الصريح
03-08-2011, 10:28 PM
عندما تدخل المعلومة إلى الجهاز العقلي أو تنبت الفكرة فيه ، فإنها تسير في أحد مسارين ؛ فالأول : أنها تحفظ كما أتت دون تغيير ، والثاني : أنها تعالج بأي نوع من أنواع المعالجة ، وهذه المعالجة = تسمى فكرًا ، وهذا الفكر هو الذي يمثل الإنسان ، ويتفاوت الناس في فكرهم حسب تفاوتهم في معالجة معلوماتهم وأفكارهم ، وبما أنّ هذا الفكر : بشري المولد والنشأة ؛ فيعتريه من النقص والقصور والعجز ما يعتري المخلوق الإنساني ككل ، وهاهنا عرض لجملة من القابليات للفكر الإنساني ، وسأجتهد أن تكون هذه القابليات خاصة بالفكر الإنساني فقط !
الأولى : القابلية للتعديل
نظرًا لقصر المساحة التي ينظر منها وإليها العقل البشري ، فإنه يعتري نظرته الكثير من القصور والنقص ، وحين يقوم بتدوين هذه النظرة كفكر مكتوب ؛ تبدأ مباشرة عمليات التعديل على هذا الفكر من العقول الأخرى كي يكون أكثر شمولية وإحاطة ، ولن تقف هذه التعديلات مادامت العقول في عملية تفكير مستمرة ، ولربما انتهى المطاف بتغيير الأساس !
الثانية : القابلية للرفض
عندما تكون النظرة المدونة للفكر البشري مخالفة أو مصادمة لحقيقة الواقع ، أو لا تتوافق مع طبيعة النفس البشرية ؛ فسيكون الرفض حليفها والرد مصيرها ، وهذه نتيجة طبيعية لكل فكر لا يتفهم ولا يراعي ولا يتماشى مع الطبائع كما هي ، فلربما ترى فكرًا منظرًا ليس له مكان على أرض الواقع .
الثالثة : القابلية للتحريف
الحفظ خاصية امتاز بها النص السماوي دون غيره ، لذا كان وسيكون كل شيء غيره قابلًا للتحريف ، وهذه التحريفات مما يتعذر كشفها لكل أحد ، ويعز ظهورها لكل شخص ، وما أكثر ما تجد تنظيرًا كثيرًا ، ونقاشًا طويلًا : بُني على فكر محرف ، وتكثر هذه القابلية عندما تقل الديانة وتروج سلعة الخيانة .
الرابعة : القابلية للتبديل
عندما يتفاعل الفكر مع مرحلة من مراحل التاريخ البشري ؛ ينتج الكثير من الفكر والأفكار المناسبة لهذه المرحلة ، وعندما تموت عوامل نشأة هذا الفكر وتندثر ، فإن هذا النتاج يكون غير قابل للعمل به ؛ مما يضطر أصحاب الفكر والشأن أن يقوموا بتبديله بفكر آخر يناسب ما هم عليه من شأن ، وهذه طبيعة الفكر البشري ، له ميلاد يعقبه قوة يختمها ممات .
الخامسة : القابلية للتعقيد
عندما يُكثر العقل من الحِجَاج ، ويتوالد الفكر عبر اللِجاج ، قد تتعقد الأفكار ، وكلما ازداد تعقيد المعقد : استغلقت الفكرة ، فيكون فتحها عسيرًا جدًا على الكثرة الكاثرة من الناس ، وعندما يدمن صاحب الفكر المعقد هذه الطرق ، تصبح له عادة وطريقة لا يرى تعقيدها ، ولا يلمس استغلاقها ، فإذا كان الفكر كذلك : يصبح انتشاره مرهونًا بفتح مغاليقه ، وحيث أنّ هذا متعذر على كثيرين ؛ فإن رواد هذا الفكر قلة قليلة ، لا أثر فعلي لهم ، ولا حضور واقعي لفكرهم .
السادسة : القابلية للانحطاط
عندما يكون الدافع للتفكير : سيئًا ، والمحرك للإنشاء : رديئًا = تولد النتائج الدنية ، وتزدهر الأفكار الوضيعة ، فقد تجد فكرًا ينظّر له أصحابه ويُسوق له رواده ، بيد أنّ سيرته ونظرته وغايته ورايته وآلته وعاقبته : منحطة !
السابعة : القابلية للتلفيق
عندما يعتري الفكر ضعفًا : تصبح الثغرات ظاهرة ، لذا يلجأ بعض أصحابه إلى تطبيق منهج التلفيق الفكري ، فيرقع بفكرة من هنا ، وأخرى من هناك ، لينتج ثوبًا فكريًا مرقعًا ، وهذا التلفيق يُضعف النتاج المنتظر من هذا الفكر ، ويُضعف الأساس الذي بني عليه أيضًا ، فيخرج لنا فكرًا مهلهلًا غير متماسك .
الثامنة : القابلية للحذف
عندما يصدر أي منتج فكري بشري : يكون مقولبًا حسب منتِجه وبيئة نتاجه ، فإذا أُريد تعميمه أو نقله أو فرضه على الواقع ؛ قد تظهر بعض الأمور غير المناسبة ، فيكون حذف أجزاء منه : خيارًا مهمًا لاستمراره ، وهذا الحذف قد يذهب بلب الفكر وقد لا يذهب ؛ المهم أنه تعرضه للتشذيب لازم من لوازم البقاء.
التاسعة : القابلية للغموض
الوضوح من أساسيات التواصل الإنساني ، وعندما يعتري الفكر غموضًا ، ويكتنفه عدم وضوح ؛ فإنه لن يصل ، وربما قد يصل منه ما لم يكن من منظريه على بال ، وهذه ضريبة من ضرائب الغموض ، حيث أنها تجعل التفسير حسب المتلقي لا حسب المرسل ، وحين يكون ذلك كذلك ؛ فليس للفكر رسالة يسعى لها !
العاشرة : القابلية للتضخيم
عندما يتكأ الفكر على عاطفة ، أو يستند على غاية ناقصة ، وهو ضعف الحجة ، قصير المحجة : فإنه يميل إلى التضخيم والتهويل ؛ ليسد نقصًا يعتريه ، ويغطي ضعفًا يحتويه ، ومن المفارقات أن هذا التضخيم قد يكون سببَ قبولٍ عند قوم ، وسببَ ردٍ عند قوم آخرين .
وقبل الختام أقول : إنّ القابليات كثيرة ، كالتطوير والتصحيح والتهويم والتضليل والتزييف والتهوين والتغيير والعدم والضعف والنقص والحشو وغيرها ، لذا سأتوقف هنا متحاشيًا الإطالة ؛ لأعرج على نقطة مهمة ، وهي أن هذه القابليات للفكر الإنساني تجعلك تفكر مليًا قبل أن تسند عقلك إلى أحد منها ، بل إن لسان حال هذه القابليات يقول لك بصوت جَهوري : إيّاك والتسليم للفكر الإنساني ، فهو ناقص مهما كثر ، وقصير مهما طال ، وضيق مهما اتسع ، فاجعل قياد عقلك وسياج فكرك للنصوص الشرعية ، منها ينطلق وإليها يعود ، فهذه النصوص منطلقة ممن خلقك وخلق عقلك وكونك وطبيعتك ، جعلك الله ممن يُسلّمون بها تسليمًا ، ولا يجدون في أنفسهم حرجًا منها ، وليس في هذا دعوة لرفض الاستفادة من نتاج الفكر الإنساني ، وإنما هي دعوة لرفض التسليم له ، ووضعه في مكانه الصحيح دون أن يزاحم أو يقارن أو يصادم النصوص .
أورنجزيب
الأولى : القابلية للتعديل
نظرًا لقصر المساحة التي ينظر منها وإليها العقل البشري ، فإنه يعتري نظرته الكثير من القصور والنقص ، وحين يقوم بتدوين هذه النظرة كفكر مكتوب ؛ تبدأ مباشرة عمليات التعديل على هذا الفكر من العقول الأخرى كي يكون أكثر شمولية وإحاطة ، ولن تقف هذه التعديلات مادامت العقول في عملية تفكير مستمرة ، ولربما انتهى المطاف بتغيير الأساس !
الثانية : القابلية للرفض
عندما تكون النظرة المدونة للفكر البشري مخالفة أو مصادمة لحقيقة الواقع ، أو لا تتوافق مع طبيعة النفس البشرية ؛ فسيكون الرفض حليفها والرد مصيرها ، وهذه نتيجة طبيعية لكل فكر لا يتفهم ولا يراعي ولا يتماشى مع الطبائع كما هي ، فلربما ترى فكرًا منظرًا ليس له مكان على أرض الواقع .
الثالثة : القابلية للتحريف
الحفظ خاصية امتاز بها النص السماوي دون غيره ، لذا كان وسيكون كل شيء غيره قابلًا للتحريف ، وهذه التحريفات مما يتعذر كشفها لكل أحد ، ويعز ظهورها لكل شخص ، وما أكثر ما تجد تنظيرًا كثيرًا ، ونقاشًا طويلًا : بُني على فكر محرف ، وتكثر هذه القابلية عندما تقل الديانة وتروج سلعة الخيانة .
الرابعة : القابلية للتبديل
عندما يتفاعل الفكر مع مرحلة من مراحل التاريخ البشري ؛ ينتج الكثير من الفكر والأفكار المناسبة لهذه المرحلة ، وعندما تموت عوامل نشأة هذا الفكر وتندثر ، فإن هذا النتاج يكون غير قابل للعمل به ؛ مما يضطر أصحاب الفكر والشأن أن يقوموا بتبديله بفكر آخر يناسب ما هم عليه من شأن ، وهذه طبيعة الفكر البشري ، له ميلاد يعقبه قوة يختمها ممات .
الخامسة : القابلية للتعقيد
عندما يُكثر العقل من الحِجَاج ، ويتوالد الفكر عبر اللِجاج ، قد تتعقد الأفكار ، وكلما ازداد تعقيد المعقد : استغلقت الفكرة ، فيكون فتحها عسيرًا جدًا على الكثرة الكاثرة من الناس ، وعندما يدمن صاحب الفكر المعقد هذه الطرق ، تصبح له عادة وطريقة لا يرى تعقيدها ، ولا يلمس استغلاقها ، فإذا كان الفكر كذلك : يصبح انتشاره مرهونًا بفتح مغاليقه ، وحيث أنّ هذا متعذر على كثيرين ؛ فإن رواد هذا الفكر قلة قليلة ، لا أثر فعلي لهم ، ولا حضور واقعي لفكرهم .
السادسة : القابلية للانحطاط
عندما يكون الدافع للتفكير : سيئًا ، والمحرك للإنشاء : رديئًا = تولد النتائج الدنية ، وتزدهر الأفكار الوضيعة ، فقد تجد فكرًا ينظّر له أصحابه ويُسوق له رواده ، بيد أنّ سيرته ونظرته وغايته ورايته وآلته وعاقبته : منحطة !
السابعة : القابلية للتلفيق
عندما يعتري الفكر ضعفًا : تصبح الثغرات ظاهرة ، لذا يلجأ بعض أصحابه إلى تطبيق منهج التلفيق الفكري ، فيرقع بفكرة من هنا ، وأخرى من هناك ، لينتج ثوبًا فكريًا مرقعًا ، وهذا التلفيق يُضعف النتاج المنتظر من هذا الفكر ، ويُضعف الأساس الذي بني عليه أيضًا ، فيخرج لنا فكرًا مهلهلًا غير متماسك .
الثامنة : القابلية للحذف
عندما يصدر أي منتج فكري بشري : يكون مقولبًا حسب منتِجه وبيئة نتاجه ، فإذا أُريد تعميمه أو نقله أو فرضه على الواقع ؛ قد تظهر بعض الأمور غير المناسبة ، فيكون حذف أجزاء منه : خيارًا مهمًا لاستمراره ، وهذا الحذف قد يذهب بلب الفكر وقد لا يذهب ؛ المهم أنه تعرضه للتشذيب لازم من لوازم البقاء.
التاسعة : القابلية للغموض
الوضوح من أساسيات التواصل الإنساني ، وعندما يعتري الفكر غموضًا ، ويكتنفه عدم وضوح ؛ فإنه لن يصل ، وربما قد يصل منه ما لم يكن من منظريه على بال ، وهذه ضريبة من ضرائب الغموض ، حيث أنها تجعل التفسير حسب المتلقي لا حسب المرسل ، وحين يكون ذلك كذلك ؛ فليس للفكر رسالة يسعى لها !
العاشرة : القابلية للتضخيم
عندما يتكأ الفكر على عاطفة ، أو يستند على غاية ناقصة ، وهو ضعف الحجة ، قصير المحجة : فإنه يميل إلى التضخيم والتهويل ؛ ليسد نقصًا يعتريه ، ويغطي ضعفًا يحتويه ، ومن المفارقات أن هذا التضخيم قد يكون سببَ قبولٍ عند قوم ، وسببَ ردٍ عند قوم آخرين .
وقبل الختام أقول : إنّ القابليات كثيرة ، كالتطوير والتصحيح والتهويم والتضليل والتزييف والتهوين والتغيير والعدم والضعف والنقص والحشو وغيرها ، لذا سأتوقف هنا متحاشيًا الإطالة ؛ لأعرج على نقطة مهمة ، وهي أن هذه القابليات للفكر الإنساني تجعلك تفكر مليًا قبل أن تسند عقلك إلى أحد منها ، بل إن لسان حال هذه القابليات يقول لك بصوت جَهوري : إيّاك والتسليم للفكر الإنساني ، فهو ناقص مهما كثر ، وقصير مهما طال ، وضيق مهما اتسع ، فاجعل قياد عقلك وسياج فكرك للنصوص الشرعية ، منها ينطلق وإليها يعود ، فهذه النصوص منطلقة ممن خلقك وخلق عقلك وكونك وطبيعتك ، جعلك الله ممن يُسلّمون بها تسليمًا ، ولا يجدون في أنفسهم حرجًا منها ، وليس في هذا دعوة لرفض الاستفادة من نتاج الفكر الإنساني ، وإنما هي دعوة لرفض التسليم له ، ووضعه في مكانه الصحيح دون أن يزاحم أو يقارن أو يصادم النصوص .
أورنجزيب