل الأستاذة، وذهبت الصغيرة تشكو لأمها، فتحدثت الأم إلى المعلمة أن لا تضرب الصغيرات حتى لا يأخذن عنها هذه العادة السيئة لأنهن يقلدنها، وفي اليوم التالي قامت المعلمة بضرب هديل لأنها تقلد أسلوبها في الضرب نظرية تحكي أم ماجدة عن ابنتها في الصف الثاني، التي ضربتها المعلمة بسبب نظرية غريبة تتبناها المعلمة وتقول: جاءت ماجدة ذات يوم من المدرسة وهي تبكي لأن المعلمة ضربتها، فتحدثت مع المعلمة عن السبب فقالت نحن الآن نستعد لتعلم جداول الضرب وصدقيني حفظ الجداول مستحيل أن يكون بدون الضرب، حتى تعرف التلميذة أنها أن لم تحفظ فسوف تضرب ، أي أن المدرسة بدأت بالضرب قبل حتى أن تعطيهم الدرس.
صورة مشرفة لبعض المعلمات
ونحن هنا لا نقول بان جميع المعلمات هذا هو أسلوبهن في التربية ولكن هناك من تعطي للتعليم صورة مشرفة، وتعتبر التلميذة ابنتها ، تقول أمل مبارك ( عندما كنت طفلة في الصف الأول الابتدائي كنت أكذب كثيرا في كلامي والقصص التي ارويها ، ولكن معلمتي الحبيبة كانت خير موجه لي، فكانت تخوفني بان هناك ضوءا أحمر يظهر في عيني إذا كذبت وضوءا أخضر إذا قلت الصدق ، فكنت حين أكذب الكذبة أتردد وأخاف من الضوء الأحمر، وبالتدريج تخلصت من هذه العادة نهائيا والفضل ليس لأبي أو أمي وإنما لمعلمتي ).
أصبحت أخشى على أطفالي من المدرسة
يبدو أن تاثير الضرب لا يطال التلاميذ فقط بل ينشر ظلاله المرعبة على الأقل ايضا إذ تعترف لنا سارة المالكي قائلة: لقد أصبحت أخاف على أطفالي من الذهاب للمدرسة فنحن نشجعهم على الدراسة ونتأمل فيهم خيرا، ولكن أن يتطاول عليهم احد بالضرب مثلما فعل ذلك المعلم الخالي قلبه من الرحمة، فهذا أمر غير مقبول، إطلاقا.
الضرب في الصغر..
حول الآثار النفسية التي يسببها الضرب للطفل تقول فاطمة النزاوي أستاذة علم النفس بجامعة الملك سعود:لا يصح مطلقا استخدام الضرب للطفل أو غيره ، فلدينا فهم خاطئ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) فلو تأملنا الحديث الشريف لوجدنا أن أمر الطفل يكون منذ السنة السابعة ويستمر إلى العاشرة أي أن الأب يوجه طفله ثلاث سنوات متتالية، ثم يضربه ضربا خفيفا بغرض تنبيهه لخطئه، لان الضرب المستمر وعلى كل الأمور يفقد قيمته النفسية والمعنوية لدى الطفل.
أنا .. أنا .. تضربني امرأة ؟
تحكي أم خالد قصة ابنها حين كان في الروضة، وفي روايتها الطريفة تقول: عندما كان خالد صغيرا أدخلناه الروضة، فعاد ذات يوم إلى البيت غاضبا ورفض العودة للمدرسة مرة أخرى، لان المعلمة ضربته، فحاولنا ثنيه عن ترك المدرسة ولكنه رفض ويقول أنا تضربني امرأة كيف منظري أمام أصحابي؟ وبالفعل لم يذهب إلى الروضة أبدا، ولكنه دخل مدرسة البنين بعد ذلك.
المغرب
إعتراف جريء من معلم
> تؤكد تعليمات وزارة التربية والتعليم ومؤسساتها في المغرب على المربين والمعلمين عدم استعمال العنف في تعاملهم اليومي مع التلاميذ والطلبة وتبني الحوار واللين وذلك احتراما لحقوق الطفل ومنحه مجالا صحيا للتعبير عن نفسه وتوفير مناخ نفسي سليم ليدرس في أجود الظروف عملا باتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب منذ سنوات، لكن بالرغم من هذا التأكيد والتحذير عبر مذكرة وزارية رقم 99/87 فإن الكثير من حالات العنف تمس الطرفين التلميذ والأستاذ. لماذا؟
ـ بعض الاجابات تقول: إن الاسباب موضوعية وليست شخصية، أي تتعلق بشخص المعلم ومزاجه، كالازدحام في بعض الصفوف وضغوط تدريس المادة، الا ان بعض المعلمين يعترفون بأخطائهم وتسرعهم بارتكاب العنف وبهذا الصدد يقول أحمد الحسيمي (مدرس اللغة الفرنسية):
كنت أعلم تلامذتي الحروف الأبجدية باللغة الفرنسية وكنت أصر على أن يحفظوا الحروف وينطقوها بطريقة سليمة، وبدلا من أن ينطق أحدهم حرف «ن» محتذيا بنموذج أصدقائه وعملا بالطريقة التي نطق بها هذا الحرف فإنه يقول «أو» دون أن يتحكم في تحريك شفتيه وبدون شعور صفعته على الوجه فسالت الدماء من فمه وتكسرت إحدى أسنانه، وهذا التصرف جاء نتيجة الإحباط الذي شعرت به أمام عجزه عن النطق السليم للحرف المذكور فصفعته بلا شعور واضطررت في نهاية الأمر لمطالبة زملائي المدرسين للتوسط والتوسل لأسرة الطفل للعفو والتسامح على أن أتكفل بمعالجته.
معلمون يلومون الأهل!
يرى مدرس آخر هو نور السعداوي أن حياة الأستاذ لا تخلو من المخاطر، فتلاميذ اليوم لم يعد لديهم استعداد للتعليم ولا الحفظ والأسرة منغمسة في مشاكلها اليومية وأغلبية التلاميذ لا ينجزون واجباتهم المنزلية بسبب إدمانهم على مشاهدة الرسوم المتحركة والمسلسلات التلفزيونية، وهذا ما يحز في نفس المدرس الذي يجتهد في تحضير دروسه وتلقينها اليوم، وفي الغد يفاجأ بمعظم التلاميذ (صم وبكم) وكأنهم نزلوا من كوكب المريخ مما يوتر أعصاب الأستاذ ويضطر وبعد نفاد جميع وسائله التربوية إلى استعمال العصا،
الضرب ضرورة أحيانا
رغم معرفة المعلمين بعواقب العنف والمشاكل التي تترتب عنه، والتي قد تصل ببعضهم للوقوف بين يدي العدالة، فإن إحساسهم بالمسؤولية وحرصهم على تعلم الأطفال يجعلانهم يرون أن العصا لغة لا بد منها وأن الطرق البيداغوجية وحدها ليست كافية، فيما يرى بعض الآباء أن لجوء الأستاذ للعنف والضرب يعني فشله في تبليغ دروسه وأن العقاب البدني يعكس هذا الفشل رغم ان اغلب الحالات يتم تطويقها ومعالجتها حبيا بين الأسرة التعليمية وأهالي الأطفال.
وتؤكد المذكرة الوزارية الصادرة في هذا الشأن والتي توزع على جميع المؤسسات التعليمية الآثار السلبية الخطيرة على استقرار ومردودية المدرس من جهة، ونفسية الطفل وقابليته للتعلم من جهة أخرى.
بريطانيا
مسموح بصفعة واحدة خفيفة جدا.. ولكن ممن؟!
يعيش الطفل في بريطانيا في عالم يرفع الراية البيضاء بوجه العنف ولا يؤمن بمزايا وايحابيات الضرب التي يتحدث عنها الآخرون، حيث لا تطال الطفل هنا ضربة كف أو وخزة عصا، فالضرب ممنوع سواء جاء من الوالدين أو من الشارع أو من المدرسة، والصغير يقفز في ساحة اللعب مثل عصفور طليق يحتمي عند الحاجة بالدولة التي تنجده في الحال وتقتص ممن يضربه وتقدمه إلى المحكمة.
القوانين البريطانية صارمة في تحريم الضرب بكل درجاته وأنواعه في حالة الصغار دون الثالثة من العمر، أما بعد هذا العمر فإن القوانين تحذر الوالدين من ضرب منطقة الرأس أو الأذن أو هز الطفل أو رجه بقوة أو ضربه بالعصا أو الحذاء أو الحزام، لكنهم تركوا بابا صغيرا للصفعة الخفيفة الواحدة وقت الضرورة.
ولكن حتى هذا الإمتياز في الصفعة الخفيفة يحرم على المدرسة ولا يسمح للمعلم برفع يده على الطالب مهما كانت الأسباب والمبررات،
المعلم بين نارين
المعلم في بريطانيا وفي كثير من الدول الاوروبية وأمريكا أيضا بين موقفين احلاهما مر فهو محاصر بالقانون الذي يمنع العقاب الجسدي منعا باتا، من جهة، وبالطلبة المشاكسين والعدوانيين وغير المؤدبين من جهة أخرى، وقبل شهور نقلت الصحف الأمريكية حكاية طالب في الرابعة عشرة من عمره قتل معلمه بالمسدس لأنه زجره وحاول منعه من التحدث مع زميلين له، أما حكاية السخرية والاستهزاء والاستهانة بالدرس وبالمعلم فهي شائعة جدا كما تؤكد نقابات المعلمين البريطانيين وبدأت الأصوات ترتفع مؤخرا مطالبة بإيجاد قوانين تحمي المعلم من هذه الاعتداءات وتردع الطلاب وتوقفهم عند حدهم، و في استبيان وزعناه على مجموعة من طلبة إحدى مدارس شمال لندن ووضعنا فيه السؤال التالي «هل ترى ان المعلم هو ضحية لهجوم الطلاب» جاءت بعض الإجابات كما يلي:
> توبي (13 سنة) «اعتقد ان المعلم محظوظ لأننا لا نعامله بنفس الطريقة التي يعاملنا بها».
> ليام (10سنوات) «التلاميذ يهاجمون المعلم لأنه يدرسهم مواد لا تثير اهتمامهم، ربما سيكفون عن مضايقته لو انه اختار دروسا غير مضجرة».
> فاطمة (15سنة) «المعلم يستحق الاحترام، وباب الشكوى مفتوح إذا تمادى المعلم في استخدام موقعه، وفي كل الأحوال علينا احترامه لأنه أكبر منا سنا».
> مارتن (15سنة) «لا احب المعلم الذي يريد ان يوهمنا إنه يعرف كل شيء في حين انه لا يعرف حتى نفسه».
> جاز (13سنة) «المشكلة تكمن في المعلم الذي لا يعرف كيف يضبط الصف، والتلميذ يهاب المعلم اذا كانت شخصيته قوية ومؤثرة، واعتقد ان المعلمين قد دربوا كي يقودوا الصف وعليهم أن يفعلوا ذلك».
دعاوى كيدية ضد المعلمين
وهذا لا يعني ان الطالب في بريطانيا يعيش في نعيم اسمه المدرسة فهو عرضة أيضا لمشاكل عديدة مع المعلم الذي قد يكون في بعض الأحيان عنصريا أو عصابيا أو يعاني هو نفسه من مشاكل حياتية أو نفسية قد يعكسها أحيانا على طلابه، ومن أجل هذا فتحت المحاكم أبوابها كي تأخذ للطفل حقه إذا كان مظلوما ولا تحابي المعلم على حسابه، ولكن بعض التلاميذ ومعهم أهلهم يبالغ في الاستفادة من هذا الحق ويسوق المعلم إلى المحكمة بحق أحيانا وبغير حق في أحيان كثيرة، ولهذا الغرض اقيم في مدينة برايتون مؤخرا مؤتمر شاركت فيه نقابات المعلمين البريطانيين وطرحت فيه قلقها من تزايد الدعاوى التي يرفعها التلاميذ على معلميهم واكدت مندوبة احدى النقابات ان أقل من واحد من مائتين من هذه الدعاوى يدان فيها المعلم اما البقية فهي مجرد خسارة في الوقت والمال ومزيد من الضغط والإجهاد النفسي الذي يلحق بالمعلم وعائلته وطالبت بمعاقبة الطالب الذي يقدم شكوى كيدية ونقله إلى مدرسة أخرى، واشارت أيضا إلى ان سبب تزايد هذه الدعاوى يعود إلى الاعلانات التي يضعها بعض المحامين في الصحف والمجلات ويعدون فيها الطلبة ويمنونهم بتعويضات مالية كبيرة قد تحكم لهم بها المحكمة، وهذا ما يشجعهم على اللجوء إلى القانون وعلى الكذب والتلفيق لكسب الدعوى، مشيرة إلى قضية الطالب الذي ادعى ان معلمته قد رمت به في احدى البالوعات الفارغة، وفي المحكمة تبين انه قد اتفق مع رفاقه على وضعه في الحفرة، وظهرت براءة المعلمة بعد ان اثبتت للقاضي انها كانت تتسوق مع بعض الزميلات ساعة الحادث.
كيف يعاقب التلميذ دون ضرب؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يعاقب الطالب المشاكس أو المخالف أو سيئ السلوك في المدارس البريطانية ما دام الضرب ممنوعا؟ والجواب هو في البدائل التي تتفنن المدرسة في إيجادها وتطويرها للحصول على أكبر تأثير في ردع التلاميذ وأهمها:
> عقوبة احتجاز الطالب لساعات متفاوتة بعد نهاية الدوام وحرمانه من العودة إلى البيت أسوة ببقية الطلاب.
> حرمانه من الرحلات المدرسية والأنشطة اللاصفية.
> حرمانه من المباريات الرياضية.
> توبيخه وتعنيفه بالكلام.
> ادخاله في نظام (التقرير) الذي يكون أصفر أو أحمر حسب الحالة وفي هذا النظام يكون على الطالب جمع تواقيع كل المعلمين كي يشهدوا بأن سلوكه قد بدأ يتحسن يوما بعد يوم.
القاهرة
نضرب أو لا نضرب
انعاقب أم ندلل. ضرب مبرح أم تأنيب خفيف؟ أسئلة وحوارات ما زالت تدور بين أروقة المدارس ويختلف عليها الأساتذة والمختصون بشؤون التربية والتعليم، وهم لا يعرفون أن القضية لا تتعلق بالضرب أو استخدام العصا أو السلك الكهربائي، أو ما تطاله يد المدرس لحظة انفعاله، قدر ما هو أثر العقاب على الصحة النفسية لأطفالنا، أولادنا، فلذات أكبادنا.
ماذا تقول «ياسمين»؟
عن الأثر النفسي للعقاب البدني، كان لقاؤنا وبعض التلاميذ:
ياسمين مصطفى (8 سنوات) ببراءة ووضوح تقول: أنا أحب المدرسة وأحب المدرسين والمدرسات لكنهم يضايقونني بصوتهم العالي، وتهديدهم لي بالعصا أنا وزميلاتي كلما نطقت بكلمة ـ غصب عني ـ مرات كثيرة تضحكني زميلة لي تجلس بجانبي، ومرات أخرى يضربني زميل آخر يجلس خلفي من تحت الكرسي، ومن دون أن تراه المدرسة، ماذا أفعل؟ إن استدرت له، وضربته تراني المدرسة وتمسك لي بالعصا، وأضرب عشرة عصي، وأنا لم ارتكب ذنبا،
المدرس العصبي جدا
ويقول محمد مصطفى عبد العال وهو في الصف السادس الابتدائي: أنا تلميذ شاطر في المدرسة، أواظب على الحضور يوميا ولا أدعي مرضا أو إصابة؛ لأجلس بالبيت، أحب دروسي والمدرسين، خاصة حصة الألعاب والموسيقى والكومبيوتر، حيث أظهر مهاراتي التي تعلمتها من والدي، وأعمل الواجب، حتى لا أتعرض للعقاب.
لكن ما يضايقني ويجعلني أتمنى الإجازة يوما بعد يوم، وأن يطول يوم الجمعة أكثر من 24 ساعة أن بعض المدرسين وليس جميعهم لا يطيقون كلمة زائدة، أو فكاهة خفيفة تصدر عفوا من أحد التلاميذ، فهم عصبيون جدا! وإن حدث ينقلب الفصل رأسا على عقب، يأتي المدرس بعصاه الغليظة وينزل بها على أيدينا كلنا دون تفريق!
وحتى نداري خجلنا وإحساسنا بالألم نرسم الابتسامة على شفاهنا، أو نتضاحك فيما بيننا، مما يغري الأستاذ بمزيد من الضرب والعقاب.. لا أعرف لماذا لا تتسع صدور المدرسين لنا؟
أحب «الكونج فو» وأكره المدرسة!
يوسف صلاح حامد بالصف الثالث الابتدائي بشقاوة وخفة يقول: والدي ووالدتي دائما يكرران أنني لا أستطيع الجلوس على الكرسي أكثر من دقيقتين، وهذا حقيقي، فأنا أحب اللعب ولاعب ماهر في «الكونج فو» وكرة القدم والجري، لذلك فأنا دائما أترك «الديسك» في «الكلاس» لأقف وأتحرك وهذا يضايق مدرستي ويعرضني لعقابها كل حصة. أتذكر وأنا صغير في الصف الأول، كنت أكثر صراحة وأخبرت مدرستي بأنني لا أحبها، ولا أحب المدرسة بسبب صوتها العالي وألفاظ توبيخها التي لا أسمعها من أبي أو أمي رغم شقاوتي الزائدة كما يقول أبي، اليوم أنا أكرهها في صمت بدون كلام.
اختلفت الحجج.. والضرب واحد
وبسؤال بعض المدرسين وجدنا الإجابات مختلفة، ما بين مؤيد للعقاب والضرب المبرح، وآخرين يحبذون العقاب الخفيف كنوع من التأنيب، وهناك قليلون جدا منهم لا يلجأ أحد منهم إلى الضرب.
يؤكد الدكتور فكري عبد العزيز استشاري الطب النفسي أن ذات الطفل تبدأ في التكون بصورة تدريجية نتيجة التفاعل مع محيطها وذوات الآخرين، فهو سلوك مكتسب يتكون قبل مرحلة البلوغ، وتلعب فيه البيئة دورا مهما.
والمدرس يمثل دورا حاسما في تكوين شخصية الطفل خاصة في المرحلة الابتدائية والإعدادية؛ لذلك فإن التصرفات والمواقف التي يتخذها تؤثر تأثيرا مباشرا على نمو شخصيته، ويضيف: لذلك نقول لا للضرب في المدارس، فعواقبه خطيرة حيث يشعر الطالب بالجبن والخوف، بفقدان الأمان، وقلة الاحترام للنفس وأحيانا الاكتئاب،
ارحموا الأطفال: العقاب البدني في مدارس كينيا
مقدمة: العقاب البدني في مدارس كينيا
في 23 سبتمبر/أيلول 1998، تعرّضت أناستاسيا كاتونغ البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً، لضرب مبرّح باستخدام العصا، من قبل مدير المدرسة التي تدرس بها، السيد ماسيواني بريماري، كما تعرض طلاب الصف جميعهم للضرب. قامت منظمة هيومان رايتس ووتش بمقابلة الطالبة أناستاسيا كاتونغ ووالديها، وتفحّصت القضية الجنائية التي نتجت عن هذا الاعتداء. وقالت أناستاسيا، "أتى مدير المدرسة إلى الصف، وطلب قائمة بأسماء مصدري الضوضاء، وعندما حصل عليها عاقب مُصدِري الضوضاء. وبعد ذلك ناداني ، وذهبت إليه على مرأى من الطلاب، ثم بدأ بضربي. طلب مني أن استلقي أرضاً وأن أخلع سترتي الخارجية، ثم ضربني بالعصا على ظهري، كانت عصا غليظة تشبه غصن شجرة الصمغ، تلقيت ما بين خمس إلى عشر ضربات من هذه العصا، وكان ذلك أمام بقية طلاب الصف". وأُصيبت أناستاسيا بالإغماء إثر تعرّضها لتلك الضربات. ووصفت لنا ما حدث بعد ذلك بالقول، "عندما أفقت، ذهبت للجلوس في مقعدي، وانتظرت حتى غادر جميع الطلاب إلى بيوتهم، وعندما ذهبت إلى بيتي كنت ما أزال أنزف دماً من جروح في رقبتي وظهري ويدَيّ ... أخبرت أبي بما حدث، ثم ذهبت معه إلى مركز الشرطة".
عندما عادت أناستاسيا كاتونغ إلى المدرسة بعد ثلاثة أيام من ذلك، أخبرها مدير المدرسة أن عليها العودة إلى البيت: "قال لي إنه سيضربني بالعصا ثانية، وقال إن هذا اليوم هو آخر يوم لي في هذه المدرسة". وكذلك واجه والداها تهديدات مماثلة (أمها تعمل في المدرسة نفسها). فعندما ذهب أبوها، السيد ويلي كاتونغ، ليشتكي هدده مدير المدرسة بأنه سيضربه أيضاّ.
تُعتبر قضية أناستاسيا كاتونغ قضية استثنائية، ويعود ذلك جزئياً إلى شجاعة والديها ومبادرتهم برفع شكوى. قامت مديرية التعليم المحلية بنقلها ونقل والدتها التي تعمل معلّمة في المدرسة ذاتها، إلى مدرسة جديدة. وعلى الرغم من أن السلطات وجّهت لمدير المدرسة تهمة الاعتداء، وكانت القضية قيد النظر في محكمة منطقة كيامبو وفي وقت كتابة هذا التقرير، إلاّ أن الطلاب الذين يصابون بجراح على يد المعلمين لا يمكنهم عادة تقديم شكوى رسمية على الأطلاق، دون تحسّب حدوث عواقب وخيمة لذلك. إذ عادة ما يُجبر الذين يحتجّون على إساءة المعاملة، على ترك المدرسة تركاً نهائياً - مما يحرمهم عملياً من فرصة الحصول على التعليم.
ممارسة العقاب البدني
العنف هو جزء معتاد من تجربة الدراسة لمعظم أطفال كينيا. فالمعلمون يستخدمون الصفع والضرب بالعصي والسياط، للحفاظ على الانضباط في الصفوف، ولمعاقبة الطلاب على ضعف الأداء الأكاديمي. إن استخدام العقاب البدني هو مسألة روتينية، وتعسفية، وكثيراً ما تكون وحشية. ومن النتائج الجانبية للعقاب في المدارس، انتشار الكدمات والجروح بين الطلاب، كما إنه ليس من النادر أن يصاب الأطفال بجراح أخطر (مثل كسر العظام والأسنان، وحالات النْزيف الداخلي). وفي بعض الحالات، يؤدي الضرب من قبل المعلمين إلى إصابة الأطفال بتشوهات وإعاقات دائمة، أو حتى الموت.
يشكّل هذه العقاب البدني القاسي والمعتاد انتهاكاً للقانون الكيني ولمعايير حقوق الإنسان الدولية. ووفقاً للجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، فإن العقاب البدني في المدارس يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل، وهي الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان التي حازت على مصادقة أكبر عدد من الدول. كما استنتجت هيئات أخرى عاملة في مجال حقوق الإنسان أن بعض أنواع العقاب البدني الذي يجري في المدارس، يشكّل معاملة أو عقوبة قاسية أو لاأنسانية أو مهينة، وممارسة تتعارض مع حق الطفل في الحصول على التعليم والحماية من العنف.
يحدد القانون الكيني استخدام العقاب البدني في المدارس. ووفقاً للأنظمة التعليمية (للضبط في المدارس)، يمكن استخدام العقاب البدني لمعاقبة سلوك محدد، وذلك بعد إجراء تحقيق وافٍ، ويجب أن يجري بحضور شاهد، ولكن ليس أمام الطلاب الآخرين. والشخص الوحيد المسموح له بتنفيذ العقاب البدني هو مدير المدرسة، ويجب أن يستخدم في ذلك عصاً أو حزاماً ذا قياس محدد، وأن يكون موضع الضرب على الأرداف للأولاد، وعلى راحتي اليدين للبنات. كما يجب على مدير المدرسة ألاّ ينفّذ أكثر من ست ضربات كعقاب في المراة الواحدة، وأن يحتفظ بسجل مكتوب حول كافة مجريات هذه العملية. زعم بعض من تحدثنا إليهم إن مدير النظام التعليمي أصدر في العام 1996 مذكرة حظر فيها فرض العقاب البدني، ورغم ذلك لم يجرِ تنفيذ هذا الحظر، وواصلت الأنظمة التعليمية (للضبط في المدارس) السماح باستخدام هذه العقوبة.
ووفقاً للمقابلات التي أجرتها منظمة هيومان رايتس ووتش مع ما يزيد عن مائتي طفل كيني، ما تزال أنماط العقاب البدني القاسية والمنافية للقانون شائعة الاستخدام. فمن ضمن المدارس الابتدائية والثانوية العشرين التي زارتها المنظمة، كانت واحدة منها فقط -وقد قيل إنها أفضل مدرسة ثانوية في كينيا- تستخدم العقاب البدني وفقاً لإرشادات الأنظمة التعليمية (للضبط في المدارس). ووجدنا في المدارس العشرين التي زرناها، أن استخدام العقاب البدني شائع، ويظهر أنه شائع بصورة متساوية ما بين المدارس في المدن والريف، والمدارس التي يؤمّها أبناء الطبقتين والوسطى، والوسطى المتقدّمة، وتلك التي يؤمّها أبناء الطبقة الفقيرة، وكذلك في المناطق المختلفة من البلاد، وبين التجمعات الإثنية والدينية المختلفة.
إن الأسلوب الأكثر شيوعاً للعقاب البدني في كينيا، هو أن يستخدم المعلم عصاً لضرب الطلاب، وعادة ما تكون عصاً خشبية غير منتظمة الشكل، يبلغ طولها ما بين قدمين إلى ثلاثة أقدام[60 - 90 سم]، ويبلغ قطرها تقريباً ثلاثة أرباع البوصة [2سم تقريباً]. ويُعاقِب بعض المعلمين الطلابَ بجلدهم باستخدام سوط مصنوع من المطاط (عادة ما يكون شريحة من إطار سيارة قديم)، أو باستخدام عصا غليظة، أو ببساطة بالصفع أو الركل أو القرص. وفي معظم الحالات يجري ضرب الأولاد على الأرداف، بينما البنات على راحتي اليدين. مع ذلك، فأحياناً ما يتعرّض الأطفال للضرب على أجزاء أخرى من أجسادهم: على الظهر، أو الذراعين، أو الفخذين، أو باطن القدمين، وأحياناً على الوجه والرأس. وعموماً، يُجبر الأطفال على الركوع (وأحياناً الاستلقاء) أمام الطلاب الآخرين في الصف لتلقي الضرب. وفي أحيان أخرى، يقوم المعلمون بضرب الأطفال في أماكن جلوسهم على مقاعد الدرس.
قد يتلقّى الطفل ما بين ضربتين إلى عشرين ضربة بالعصى في المرّة الواحدة، وذلك اعتماداً على طبيعة الإساءة التي يرتكبها، وعلى قسوة المعلم والمدرسة. وبناءً على ما قاله الأطفال لمنظمة هيومان رايتس ووتش، فإنهم يشهدون في بعض المدارس حالة ضرب مرة أو مرتين في الأسبوع، وعادة ما يتلقّى الطلاب ضربتي عصا أو ثلاث في المرة الواحدة. كما قال أطفال آخرون إنهم يتعرضون للضرب أو يشهدون الآخرين يتعرضون للضرب لمرات متتالية طوال اليوم، وتقريباً كل يوم، وعادة ما يتلقّون خمس ضربات أو أكثر في كل مرة. وسمعنا كذلك أخبار متفرّقة عن أطفال تعرّضوا للضرب بسبب عدم قدرتهم على دفع الرسوم المدرسية، ولكن تحدثنا مع طفل واحد فقط قال إنه تعرض شخصياً للعقاب لذلك السبب.
يُستخدم العقاب البدني ضد الطلاب بسبب مخالفات متنوعة لقواعد السلوك. فقد يتعرّض الأطفال للعقاب البدني بسبب تأخرهم عن المدرسة، أو التغيّب عن المدرسة دون إذن (حتى في حالات المرض غير المتوقعة)، أو بسبب اتساخ الملابس المدرسية أو تمزقها، أو الوقاحة، أو الرسم على الجدران، أو الشجار، أو السرقة، أو استخدام المخدرات، أو أي شكل من أشكال السلوك التي قد تعيق التدريس في الصف (كتابة الملاحظات للطلاب الآخرين، الحركات غير المسموحة، التحدث مع الطلاب الآخرين، "إصدار الضوضاء"، وإلى آخره).
إضافة إلى ذلك، يشيع استخدام العقاب البدني بسبب الأداء الأكاديمي الضعيف: ففي صفوف الرياضيات، على سبيل المثال، من غير النادر أن يقوم المعلمون بضرب الطلاب بسبب الإجابة الخاطئة على مسألة رياضية (وأحياناً يقوم المعلمون بذلك على سبيل الضبط، استناداً إلى أن الأطفال الذين لا ينتبهون للشرح، هم فقط من يخطئون في تقديم الإجابة الصحيحة). وفي بعض الصفوف والمدارس، يحدد المعلمون علامات معيّنة ينبغي على الطلاب تحصيلها، ويتعرّض الطلاب الذين يخفقون في تحقيق ذلك للضرب بالعصا. وعلى الرغم من أن الفقر أو الحياة الأسرية قد تشكّل أسباباً لعدم قدرة الطالب على تحقيق توقعات المعلّم، إلا أن المعلمين لا ينظرون إلى هذه المسألة عند تنفيذ العقاب. ويقوم كثير من المعلمين بمعاقبة الطلاب الذين لا ينجزون وظائفهم البيتية أو لا يتعلمون الدرس، وبصرف النظر عما إذا كانت الكتب والمواد الضرورية متوفرة للطفل، أو أن الفرصة متاحة للطفل لإنجاز الوظيفة البيتية.
تحدّث الكثيرون أيضاً عن العقوبات الجماعية: فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن أداء إحدى المدارس جيداً في الامتحان الوطني، يمكن أن يتعرّض جميع طلاب أحد الصفوف للضرب بالعصا بصرف النظر عن مستوى الأداء الفردي لكل طالب. وكذلك إذا اكتُشفت رسومات وكتابات على جدران أحد الصفوف، فمن الممكن تعرّض جميع طلاب الصف للضرب إذا لم يُعرف الفاعل. وإذا صدرت ضوضاء عن مجموعة من الطلاب، فيمكن حينها أن يجري ضرب جميع الطلاب من هذه المجموعة في وقت واحد (إذ يقوم عدة معلمين بضرب طلاب مختلفين)، أو يقوم معلم واحد بضرب طلاب المجموعة بالتتالي.
من الممكن أيضاً أن يشترك مجموعة من المعلمين بضرب أحد الأطفال. ففي عدد من المدارس التي زرناها، أخبَرَنا الطلاب بأن العقوبة المعتادة "لمُصدري الضوضاء" في الصف، هي أن يذهب الفاعل إلى غرفة المعلمين، ومن ثم يُجبر على الركوع أو الاستلقاء، ومن ثم يشترك بضربه بين ثلاثة إلى ستة معلمين في الوقت ذاته، باستخدام العصي أو الأسواط.
الجراح الخفيفة كالكدمات والتورّم هي نتيجة روتينية "طبيعية" للعقاب البدني. والجراح الأخطر (كالجراح الغائرة؛ والتواء المفاصل؛ وكسر الأصابع) هي أقل شيوعاً، ولكن كان العديد من الأطفال الذين قابلناهم إما تعرّضوا بأنفسهم لجراح كهذه، أو يعرفون طلاباً آخرين تعرضوا لها. (من الممكن أن يحصل التواء المفاصل وكسر الأصابع بسهولة، إذا أزاح الطالب يده ليتجنب ضربة العصا أثناء نزولها وأصابته في أطراف أصابعه). أما الجراح شديدة الخطورة (كفقد السمع المؤقت أو الدائم؛ وكسر الأسنان؛ وكسر الرسغ أو عظمة الترقوة؛ والجراح الداخلية التي تتطلب عملية جراحية) فهي نادرة، ولكنها تحدث مع ذلك؛ وكنّا قد قابلنا عدة أطفال ممن أصيبوا في السابق بجراح كهذه، أو أنهم يعرفون أحداً أصيب بها.
في حالات قليلة يموت الأطفال كنتيجة للعقاب البدني، وقد أوردت الصحف الكينية بضعة حالات كهذه في السنتين الأخيرتين. ومع ذلك، كان من المستحيل الحصول على إحصاءات دقيقة حول هذه الحالات الخطيرة: فالعديد من حالات الضرب الشديد لا تُبلَّغ للسلطات الحكومية أو للصحافة، إذ يخشى الأطفال والأهالي من انتقام المعلمين ومدراء المدارس. وكذلك فإن رداءة حفظ سجلات المحاكم والشرطة تجعل من الصعب تعقّب الحالات التي تم الإبلاغ عنها، إذ قد تشير سجلات الشرطة ببساطة إلى الحالات القاسية من العقاب البدني بوصفها اعتداءً أو جريمة قتل، دون الإشارة إلى إنها حدثت في المدرسة.
استجابة السلطات للحالات التي يتم الإبلاغ عنها، وإنصاف الضحايا
تحرّت منظمة هيومان رايتس ووتش في عدة حالات أوردتها الصحافة أو وثّقتها منظمات غير حكومية، عن أطفال أصيبوا بجراح خطيرة ومات بعضهم بسببها، وتأكدنا من تفاصيل بعض تلك الحالات. وفي الحالات القليلة التي وصلت إلى القضاء، أفضت المحاكمات إلى تبرئة ساحة المعلمين أو الاكتفاء بتغريمهم غرامات خفيفة. وتقريباً في كافة الحالات الموثّقة التي أدى بها الضرب إلى موت الطالب، حصل المعلمون على البراءة لأنهم لم يكونوا على علم بأن الطفل كان يعاني من ظروف صحية قبل تعرضه للضرب، تجعله معرّضاً للأصابة أكثر من غيره.
ويبدو أن وزارة التعليم لم تفعل سوى القليل لفرض فقرات أنظمة العليم (للضبط في المدارس) التي تحدد كيفية تنفيذ العقاب البدني. وقد قال بعض كبار المسؤولين الرسمين في وزارة التعليم لمنظمة هيومان رايتس ووتش إن الوزارة لا تشجّع استخدام العقاب البدني، على الرغم من أن الأنظمة تسمح به، كما قالوا إن مدير التعليم، السيد إليا نجوكا، أصدر مذكرة في العام 1996 لمنع هذه الممارسة. وبصرف النظر ما إذا كانت هذه المذكرة قد صدرت أم لم تصدر -لم تتمكن منظمة هيومان رايتس ووتش من أن تجد إي سجل رسمي لهذه المذكرة- فإن الحظر لم يفرض أبداً ، وما زالت هذه الممارسة متواصلة دون تغيير. ومع ذلك، أكّد بعض كبار المسؤولين في وزارة التعليم أن المذكّرة التي تحظر العقاب البدني لم تُلغَ. وباختصار، هناك ارتباك في المستويات العليا في وزارة التعليم فيما يتعلق بسياسة الوزارة أزاء العقاب البدني.
أمّا حملات رفع مستوى الوعي، وتدريب المعلمين على أساليب الضبط البديلة عن العقاب البدني، فهي غير موجودة عملياً. وقلّما يُعاقب المعلمون من قبل مدير المدرسة أو وزارة التعليم، حتى في حالات تسببهم بجراح خطيرة لأطفال تحت رعايتهم. كما يندر أن يُوجّه توبيخ، أو لا يوجَّه أبداً، لمدير المدرسة الذي يتغاضى عن العقاب البدني القاسي والمتواصل الذي يقوم به المعلمون. وكذلك، وفقاً لما قاله العديد من المعلمين والأهالي الذين قابلتهم منظمة هيومان رايتس ووتش، فإن الفساد منتشر في البيروقراطية التعليمية في كينيا، وأحياناً يجري تعيين المعلمين في المناطق المرغوبة فيما إذا دفعوا رشوة. وهكذا، يجري التكتّم على الإساءات من خلال دفع الرشوات.
تتمتع لجنة خدمات المعلمين في كينيا بسلطة معاقبة المعلمين من خلال إيقافهم عن العمل لفترة محددة، ونقلهم إلى مدارس أخرى، أو حتى فصلهم من العمل. ويتميز قسم التحقيق في هذه اللجنة باللامبالاة إذا كان الأمر يتعلق بالنظر في الإساءات الناتجة عن العقاب البدني. وعلى الرغم من أن الصحافة الكينية غطت بكثرة، حالات الإصابة بجراح خطيرة الناتجة عن العقاب البدني في السنوات القليلة السابقة، إلاّ أن نائب مدير لجنة خدمات المعلمين أخبر منظمة هيومان رايتس ووتش إن اللجنة تتلقى شكوى واحدة فقط كل عدة أعوام حول الاستخدام المفرط للضرب، ولم تقم اللجنة على الإطلاق بمعاقبة أي معلم بسبب استخدام الضرب بالعصا. كما أصر على أن "معظم الضرب يحدث وفقاً للتعليمات".
أما النظام القضائي فهو عموماً سبيل غير عملي لإنصاف ضحايا العقاب البدني في المدارس. فمعظم العائلات لا تستطيع تحمل مصاريف المحامين، ولهذا فإن إمكانية اللجوء إلى المحاكم ضعيفة، كما أن آمالهم بالفوز من خلال التقاضي القانوني ضئيلة، فيما إذا قرروا الخوض في ذلك. علاوة على ذلك، يتميز النظام القضائي بالضعف بسبب بطء عملية التقاضي، وصعوبة فرض أحكام القضاء.
ومما يدعو للقلق بصورة خاصة، وجود حالات عديدة لعمليات انتقام شديدة ضد الأشخاص الذين يقومون بالاحتجاج على العقاب البدني القاسي، وهذا أمر أدركته منظمة هيومان رايتس ووتش خلال مقابلاتها مع الأطفال والأهالي. فوفقاً للعديد من الأشخاص الذين قابلناهم، قد يؤدي الاحتجاج على إيقاع العقاب المفرط، إلى المزيد من العقاب القاسي في المستقبل، كما قد يتعرّض أخوة وأقارب الطفل الذي قدّم أهله الشكوى للعقاب، إلى جانب معاقبة الطفل نفسه. وقال بعض الأهالي أنهم تعرضوا للتهديد بالعنف عندما قاموا بالاحتجاج على إساءة معاملة أطفالهم.
أفاد بعض الأطفال أنهم أُجبروا على الانتقال من مدارسهم إلى مدارس أخرى للنجاة من المعلمين الحاقدين. كما قال عدة مدراء مدارس لمنظمة هيومان رايتس ووتش إنهم يخبرون أهالي الأطفال عندما يأتون لتقديم شكوى بخصوص تعرّض أطفالهم للضرب، أن عليهم نقل أطفالهم من المدرسة إذا كان الضرب لا يروق لهم. وفي الواقع العملي، وكما أقر العديد من مدراء المدارس، قد يُضطر الأطفال الذين يقدمون شكاوى حول العقاب البدني إلى التخلي عن المدرسة تماماً، إذ أن الانتقال إلى مدرسة أخرى بعد مغادرة مدرسة "لأسباب متعلقة بالضبط" -أي عدم القبول بفرض العقاب البدني- هو أقرب إلى المستحيل