ابدااع
03-07-2011, 11:51 AM
مواقف تربوية
الموقف التربوي رقم (1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف رجل كبير في السن ، رغم أُمِيَتِهِ إلا أنه يمتلك فكراً واعياً وعقلاً ثاقباً ونظرة بعيدة للأمور ، بطلنا هذا يعمل فلاحاً بسيطاً ، وله سبعة من الأولاد ، اعتاد مكافأتهم عند النجاح في نهاية كل عام بمبلغ مائة ريال ، وفي أحد الأعوام نجح ستة من أبنائه وأخفق السابع في النجاح ، بل أعاد السنة ، فمنح الأب أبنائه الستة المكافأة المعتادة ، فسخروا من شقيقهم السابع الذي لم ينجح سخرية شديدة أدخلت الحزن إلى قلبه واليأس إلى نفسه ، فحزن الأب لحزن ابنه وتألم لألمه ، وفكر في انتشاله من هذا الحزن واليأس ، فما كان من الأب الحكيم إلا أن دفع لابنه الحزين اليائس ضعف المكافأة التي دفعها لاخوته الناجحين ، فكانت هذه المكافأة وهذا الموقف الرائع من الأب بمثابة المصباح الذي أضاء طريق النجاح لهذا الابن ، فاستمر في النجاح تلو الآخر وبتفوق حتى حصل على درجة الدكتوراه ، واليوم هو عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات المرموقة في بلادنا ، وحقق ما عجز إخوته عن تحقيقه ، حيث أن أفضلهم حالاً حصل على الشهادة الجامعية .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- مبدأ الثواب والعقاب ذو أثر كبير على نفوس الأبناء ، ومن الحكمة اختيار ما يتناسب منهما تبعاً للموقف الحاصل .
2- الحكمة والتروي والنظرة البعيدة للأمور تحقق ما يعجز الكلام والعقاب عن تحقيقه .
3-استطاع الأب الحكيم انتشال ابنه من قاع الفشل إلى قمة النجاح بحكمته وبُعد نظره .
4- أعطى الأب أبنائه درساً عملياً في التأديب عندما سخروا من أخيهم .
5-اختصر الأب عشرات الكلمات التي كان سيقولها لكلا الطرفين بهذا الموقف التربوي الرائع .
الموقف التربوي رقم (2)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف مُعلم بالمرحلة الابتدائية رزقه الله الاستقامة على دينه ، فكان واعياً لدوره التربوي ، ناصحاً لتلاميذه ، مُحباً لهم ، قدوة في سلوكه ، مؤثراً في كلماته ، تفانى في عمله وأخلص فيه ، وأحب تلاميذه فأحبوه ، مزج بين تربيتهم وبين تعليمهم ، فكان تأثيره على تلاميذه كبيراً ، لدرجة أنه أصبح ميزان الصواب والخطأ عندهم ، فتشوقوا إلى الجنة من كثرة ما حدَّثهم عنها ، وخافوا من النار من كثرة ما حذرهم منها ، وأخبرهم أن الصلاة هَمُ المسلم لا يفتر عنها ولا يَمل ، فهي طريقه لهذه الجنة وهي نجاته من هذه النار ، فأصبحت الصلاة شُغْلَ تلاميذه الشاغل ، وكان من بين تلاميذه طفل من أُسرة مُترفة وتسكن في قصر مجاور للمدرسة ، فسأله المعلم عن والده ولماذا لا نراه في المسجد ، فرد الطفل ببراءة : ولكن والدي لا يصلي يا أستاذ وأنا كذلك ، ولكني لن أتركها بعد اليوم أبدا ، فلما عاد الطفل إلى منزله طلب من والدته أن تُوقظه لصلاة الفجر في المسجد ، فأخذت الأم الأمر بشيء من الهزل ، وعاد الطفل وردد على والدته : ولكني لن أذهب إلى المدرسة إذا لم توقظيني لصلاة الفجر ، ونسيت الأم أو تناست إيقاظ الابن لصلاة الفجر ، وأيقظته للمدرسة فرفض الذهاب للمدرسة ، وأمام إصرار الابن ما كان من الأم إلا أن أيقظته في اليوم التالي للصلاة ، ولكن حنان الأم وخوفها عليها منعها أن تدعه يذهب للمسجد وحده ، فأيقظت والده الذي لم يَعْتَدْ الصلاة ، فأخذ ابنه بالسيارة ووقف به عند باب المسجد وانتظره حتى أدى الصلاة وعاد ، ثم رجع به إلى المنزل ، واستمر الأب على هذه الحال عدة أيام وهو يذهب به للمسجد وينتظره عند باب المسجد حتى يُصلي ويعود ، عندها تحركت مشاعر الأب وانجلت عن بصره غشاوة الظلال ، فقال أذهب بهذا الطفل فيصلي وأنا أقف أنتظره والله إن هذا لهو الظلال ، هل هذا الطفل أنضج مني عقلاً ، أو أكثر مني رُشداً وشرح الله صدره للحق واستقام على شرع الله المطهر ، فصلُحَت الأسرة كلها بفضل الله تعالى ثم بصدق نية هذا المعلم وحسن تدبيره وأثره على هذا الطفل الصغير الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره.
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- الإخلاص في القول والعمل ، وصِدق النية ، والإصرار والعزيمة وعُلو الهمة والقدرة على الإقناع تحقق للمريء ما يصبو إليه .
2- لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حُمر النعم .
3-المُعلم مُربي قبل أن يكون معلماً .
الموقف التربوي رقم (3)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... وبعد :
قرأتُ موقفاً تربوياً طريفاً ومضحكاً للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .. وملخص هذا الموقف :
أنه رحمه الله تعالى حينما عُين معلماً في العراق وقد سبقته شهرته إلى المدرسة التي وُجه إليها وكان لا يزال شابا ، فوقف عند باب الفصل يهيئ نفسه للدخول على الطلاب ، فسمع المدرس داخل الفصل يثني عليه وما تميز به من الأدب والعلم فدخل الى الفصل بثقة وسرور ونسي مع دخوله الاستئذان على المعلم ، فلم يشعر المعلم إلا بهذا الشاب داخل الفصل يقطع عليه حديثه عن الشيخ علي الطنطاوي فالتفت إليه المعلم وقال : من أذن لك بالدخول يا **** ؟ وألجمت هذه الكلمات الأستاذ الطنطاوي وكانت صدمة له صورتان متضادتان في ثوان معدودة ، فبينما كان يمدحه إذا به يشتمه ، لابد أن هذا المعلم سمع بالشيخ علي الطنطاوي ولكنه لا يعرف أن هذا الشيخ هو هذا الشاب الذي أمامه ، وشرد ذهن الشيخ أمام هذه التداعيات ولم يرجع إلا على صوت المعلم يخاطبه : سنعرف الآن أأنت أكثر علما أم الحمار؟ وألقى عليه مباشرة سؤالا عن بيت من الشعر ، فانطلق فارس البيان في الجواب والتفصيل حول هذا البيت وقائله واستطرد في الحديث بصورة أدهشت المعلم حتى قال له: كأنك في علم وبيان الشيخ علي الطنطاوي ولكنك لست في صورته التي رسمتها له في ذهني فقال له : بل هذه الصورة الحقيقة لعلي الطنطاوي الذي سمعت عنه ولم تره .. إن هذا الموقف التربوي يدل على حلم الشيخ الطنطاوي وسعة صدره رغم ما تعرض له من إهانة صريحة.. ومع ذلك فلم يجاري زميله المعلم الآخر في أسلوبه رغم قدرته على النيل منه والتشفي لنفسه منه.. رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجميع المسلمين .. والله من وراء القصد ...
الموقف التربوي رقم (4)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف هو ( ولي أمر ) بعكس الكثير من أولياء الأمور اليوم ، فقد وعى دوره التربوي تجاه ابنه حق الوعي ، وقدَّم حرصه على مستقبل ابنه على عواطفه ومشاعره الأبوية نحوه ، وما قد يواجهه هذا الابن من إحراجات ولوم وعقاب من إدارة المدرسة لقاء ماقام به من عمل مَشين .. ويبدأ موقف هذا الأب البطل قبل يومين من نهاية العام الدراسي الماضي عندما قفز ابنه من فوق سور المدرسة مُحاولاً الهرب على حين غفلة من المعلم المكلف بالإشراف على الطلاب ذلك اليوم ، فلما تنبه هذا المعلم إلى هروب الطالب من المدرسة حضر إليَّ مسرعاً وهو في حالة ذهول شديد .. كيف قفز هذا الطالب وجدار السور بهذا العلو .. كيف لم أنتبه إليه .. كيف قفز بهذه السرعة والخفة .. يبدوا أنني شردت كثيراً في التفكير بينما كان هذا الطالب يهم بالهروب ، فهدأتُ من روعه وطلبتُ منه أن يتأكد هل هو الطالب الوحيد الذي قفز من سور المدرسة ، وبينما كنت أحاول الاتصال بولي أمر الطالب الهارب ، فوجئت بولي الأمر واقفاً أمامي في غرفة الإدارة وهو يدفع ابنه الهارب من المدرسة أمامه دفعاً ، ويبدو أنه قد أشبعه توبيخاً وضرباً قبل أن يُحضره إلينا ، فقال لي بالحرف الواحد : هذا ابنكم ياأستاذ أخطأ في حقكم وفي حق نفسه .. وهو الآن ينتظر ماترونه بحقه من عقاب .. فتملكتني الدهشة والتعجب ، وقد أكون معذوراً في ذلك فمثل هذا الأب في هذا اليوم نادر الوجود ، فلقد اعتدنا أن يحضر الكثير من الأباء إلى المدرسة للتهديد والمُشَادة لأتفه الأسباب .. المعلم ضرب ابني – المعلم أكثر على ابني الواجبات – المعلم لم يحترم ابني ..
فَلِلَهِ دَرُ هذا الأب الذي قاد ابنه الهارب من المدرسة ودفع به لمدير المدرسة وطَالَبَ وبإصرار أن يُعاقَبَ ابنه على هذا الخطأ ، ولم يكتفي بتأديبه بنفسه ، فشكرته بحرارة وأثنيت عليه وعلى مايتمتع به من شجاعة وبُعد نظر ، فانصرف شاكراً ، وجلست مع الابن في حوار هادئ أجهش بعده بالبكاء واعترف بخطئه ، وأصبح من خيرة طلاب المدرسة هذا العام .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي : -
1- من ثمار تعاون البيت والمدرسة إصلاح الطالب وتهذيبه .
2- الأب الواعي بدوره يُسهم كثيراً في إنجاح دور المدرسة في التربية والتعليم.
3-أهمية تعريف الطالب بآثار خطئه واعترافه بذلك ، خطوة للاتجاه الصحيح والاستمرار عليه
الموقف التربوي رقم (5)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف ( تلميذ نجيب ) لم يتجاوز الثامنة من عمره ، شرب من معين التربية الإسلامية التي تلقاه من والديه ، ومن بعض مُعَلميه الذي قدموا التربية على التعليم لأهمية التربية في نظرهم لغرس بذور الخير في نفوس هؤلاء الصغار ، فكانت الثمار يانعة ، ويبدأ موقف بطلنا الصغير عندما هَمَّ أحد المعلمين المتسلطين بضرب تلاميذ الفصل كلهم لأنهم أخطئوا في حل مسألة حسابية سبق أن شرحها لهم بالأمس ، وفعلاً استسلم الصغار لرغبة المعلم دون أدنى مقاومة ، وفتحوا أيديهم لتلقي العقاب الذي قرره هذا المعلم المستبد ، وما أن وصل الدور على بطلنا الصغير .. حتى وقف شامخاً في وجه المعلم ورفض أن يفتح يديه الصغيرتين لتلقي العقاب المقرر على الجميع .. وقال للمعلم بصوت تملئه الثقة والاطمئنان : لا تستطيع يا أستاذ أن تضربني .. فرد عليه المعلم غاضباً : ولماذا ؟ فأجاب الصغير بكل عزة : لأني في ذمة الله .. لقد صليت الفجر مع الجماعة .. ومن صلى الفجر مع الجماعة فهو في ذمة الله .. فأنا الآن في ذمة الله ولا تستطيع أن تضربني .. أليس كذلك يا أستاذ ؟ .. توقف المعلم مبهوراً من جرأة هذا الصغير وذكائه وتعجب من أثر التربية الإسلامية التي تبدوا عليه .. فاهتزت مشاعره وأحس بخطئه وتوقف عن معاقبة بقية التلاميذ بسبب فصاحة هذا الطفل الصغير وجرأته وحُسن تربيته … فَلِلَهِ قدر هذا الطفل ومن قام على تربيته .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- ذكاء هذا الطفل وحُسن تنشئته أنقذته ومن بعده من زملائه التلاميذ من عقاب المعلم لهم .
2- أثر التربية الإسلامية يبدوا واضحاً من خلال تباين تصرفات الأطفال حيال المواقف الطارئة .
3- المسلم رَجَّاعُ إلى الحق عندما يتبين له خطأه ، ويظهر ذلك من خلال تراجع هذا المعلم عن معاقبة بقية التلاميذ .
الموقف التربوي رقم (6)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف ( أُمُ ذكية ) ليست ككل الأمهات ، لقد أدركت بحسها المرهف وفطنتها وذكائها أن تربية الأبناء ليست كتربية الماشية مأكل ومشرب وينتهي الأمر عند هذا الحد.. فتربية الأبناء ليست بالأمر الهين ، فموقف يحتاج منها إلى اللين فتلين .. وموقف آخر يحتاج منها الحزم فلا تترد فيه ، ولكن مايميز بطلتنا هذه عن غيرها أنها لا تنساق وراء عواطف الأمومة انسياقاً أعمى يقود الأبناء إلى الضياع بحجة محبتهم والعطف عليهم ، ويبدأ موقف بطلتنا هذه في صباح يوم دراسي باكر عندما أرادت أن توقظ أحد أبنائها الصغار ليذهب كعادته للمدرسة فتظاهر الصغير بالمرض .. وأخذ يئن ويتوجع .. سألته الأم عن موضع الألم فقال : هنا .. لا بل هنا .. أدركت الأم أن الطفل لايشكو من شيء ولكنه لا يرغب في الذهاب للمدرسة لسبب ما يُزعجه في المدرسة .. فتركته يُكمل نومه .. وتحدثت مع والده في الأمر وطلبت منه أن يذهب للمدرسة قبل ذهابه لعمله للسؤال عن مستوى الطفل في المدرسة وسلوكه داخلها .. وما أن أحس الصغير أن والده قد ذهب ، وأن موعد الذهاب إلى المدرسة قد انتهى .. حتى نهض من فراشه وذهب يلعب ويجري داخل سور المنزل .. كُلُ ذلك والأم ترقبه دون أن يشعر .. ثم التفتت إليه وقالت : ألم تقل إنك مريض .. المريض لا يقوم من فراشه ولا يلعب فهو يحتاج إلى النوم والراحة .. عاد الصغير إلى الفراش والحزن يسبقه .. أحضرت الأم إفطارها وبدأت تأكل والطفل ينظر إليها .. ولما رأته يَهِمُ بالنهوض ليأكل معها .. قالت له : أنت مريض .. والمريض لا يأكل لأنه يتألم .. عاد الصبي إلى فراشه والندم يُغالبه .. كل ذلك والأم تراقبه .. أدرك الصبي الصغير أن بقاءه في المنزل لم يَعُدْ عليه بفائدة .. فاللعب والأكل الذي تَعَوْدَ عليه في المدرسة افتقده اليوم .. التفت الطفل إلى والدته وقال : هل تظنين أن باب المدرسة مازال مفتوحاً أم أغلقه المدير .. تبسمت الأم وقالت : بالتأكيد أنها مُغلقة الآن ولكن إذا شفاك الله .. فغداً تذهب … فَلِلَهِ قدر هذه الأم على حُسن تصرفها تجاه هذا الطفل لحرصها على ماينفعه في مستقبل حياته ، رغم ما كانت تُغالبه من عاطفة الأمومة الحانية .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- ذكاء هذه الأم وحُسن تصرفها عَلَّمَ الطفل درساً عملياً لن ينساه .
2- الطفل بطبعه ينظر لأول ردة فعل تجاه تصرفه الخاطئ ، فإن رأى تساهلاً من الأهل وإلا تراجع .
الموقف التربوي رقم (7)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف ( مُعلم نبيه ) .. بالمرحلة الابتدائية ، كان واعياً لدوره التربوي ، قدوة لتلاميذه في سلوكه ، مؤثراً في كلماته ، تفانى في نصحهم وتوجيههم ، أدرك بحسه التربوي وخبرته الطويلة أن التربية هي الدور الأول والأساس للمعلم ، ويأتي التعليم بعد ذلك ، فمزج بين تربيتهم وتعليمهم وأخذ يُراقب تصرفات تلاميذه وسلوكهم دون أن يشعروا ، فيعزز ما كان صحيحاً منها ويثني على فاعله ، ويصحح ما كان خاطئاً منها ويُحذر منه بلطف وشفقة ولين،كان حريصاً على نظافة الطلاب في كل شيء .. في الجسم والملبس والكتب والأدوات والمقاعد والطاولات وأرضية الفصل وساحة المدرسة ، ويبدأ موقف بطلنا هذا عندما طلب من جميع طلاب الفصل أن يُحافظ كل منهم على نظافة المكان الذي يجلس فيه .. فلا يرمي قطع الأوراق ونفايات المناديل وما ينتج من بري الأقلام من فتات وقشور ، فاستجاب الطلاب لرغبة معلمهم لأنهم أحبوه فأصبحت أوامره مُحببة إليهم .. وشَذَّ عن هذا الأمر طالب واحد ، حيث كان يرمي مخلفاته تحت مقعده ، فبذل المعلم مع هذا الطالب جهوداً كبيرة لإقناعه بالعدول عن هذا السلوك المَشِيْن .. فبدأ بتذكيره بفوائد النظافة وأنها عنوان لصاحبها وأنها مطلب ديني يحث عليه الإسلام ومطلب اجتماعي لايُقبلُ التهاون فيه ولكن هذا الطالب لم يستجب لتوجيهات مُعلمه وكأن كِلتا أُذنيه مفتوحتين .. يسمع بإحداهما ويُخرج ماسمعه من الأُذن الأُخرى .. انتقل المعلم للمرحلة الثانية من العلاج وذلك بمعاقبة الطالب بحرمانه من بعض المزايا التي كان يمنحها للطلاب الآخرين .. ولكن دون جدوى .. فيبدوا أن هذا الطالب نشأ في بيئة لم تكن تلقي للنظافة أي اهتمام ، المهم فكر المعلم بعمق لإخراج هذا الطالب مما هو فيه .. فأعلن أمام طلاب الفصل أنه اختار هذا الطالب ليكون المسئول الأول عن نظافة الفصل ( دون أن يجرح مشاعره أو يذكر مساوئه أمام زملائه ) وأنه من اليوم هو الذي سيُخبر المعلم عن الطلاب الذين لا يتقيدون بنظافة الفصل ، والحقيقة أن المعلم لم يكن يعتقد أن هذا الحل سيُؤتي ثماره سريعاً في إصلاح حال هذا الطالب .. فما أن حضر المعلم في الغد للفصل حتى شاهد الطالب نفسه يتنقل أسفل مقاعد الطلاب يبحث عن أوراق أو نفايات ساقطة على الأرض .. خوفاً من أن يسلبه المعلم منصب مسئول النظافة بالفصل الذي حصل عليه بكل كفاءة واقتدار من بين طلاب الفصل رغم أنه ليس أميزهم في المستوى الدراسي .. وفعلاً نجح المعلم نجاحاً كبيراً في إصلاح حال هذا الطالب دون أن يُؤذيه أو يجرح مشاعره ، وربما يصدق على حال هذا الطالب المَثَلُ الشعبي القائل ( إذا شِفْتَ الردي في الصلاة خَلَهْ مِذِنْ ) … ولله ولي التوفيق .
منقول للفائدة
الموقف التربوي رقم (1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف رجل كبير في السن ، رغم أُمِيَتِهِ إلا أنه يمتلك فكراً واعياً وعقلاً ثاقباً ونظرة بعيدة للأمور ، بطلنا هذا يعمل فلاحاً بسيطاً ، وله سبعة من الأولاد ، اعتاد مكافأتهم عند النجاح في نهاية كل عام بمبلغ مائة ريال ، وفي أحد الأعوام نجح ستة من أبنائه وأخفق السابع في النجاح ، بل أعاد السنة ، فمنح الأب أبنائه الستة المكافأة المعتادة ، فسخروا من شقيقهم السابع الذي لم ينجح سخرية شديدة أدخلت الحزن إلى قلبه واليأس إلى نفسه ، فحزن الأب لحزن ابنه وتألم لألمه ، وفكر في انتشاله من هذا الحزن واليأس ، فما كان من الأب الحكيم إلا أن دفع لابنه الحزين اليائس ضعف المكافأة التي دفعها لاخوته الناجحين ، فكانت هذه المكافأة وهذا الموقف الرائع من الأب بمثابة المصباح الذي أضاء طريق النجاح لهذا الابن ، فاستمر في النجاح تلو الآخر وبتفوق حتى حصل على درجة الدكتوراه ، واليوم هو عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات المرموقة في بلادنا ، وحقق ما عجز إخوته عن تحقيقه ، حيث أن أفضلهم حالاً حصل على الشهادة الجامعية .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- مبدأ الثواب والعقاب ذو أثر كبير على نفوس الأبناء ، ومن الحكمة اختيار ما يتناسب منهما تبعاً للموقف الحاصل .
2- الحكمة والتروي والنظرة البعيدة للأمور تحقق ما يعجز الكلام والعقاب عن تحقيقه .
3-استطاع الأب الحكيم انتشال ابنه من قاع الفشل إلى قمة النجاح بحكمته وبُعد نظره .
4- أعطى الأب أبنائه درساً عملياً في التأديب عندما سخروا من أخيهم .
5-اختصر الأب عشرات الكلمات التي كان سيقولها لكلا الطرفين بهذا الموقف التربوي الرائع .
الموقف التربوي رقم (2)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف مُعلم بالمرحلة الابتدائية رزقه الله الاستقامة على دينه ، فكان واعياً لدوره التربوي ، ناصحاً لتلاميذه ، مُحباً لهم ، قدوة في سلوكه ، مؤثراً في كلماته ، تفانى في عمله وأخلص فيه ، وأحب تلاميذه فأحبوه ، مزج بين تربيتهم وبين تعليمهم ، فكان تأثيره على تلاميذه كبيراً ، لدرجة أنه أصبح ميزان الصواب والخطأ عندهم ، فتشوقوا إلى الجنة من كثرة ما حدَّثهم عنها ، وخافوا من النار من كثرة ما حذرهم منها ، وأخبرهم أن الصلاة هَمُ المسلم لا يفتر عنها ولا يَمل ، فهي طريقه لهذه الجنة وهي نجاته من هذه النار ، فأصبحت الصلاة شُغْلَ تلاميذه الشاغل ، وكان من بين تلاميذه طفل من أُسرة مُترفة وتسكن في قصر مجاور للمدرسة ، فسأله المعلم عن والده ولماذا لا نراه في المسجد ، فرد الطفل ببراءة : ولكن والدي لا يصلي يا أستاذ وأنا كذلك ، ولكني لن أتركها بعد اليوم أبدا ، فلما عاد الطفل إلى منزله طلب من والدته أن تُوقظه لصلاة الفجر في المسجد ، فأخذت الأم الأمر بشيء من الهزل ، وعاد الطفل وردد على والدته : ولكني لن أذهب إلى المدرسة إذا لم توقظيني لصلاة الفجر ، ونسيت الأم أو تناست إيقاظ الابن لصلاة الفجر ، وأيقظته للمدرسة فرفض الذهاب للمدرسة ، وأمام إصرار الابن ما كان من الأم إلا أن أيقظته في اليوم التالي للصلاة ، ولكن حنان الأم وخوفها عليها منعها أن تدعه يذهب للمسجد وحده ، فأيقظت والده الذي لم يَعْتَدْ الصلاة ، فأخذ ابنه بالسيارة ووقف به عند باب المسجد وانتظره حتى أدى الصلاة وعاد ، ثم رجع به إلى المنزل ، واستمر الأب على هذه الحال عدة أيام وهو يذهب به للمسجد وينتظره عند باب المسجد حتى يُصلي ويعود ، عندها تحركت مشاعر الأب وانجلت عن بصره غشاوة الظلال ، فقال أذهب بهذا الطفل فيصلي وأنا أقف أنتظره والله إن هذا لهو الظلال ، هل هذا الطفل أنضج مني عقلاً ، أو أكثر مني رُشداً وشرح الله صدره للحق واستقام على شرع الله المطهر ، فصلُحَت الأسرة كلها بفضل الله تعالى ثم بصدق نية هذا المعلم وحسن تدبيره وأثره على هذا الطفل الصغير الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره.
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- الإخلاص في القول والعمل ، وصِدق النية ، والإصرار والعزيمة وعُلو الهمة والقدرة على الإقناع تحقق للمريء ما يصبو إليه .
2- لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حُمر النعم .
3-المُعلم مُربي قبل أن يكون معلماً .
الموقف التربوي رقم (3)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... وبعد :
قرأتُ موقفاً تربوياً طريفاً ومضحكاً للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .. وملخص هذا الموقف :
أنه رحمه الله تعالى حينما عُين معلماً في العراق وقد سبقته شهرته إلى المدرسة التي وُجه إليها وكان لا يزال شابا ، فوقف عند باب الفصل يهيئ نفسه للدخول على الطلاب ، فسمع المدرس داخل الفصل يثني عليه وما تميز به من الأدب والعلم فدخل الى الفصل بثقة وسرور ونسي مع دخوله الاستئذان على المعلم ، فلم يشعر المعلم إلا بهذا الشاب داخل الفصل يقطع عليه حديثه عن الشيخ علي الطنطاوي فالتفت إليه المعلم وقال : من أذن لك بالدخول يا **** ؟ وألجمت هذه الكلمات الأستاذ الطنطاوي وكانت صدمة له صورتان متضادتان في ثوان معدودة ، فبينما كان يمدحه إذا به يشتمه ، لابد أن هذا المعلم سمع بالشيخ علي الطنطاوي ولكنه لا يعرف أن هذا الشيخ هو هذا الشاب الذي أمامه ، وشرد ذهن الشيخ أمام هذه التداعيات ولم يرجع إلا على صوت المعلم يخاطبه : سنعرف الآن أأنت أكثر علما أم الحمار؟ وألقى عليه مباشرة سؤالا عن بيت من الشعر ، فانطلق فارس البيان في الجواب والتفصيل حول هذا البيت وقائله واستطرد في الحديث بصورة أدهشت المعلم حتى قال له: كأنك في علم وبيان الشيخ علي الطنطاوي ولكنك لست في صورته التي رسمتها له في ذهني فقال له : بل هذه الصورة الحقيقة لعلي الطنطاوي الذي سمعت عنه ولم تره .. إن هذا الموقف التربوي يدل على حلم الشيخ الطنطاوي وسعة صدره رغم ما تعرض له من إهانة صريحة.. ومع ذلك فلم يجاري زميله المعلم الآخر في أسلوبه رغم قدرته على النيل منه والتشفي لنفسه منه.. رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجميع المسلمين .. والله من وراء القصد ...
الموقف التربوي رقم (4)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف هو ( ولي أمر ) بعكس الكثير من أولياء الأمور اليوم ، فقد وعى دوره التربوي تجاه ابنه حق الوعي ، وقدَّم حرصه على مستقبل ابنه على عواطفه ومشاعره الأبوية نحوه ، وما قد يواجهه هذا الابن من إحراجات ولوم وعقاب من إدارة المدرسة لقاء ماقام به من عمل مَشين .. ويبدأ موقف هذا الأب البطل قبل يومين من نهاية العام الدراسي الماضي عندما قفز ابنه من فوق سور المدرسة مُحاولاً الهرب على حين غفلة من المعلم المكلف بالإشراف على الطلاب ذلك اليوم ، فلما تنبه هذا المعلم إلى هروب الطالب من المدرسة حضر إليَّ مسرعاً وهو في حالة ذهول شديد .. كيف قفز هذا الطالب وجدار السور بهذا العلو .. كيف لم أنتبه إليه .. كيف قفز بهذه السرعة والخفة .. يبدوا أنني شردت كثيراً في التفكير بينما كان هذا الطالب يهم بالهروب ، فهدأتُ من روعه وطلبتُ منه أن يتأكد هل هو الطالب الوحيد الذي قفز من سور المدرسة ، وبينما كنت أحاول الاتصال بولي أمر الطالب الهارب ، فوجئت بولي الأمر واقفاً أمامي في غرفة الإدارة وهو يدفع ابنه الهارب من المدرسة أمامه دفعاً ، ويبدو أنه قد أشبعه توبيخاً وضرباً قبل أن يُحضره إلينا ، فقال لي بالحرف الواحد : هذا ابنكم ياأستاذ أخطأ في حقكم وفي حق نفسه .. وهو الآن ينتظر ماترونه بحقه من عقاب .. فتملكتني الدهشة والتعجب ، وقد أكون معذوراً في ذلك فمثل هذا الأب في هذا اليوم نادر الوجود ، فلقد اعتدنا أن يحضر الكثير من الأباء إلى المدرسة للتهديد والمُشَادة لأتفه الأسباب .. المعلم ضرب ابني – المعلم أكثر على ابني الواجبات – المعلم لم يحترم ابني ..
فَلِلَهِ دَرُ هذا الأب الذي قاد ابنه الهارب من المدرسة ودفع به لمدير المدرسة وطَالَبَ وبإصرار أن يُعاقَبَ ابنه على هذا الخطأ ، ولم يكتفي بتأديبه بنفسه ، فشكرته بحرارة وأثنيت عليه وعلى مايتمتع به من شجاعة وبُعد نظر ، فانصرف شاكراً ، وجلست مع الابن في حوار هادئ أجهش بعده بالبكاء واعترف بخطئه ، وأصبح من خيرة طلاب المدرسة هذا العام .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي : -
1- من ثمار تعاون البيت والمدرسة إصلاح الطالب وتهذيبه .
2- الأب الواعي بدوره يُسهم كثيراً في إنجاح دور المدرسة في التربية والتعليم.
3-أهمية تعريف الطالب بآثار خطئه واعترافه بذلك ، خطوة للاتجاه الصحيح والاستمرار عليه
الموقف التربوي رقم (5)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف ( تلميذ نجيب ) لم يتجاوز الثامنة من عمره ، شرب من معين التربية الإسلامية التي تلقاه من والديه ، ومن بعض مُعَلميه الذي قدموا التربية على التعليم لأهمية التربية في نظرهم لغرس بذور الخير في نفوس هؤلاء الصغار ، فكانت الثمار يانعة ، ويبدأ موقف بطلنا الصغير عندما هَمَّ أحد المعلمين المتسلطين بضرب تلاميذ الفصل كلهم لأنهم أخطئوا في حل مسألة حسابية سبق أن شرحها لهم بالأمس ، وفعلاً استسلم الصغار لرغبة المعلم دون أدنى مقاومة ، وفتحوا أيديهم لتلقي العقاب الذي قرره هذا المعلم المستبد ، وما أن وصل الدور على بطلنا الصغير .. حتى وقف شامخاً في وجه المعلم ورفض أن يفتح يديه الصغيرتين لتلقي العقاب المقرر على الجميع .. وقال للمعلم بصوت تملئه الثقة والاطمئنان : لا تستطيع يا أستاذ أن تضربني .. فرد عليه المعلم غاضباً : ولماذا ؟ فأجاب الصغير بكل عزة : لأني في ذمة الله .. لقد صليت الفجر مع الجماعة .. ومن صلى الفجر مع الجماعة فهو في ذمة الله .. فأنا الآن في ذمة الله ولا تستطيع أن تضربني .. أليس كذلك يا أستاذ ؟ .. توقف المعلم مبهوراً من جرأة هذا الصغير وذكائه وتعجب من أثر التربية الإسلامية التي تبدوا عليه .. فاهتزت مشاعره وأحس بخطئه وتوقف عن معاقبة بقية التلاميذ بسبب فصاحة هذا الطفل الصغير وجرأته وحُسن تربيته … فَلِلَهِ قدر هذا الطفل ومن قام على تربيته .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- ذكاء هذا الطفل وحُسن تنشئته أنقذته ومن بعده من زملائه التلاميذ من عقاب المعلم لهم .
2- أثر التربية الإسلامية يبدوا واضحاً من خلال تباين تصرفات الأطفال حيال المواقف الطارئة .
3- المسلم رَجَّاعُ إلى الحق عندما يتبين له خطأه ، ويظهر ذلك من خلال تراجع هذا المعلم عن معاقبة بقية التلاميذ .
الموقف التربوي رقم (6)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف ( أُمُ ذكية ) ليست ككل الأمهات ، لقد أدركت بحسها المرهف وفطنتها وذكائها أن تربية الأبناء ليست كتربية الماشية مأكل ومشرب وينتهي الأمر عند هذا الحد.. فتربية الأبناء ليست بالأمر الهين ، فموقف يحتاج منها إلى اللين فتلين .. وموقف آخر يحتاج منها الحزم فلا تترد فيه ، ولكن مايميز بطلتنا هذه عن غيرها أنها لا تنساق وراء عواطف الأمومة انسياقاً أعمى يقود الأبناء إلى الضياع بحجة محبتهم والعطف عليهم ، ويبدأ موقف بطلتنا هذه في صباح يوم دراسي باكر عندما أرادت أن توقظ أحد أبنائها الصغار ليذهب كعادته للمدرسة فتظاهر الصغير بالمرض .. وأخذ يئن ويتوجع .. سألته الأم عن موضع الألم فقال : هنا .. لا بل هنا .. أدركت الأم أن الطفل لايشكو من شيء ولكنه لا يرغب في الذهاب للمدرسة لسبب ما يُزعجه في المدرسة .. فتركته يُكمل نومه .. وتحدثت مع والده في الأمر وطلبت منه أن يذهب للمدرسة قبل ذهابه لعمله للسؤال عن مستوى الطفل في المدرسة وسلوكه داخلها .. وما أن أحس الصغير أن والده قد ذهب ، وأن موعد الذهاب إلى المدرسة قد انتهى .. حتى نهض من فراشه وذهب يلعب ويجري داخل سور المنزل .. كُلُ ذلك والأم ترقبه دون أن يشعر .. ثم التفتت إليه وقالت : ألم تقل إنك مريض .. المريض لا يقوم من فراشه ولا يلعب فهو يحتاج إلى النوم والراحة .. عاد الصغير إلى الفراش والحزن يسبقه .. أحضرت الأم إفطارها وبدأت تأكل والطفل ينظر إليها .. ولما رأته يَهِمُ بالنهوض ليأكل معها .. قالت له : أنت مريض .. والمريض لا يأكل لأنه يتألم .. عاد الصبي إلى فراشه والندم يُغالبه .. كل ذلك والأم تراقبه .. أدرك الصبي الصغير أن بقاءه في المنزل لم يَعُدْ عليه بفائدة .. فاللعب والأكل الذي تَعَوْدَ عليه في المدرسة افتقده اليوم .. التفت الطفل إلى والدته وقال : هل تظنين أن باب المدرسة مازال مفتوحاً أم أغلقه المدير .. تبسمت الأم وقالت : بالتأكيد أنها مُغلقة الآن ولكن إذا شفاك الله .. فغداً تذهب … فَلِلَهِ قدر هذه الأم على حُسن تصرفها تجاه هذا الطفل لحرصها على ماينفعه في مستقبل حياته ، رغم ما كانت تُغالبه من عاطفة الأمومة الحانية .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- ذكاء هذه الأم وحُسن تصرفها عَلَّمَ الطفل درساً عملياً لن ينساه .
2- الطفل بطبعه ينظر لأول ردة فعل تجاه تصرفه الخاطئ ، فإن رأى تساهلاً من الأهل وإلا تراجع .
الموقف التربوي رقم (7)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف ( مُعلم نبيه ) .. بالمرحلة الابتدائية ، كان واعياً لدوره التربوي ، قدوة لتلاميذه في سلوكه ، مؤثراً في كلماته ، تفانى في نصحهم وتوجيههم ، أدرك بحسه التربوي وخبرته الطويلة أن التربية هي الدور الأول والأساس للمعلم ، ويأتي التعليم بعد ذلك ، فمزج بين تربيتهم وتعليمهم وأخذ يُراقب تصرفات تلاميذه وسلوكهم دون أن يشعروا ، فيعزز ما كان صحيحاً منها ويثني على فاعله ، ويصحح ما كان خاطئاً منها ويُحذر منه بلطف وشفقة ولين،كان حريصاً على نظافة الطلاب في كل شيء .. في الجسم والملبس والكتب والأدوات والمقاعد والطاولات وأرضية الفصل وساحة المدرسة ، ويبدأ موقف بطلنا هذا عندما طلب من جميع طلاب الفصل أن يُحافظ كل منهم على نظافة المكان الذي يجلس فيه .. فلا يرمي قطع الأوراق ونفايات المناديل وما ينتج من بري الأقلام من فتات وقشور ، فاستجاب الطلاب لرغبة معلمهم لأنهم أحبوه فأصبحت أوامره مُحببة إليهم .. وشَذَّ عن هذا الأمر طالب واحد ، حيث كان يرمي مخلفاته تحت مقعده ، فبذل المعلم مع هذا الطالب جهوداً كبيرة لإقناعه بالعدول عن هذا السلوك المَشِيْن .. فبدأ بتذكيره بفوائد النظافة وأنها عنوان لصاحبها وأنها مطلب ديني يحث عليه الإسلام ومطلب اجتماعي لايُقبلُ التهاون فيه ولكن هذا الطالب لم يستجب لتوجيهات مُعلمه وكأن كِلتا أُذنيه مفتوحتين .. يسمع بإحداهما ويُخرج ماسمعه من الأُذن الأُخرى .. انتقل المعلم للمرحلة الثانية من العلاج وذلك بمعاقبة الطالب بحرمانه من بعض المزايا التي كان يمنحها للطلاب الآخرين .. ولكن دون جدوى .. فيبدوا أن هذا الطالب نشأ في بيئة لم تكن تلقي للنظافة أي اهتمام ، المهم فكر المعلم بعمق لإخراج هذا الطالب مما هو فيه .. فأعلن أمام طلاب الفصل أنه اختار هذا الطالب ليكون المسئول الأول عن نظافة الفصل ( دون أن يجرح مشاعره أو يذكر مساوئه أمام زملائه ) وأنه من اليوم هو الذي سيُخبر المعلم عن الطلاب الذين لا يتقيدون بنظافة الفصل ، والحقيقة أن المعلم لم يكن يعتقد أن هذا الحل سيُؤتي ثماره سريعاً في إصلاح حال هذا الطالب .. فما أن حضر المعلم في الغد للفصل حتى شاهد الطالب نفسه يتنقل أسفل مقاعد الطلاب يبحث عن أوراق أو نفايات ساقطة على الأرض .. خوفاً من أن يسلبه المعلم منصب مسئول النظافة بالفصل الذي حصل عليه بكل كفاءة واقتدار من بين طلاب الفصل رغم أنه ليس أميزهم في المستوى الدراسي .. وفعلاً نجح المعلم نجاحاً كبيراً في إصلاح حال هذا الطالب دون أن يُؤذيه أو يجرح مشاعره ، وربما يصدق على حال هذا الطالب المَثَلُ الشعبي القائل ( إذا شِفْتَ الردي في الصلاة خَلَهْ مِذِنْ ) … ولله ولي التوفيق .
منقول للفائدة