حموز
11-05-2010, 10:04 PM
[من تقريرالبنك الدولي و« بلير» إلى عرض تجربة سنغافورة
إلـى متــى يبقــى
نظامنا التعليمي يراوح مكانه؟
كثرة التقارير باتت عبئا على وزارة التربية، وجعلتها في حالة توهان وتخبط لا تعرف كيف الخروج منها!
« التربية» إما أن تبدأ في الإصلاح متأخرة أو أنها تبدأ ، خطأ، من بعض الأمور الثانوية
بعد التقرير الذي خرج به على الكويت رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير حول رؤيته للكويت بحلول عام 2030، وبعد تقرير البنك الدولي المفصل، الذي رفعه إلى وزارة التربية، مرورا بتقرير المركز البريطاني، الذي نشر في 2008 ويركز فيه على سبل تحسين أنظمة إدارة الأداء عبر الامتحانات الموحدة، وتقرير معهد التنمية الكوري، الذي وضع التعليم في الكويت ضمن ثلاثة مجالات للتركيز عليها في تقريره الصادر عام 2008 والذي يحمل عنوان «تجاوب الكويت الاستراتيجي مقابل تحديات التنمية التي تواجهها»، وركز في توصياته على تحسين التعليم العالي والمهني، ومرورا بما عممته وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي د.موضي الحمود على القيادات التربوية حول مرتكزات اصلاح التعليم لتحقيق رؤية الكويت حـتى عام 2035 والتي استكملت بعد تفويض توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق الذي قام بوضع أفكار جديدة، حيث تضمنت ورقة العمل المصممة من الوزيرة د.الحمود على الوكلاء المساعدين 18 مرتكزا لتحقيق رؤية الكويت لإصلاح التعليم حتى العام 2035.
وحددت الوزيرة في الرؤية ما ينبعي عمله لتحقيق رؤية عام 2035، وهو العمل على إعداد جيل من الكويتيين المنافسين في سوق العمل من خلال أجندة الإصلاح التي تتضمن النقاط التالية:
{ مواصلة تحسين النظام التعليمي.
{ تجديد نظام التعليم لاتاحة سلاسة في دمج المواطنين في سوق العمل التنافسية التي تتطلب مؤهلات جيدة.
{ يجب على نظام التعليم ان يكون الافضل في المنطقة واعداد الطلاب بشكل يلبي متطلبات الاقتصاد المعاصر والمنافسة الدولية.
{ تقوية مهنة التعليم.
{ استقطاب المرشحين الواعدين والحفاظ عليهم وزيادة اجور المعلمين.
{ تطوير عملية تعيين المعلمين.
{ تطوير التدريب العملي للمعلمين اثناء الدراسة الجامعية وخلال فترة العمل.
{ تطوير سبل توجيه اداء المدرسين عبر التقييم ونظام الحوافز القائم على الاداء.
{ تعزيز سبل توجيه الطلاب.
{ قياس أداء الطلاب بواسطة نظام امتحانات افضل من خلال طرح نظام امتحانات موحد على مستوى الدولة وقائمة على المعايير في جميع المواد بدءا من الصف الرابع وما فوق.
{ توضيح مزايا التفوق للطلبة.
{ تعزيز المنافسة بين المدارس.
{ تقديم مكونات القطاع الخاص في نظام المدارس العامة.
{ إتاحة تعهد ادارة القطاع الخاص للمدارس.
{ تعيين الرعاة من الشركات من اجل استكمال التمويل الحكومي للمدارس.
{ توحيد نظام الامتحانات واجراء التفتيش على المدارس.
{ تأسيس وحدة مستقلة للمراقبة والتقييم.
{ تطوير وتطبيق تعليم مهني وجامعي من خلال تحسين العرض المطروح والتأكد من مناسبته لمتطلبات السوق.
وفد سنغافورة نقول، مرورا بهذه الرؤية، ووصولا إلى ماعرضه أخيرا وفد مؤسسة التعليم الوطني في سنغافورة ، المعنية أساسا بإعداد المعلمين وتطوير قدراتهم وتأهيلهم، حيث عقد الوفد اجتماعا مع وزيرة التربية د.موضي الحمود، وهو جزء من المشروع المشترك بين الحكومتين السنغافورية والكويتية المتعلق بالتعليم ، والخاص بتطوير قدرات المعلمين وتأهيلهم ، إلى جانب التعليم الالكتروني.
وعرض في الاجتماع تجربة الوفد الزائر والأساليب المتبعة في سنغافورة وأساليب التعاون مع الكويت “.
مراوحة
بعد هذا كله، نلاحظ أن تعليمنا في الكويت لا يزال يرواح مكانه، دون تحقيق نتائج متقدمة ملموسة على أرض الواقع، وكأن هذه التقارير، على كثرتها، باتت عبئا على وزارة التربية، وجعلتها في حالة توهان وتخبط لا تعرف كيف الخروج منها.
وتقرير بلير، الذي اعتبر فيه أن نظام التعليم في الكويت غير قادر على إعداد القوى العاملة لمواكبة تحديات المستقبل، ودعا في الجزء المخصص للتعليم والتعليم الجامعي الى ضرورة اتخاذ إجراءات قوية وفاعلة، وإلا فإن الاستمرار في التقاعس عن العمل سيعرض حتما مستقبل الكويت للخط، لم ينظر إليه كما يجب أن يكون، بل شخص لنا في تقريره المسهب الكثير مما يعانيه تعليمنا، وهو أمر لا جديد فيه ويعرفه القاصي والداني.
تباطؤ وتأخير
ومما يحز في نفس كل تربوي أن كل هذه التقارير والرؤى والدراسات تطلع عليها وزارة التربية، وتبدأ بخطوات الإصلاح، إلا أنها إما أن تبدأ متأخرة أو أنها تبدأ في الإصلاح من بعض الأمور الثانوية والسهلة، والتي يمكن تنفيذها والبدء فيها متى تشاء، وتترك أمورا أخرى تحتاج سنوات وسنوات لتنفيذها، ولا تتماشى مع طبيعة مدارسنا، فهي تتباطأ في تنفيذ أجندات الإصلاح، وإن بدأت فإنها تتغاضى عن نقاط رئيسة مهمة في هذه الأجندات.
توصية البنك الدولي
بتعبير آخر نقول: قامت الوزارة بناء على توصية من البنك الدولي بإطالة الدوام الدراسي، باعتباره ـ حسب التقرير ـ الأقصر عالميا، ونسيت أو تناست، أو غفلت، مثلا عما عرضه بلير في أجندة الإصلاح التعليمي في الكويت، والتي جاء فيها:
ـ استقطاب أفضل المرشحين والاحتفاظ بهم ووضع الحوافز المناسبة وزيادة رواتب المدرسين بنسبة كبيرة حتى لا تكون شروط العمل الصارمة مبررة بتعويضات مالية تفوق بكثير ما يقتضاه موظفو الحكومة الآخرون فحسب، بل حتى يصبح التدريس ضمن فئة النخبة بين الوظائف الحكومية.
تحسين المكانة الاجتماعية للمدرسين من خلال:
- الترويج لقيمة مهنة التدريس إلى الرأي العام.
- تشديد المتطلبات والشروط الخاصة بالالتحاق بمهنة التدريس وتقييدها.
- تحديث المدارس حتى تصبح أماكن عمل أكثر جاذبية.
- العمل على تطوير سريع لنظم صارمة للتحقق واعتماد تلك المعارف والمهارات التي يتمتع بها المدرسون الحاليون. ومن يتجاوز تلك المرحلة ينبغي أن يحصل على زيادة كبيرة في الراتب، في حين من يفشل منهم فإن أمامهم خيار ترك المهنة أو الالتحاق بدورات لتحسين مهاراتهم وبالتالي اعتمادهم.
- توسيع نطاق الفرص للتطوير المهني للمدرسين من خلال التدريب المنهجي والنظامي (على سبيل المثال اتباع نموذج سنغافورة عبر توفير عدد ثابت من ساعات التدريب سنويًا).
- برامج التبادل المؤسساتي التي تقدم لمدرسي الكويت الفرصة للتدريس في الدول الأخرى التي تتميز جودة التعليم فيها بكونها من الطراز الأول.
- استكشاف الوسائل التي يمكن من خلالها تحسين ظروف العمل للمدرسين (على سبيل المثال مرافق أفضل وتدرج وظيفي مرن).
- تطوير النظم لمكافحة «الواسطة» وتلاعب الآباء بالمدرس (على سبيل المثال من خلال نظم الامتحانات الموحدة التي تعتمد أسلوب الخيارات المتعددة multiple-choice exams بحيث توضع الدرجات من خلال جهاز الكمبيوتر).
- تحديد المعايير الخاصة بالالتحاق بمهنة التدريس، ويفضل وضع معايير صارمة (فعلى سبيل المثال، أفضل 5% فقط من خريجي الثانوية العامة في كوريا قد يختارون التدريس مهنة لهم).
- تأسيس كلية حصرية للتربية، سواء كانت في جامعة الكويت أو كجهة مستقلة، بحيث يشترط على جميع المدرسين الكويتيين الجدد التخرج منها وتكون شروط القبول فيها صارمة ومقيدة بصورة كبيرة.
- كما هي الحال في سنغافورة، دفع راتب إلى طلبة كلية التربية أثناء تلقيهم للتدريب الموكل إليهم من الجامعة، ينبغي أن لا يفعل ذلك مع المهن الأخرى حتى يرفع من شأن مهنة التدريس وهيبتها والرغبة فيها.
- تحسين التدريب العملي للمدرسين في أثناء الدراسة الجامعية وأثناء ممارسة الوظيفة.
- قياس المهارات غير العلمية للمرشح وتقييمها (على سبيل المثال، التواصل ومهارات التعامل مع الآخرين والدافع للتدريس).
- زيادة التجارب العملية للفصول الدراسية الجامعية إذ ينبغي أن تكون الخبرة العملية الكبيرة والتدريب العملي شرطًا للتخرج.
- توسيع نطاق التدريب أثناء ممارسة الوظيفة.
- تحسين مستوى أداء المدرسين من خلال التقييم وربط الأداء بنظام حوافز.
- طرح نظم اختبارات مقارنة على المستوى الوطني لتوفير الشفافية في عملية تقييم المدرس وأداء المدرسة عبر النظام بأكمله.
- مكافأة المدرس الجيد عبر تقديم المكافآت المالية وغيرها من الحوافز غير المالية لاولئك المدرسين الذين تبوأت صفوفهم الدراسية ضمن فئة الأفضل 20% في امتحانات المقارنة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، واكتفينا بذكر ماسبق، فهناك أمورا أخرى ذكرها التقرير معروفة، وتعرفها تماما وزارة التربية.
الإطالة أنموذجا
وإذا أخذنا إطالة الدوام الدراسي كأنموذج لما أخذت به وزارة التربية كخطوة من خطوات التطوير والإصلاح، فإننا نجد أنها ـ أي الوزارة ـ اتخذت القرار على عجل «سلق»، دون أن تضع في حسبانها الكثير من المعايير، كتوفير الملاعب والصالات الرياضية والمسارح، التي تجعل المدرسة جاذبة للطالب لا منفرة، ودون أن تعتمد آلية جديدة للنشاط المدرسي، وكل ما تمخض عنه فكر مخترع الإطالة أنه اتخذ القرار، وترك الميدان التربوي والإدارات المدرسية تتخبط وتعيش كل يوم ثلاثاء في دوامة، كان بإمكاننا تجنبها.
موضع الخلل
نضيف إلى ذلك ماجاء في رد جمعية المعلمين على الوزارة بخصوص موضوع الإطالة، عندما ذكرت في المذكرة التفسيرية التي رفعتها إلى وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي د . موضي الحمود أن عدد أسابيع التدريس في السنة التعليمية في اللكويت يقل عن دول (OECD) بواقع ستة أسابيع فقط وحوالي 50 ساعة دراسية.
وأشارت الجمعية إلى موضع الخلل في الأمر، وهو أن تقرير المؤشرات التربوية لعام 2007 عندما أشار إلى انخفاض ساعات التدريس الفعلية إنما حدث خلط بين انخفاض ساعات الدوام الرسمي وساعات التدريس الفعلية، حيث يتبين أن الخلل ليس في قلة ساعات الدراسة الرسمية ولا في قلة عدد أسابيع الدراسة الرسمية، بل في عدد الساعات الفعلية التي يتم فيها التدريس وهو الخلل الذي يحدثه عدم الالتزام بتطبيق الخطة الموضوعة.
حلول
بعد ذلك طرحت الجمعية مقترحات الحل، التي تكمن في الحرص على التزام الوزارة بعدد الساعات الرسمية الموضوعة من قبل قطاع التعليم العام، ومحاسبة كل من لا يلتزم بها، والتركيز على جودة التعليم ونوعيته، وليس الأمور الكمية التي لن ترفع من مستوى التعليم لدينا، معتبرة أن زيادة عدد ساعات التدريس وإطالة اليوم الدراسي لن يضمن لنا تدريسا جيدا، وعلينا أن نركز على تغيير أسلوب التدريس، على كيفية الاستفادة القصوى من الساعات الرسمية للتدريس، بدلا من إهدارها، بدلا من المطالبة بزيادة ساعات الدوام الرسمي.
أخيرا، بقي أن نقول إننا لسنا ضد الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في إصلاح نظامنا التعليمي، ولسنا ضد التقارير الموضوعية وأجندات الإصلاح، التي تضع طبيعة المجتمع الكويتي بعين الاعتبار، بل نحن ضد التنفيذ الخاطئ لهذه الأجندات، ونسأل وزارتنا : ألا يوجد في الكويت دراسات وأبحاث ميدانية تشخص حالتنا التعليمية وتصف لنا الدواء الناجع مما يعاني منه تعليمنا وتخرجنا من أزمتنا؟ ولماذا نترك ونهمل بنودا رئيسة وأساسية في عملية إصلاح التعليم، ونتمسك ببنود أخرى ثانوية ونطبقها فورا دون أن نعالج المهم منها.
إلـى متــى يبقــى
نظامنا التعليمي يراوح مكانه؟
كثرة التقارير باتت عبئا على وزارة التربية، وجعلتها في حالة توهان وتخبط لا تعرف كيف الخروج منها!
« التربية» إما أن تبدأ في الإصلاح متأخرة أو أنها تبدأ ، خطأ، من بعض الأمور الثانوية
بعد التقرير الذي خرج به على الكويت رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير حول رؤيته للكويت بحلول عام 2030، وبعد تقرير البنك الدولي المفصل، الذي رفعه إلى وزارة التربية، مرورا بتقرير المركز البريطاني، الذي نشر في 2008 ويركز فيه على سبل تحسين أنظمة إدارة الأداء عبر الامتحانات الموحدة، وتقرير معهد التنمية الكوري، الذي وضع التعليم في الكويت ضمن ثلاثة مجالات للتركيز عليها في تقريره الصادر عام 2008 والذي يحمل عنوان «تجاوب الكويت الاستراتيجي مقابل تحديات التنمية التي تواجهها»، وركز في توصياته على تحسين التعليم العالي والمهني، ومرورا بما عممته وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي د.موضي الحمود على القيادات التربوية حول مرتكزات اصلاح التعليم لتحقيق رؤية الكويت حـتى عام 2035 والتي استكملت بعد تفويض توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق الذي قام بوضع أفكار جديدة، حيث تضمنت ورقة العمل المصممة من الوزيرة د.الحمود على الوكلاء المساعدين 18 مرتكزا لتحقيق رؤية الكويت لإصلاح التعليم حتى العام 2035.
وحددت الوزيرة في الرؤية ما ينبعي عمله لتحقيق رؤية عام 2035، وهو العمل على إعداد جيل من الكويتيين المنافسين في سوق العمل من خلال أجندة الإصلاح التي تتضمن النقاط التالية:
{ مواصلة تحسين النظام التعليمي.
{ تجديد نظام التعليم لاتاحة سلاسة في دمج المواطنين في سوق العمل التنافسية التي تتطلب مؤهلات جيدة.
{ يجب على نظام التعليم ان يكون الافضل في المنطقة واعداد الطلاب بشكل يلبي متطلبات الاقتصاد المعاصر والمنافسة الدولية.
{ تقوية مهنة التعليم.
{ استقطاب المرشحين الواعدين والحفاظ عليهم وزيادة اجور المعلمين.
{ تطوير عملية تعيين المعلمين.
{ تطوير التدريب العملي للمعلمين اثناء الدراسة الجامعية وخلال فترة العمل.
{ تطوير سبل توجيه اداء المدرسين عبر التقييم ونظام الحوافز القائم على الاداء.
{ تعزيز سبل توجيه الطلاب.
{ قياس أداء الطلاب بواسطة نظام امتحانات افضل من خلال طرح نظام امتحانات موحد على مستوى الدولة وقائمة على المعايير في جميع المواد بدءا من الصف الرابع وما فوق.
{ توضيح مزايا التفوق للطلبة.
{ تعزيز المنافسة بين المدارس.
{ تقديم مكونات القطاع الخاص في نظام المدارس العامة.
{ إتاحة تعهد ادارة القطاع الخاص للمدارس.
{ تعيين الرعاة من الشركات من اجل استكمال التمويل الحكومي للمدارس.
{ توحيد نظام الامتحانات واجراء التفتيش على المدارس.
{ تأسيس وحدة مستقلة للمراقبة والتقييم.
{ تطوير وتطبيق تعليم مهني وجامعي من خلال تحسين العرض المطروح والتأكد من مناسبته لمتطلبات السوق.
وفد سنغافورة نقول، مرورا بهذه الرؤية، ووصولا إلى ماعرضه أخيرا وفد مؤسسة التعليم الوطني في سنغافورة ، المعنية أساسا بإعداد المعلمين وتطوير قدراتهم وتأهيلهم، حيث عقد الوفد اجتماعا مع وزيرة التربية د.موضي الحمود، وهو جزء من المشروع المشترك بين الحكومتين السنغافورية والكويتية المتعلق بالتعليم ، والخاص بتطوير قدرات المعلمين وتأهيلهم ، إلى جانب التعليم الالكتروني.
وعرض في الاجتماع تجربة الوفد الزائر والأساليب المتبعة في سنغافورة وأساليب التعاون مع الكويت “.
مراوحة
بعد هذا كله، نلاحظ أن تعليمنا في الكويت لا يزال يرواح مكانه، دون تحقيق نتائج متقدمة ملموسة على أرض الواقع، وكأن هذه التقارير، على كثرتها، باتت عبئا على وزارة التربية، وجعلتها في حالة توهان وتخبط لا تعرف كيف الخروج منها.
وتقرير بلير، الذي اعتبر فيه أن نظام التعليم في الكويت غير قادر على إعداد القوى العاملة لمواكبة تحديات المستقبل، ودعا في الجزء المخصص للتعليم والتعليم الجامعي الى ضرورة اتخاذ إجراءات قوية وفاعلة، وإلا فإن الاستمرار في التقاعس عن العمل سيعرض حتما مستقبل الكويت للخط، لم ينظر إليه كما يجب أن يكون، بل شخص لنا في تقريره المسهب الكثير مما يعانيه تعليمنا، وهو أمر لا جديد فيه ويعرفه القاصي والداني.
تباطؤ وتأخير
ومما يحز في نفس كل تربوي أن كل هذه التقارير والرؤى والدراسات تطلع عليها وزارة التربية، وتبدأ بخطوات الإصلاح، إلا أنها إما أن تبدأ متأخرة أو أنها تبدأ في الإصلاح من بعض الأمور الثانوية والسهلة، والتي يمكن تنفيذها والبدء فيها متى تشاء، وتترك أمورا أخرى تحتاج سنوات وسنوات لتنفيذها، ولا تتماشى مع طبيعة مدارسنا، فهي تتباطأ في تنفيذ أجندات الإصلاح، وإن بدأت فإنها تتغاضى عن نقاط رئيسة مهمة في هذه الأجندات.
توصية البنك الدولي
بتعبير آخر نقول: قامت الوزارة بناء على توصية من البنك الدولي بإطالة الدوام الدراسي، باعتباره ـ حسب التقرير ـ الأقصر عالميا، ونسيت أو تناست، أو غفلت، مثلا عما عرضه بلير في أجندة الإصلاح التعليمي في الكويت، والتي جاء فيها:
ـ استقطاب أفضل المرشحين والاحتفاظ بهم ووضع الحوافز المناسبة وزيادة رواتب المدرسين بنسبة كبيرة حتى لا تكون شروط العمل الصارمة مبررة بتعويضات مالية تفوق بكثير ما يقتضاه موظفو الحكومة الآخرون فحسب، بل حتى يصبح التدريس ضمن فئة النخبة بين الوظائف الحكومية.
تحسين المكانة الاجتماعية للمدرسين من خلال:
- الترويج لقيمة مهنة التدريس إلى الرأي العام.
- تشديد المتطلبات والشروط الخاصة بالالتحاق بمهنة التدريس وتقييدها.
- تحديث المدارس حتى تصبح أماكن عمل أكثر جاذبية.
- العمل على تطوير سريع لنظم صارمة للتحقق واعتماد تلك المعارف والمهارات التي يتمتع بها المدرسون الحاليون. ومن يتجاوز تلك المرحلة ينبغي أن يحصل على زيادة كبيرة في الراتب، في حين من يفشل منهم فإن أمامهم خيار ترك المهنة أو الالتحاق بدورات لتحسين مهاراتهم وبالتالي اعتمادهم.
- توسيع نطاق الفرص للتطوير المهني للمدرسين من خلال التدريب المنهجي والنظامي (على سبيل المثال اتباع نموذج سنغافورة عبر توفير عدد ثابت من ساعات التدريب سنويًا).
- برامج التبادل المؤسساتي التي تقدم لمدرسي الكويت الفرصة للتدريس في الدول الأخرى التي تتميز جودة التعليم فيها بكونها من الطراز الأول.
- استكشاف الوسائل التي يمكن من خلالها تحسين ظروف العمل للمدرسين (على سبيل المثال مرافق أفضل وتدرج وظيفي مرن).
- تطوير النظم لمكافحة «الواسطة» وتلاعب الآباء بالمدرس (على سبيل المثال من خلال نظم الامتحانات الموحدة التي تعتمد أسلوب الخيارات المتعددة multiple-choice exams بحيث توضع الدرجات من خلال جهاز الكمبيوتر).
- تحديد المعايير الخاصة بالالتحاق بمهنة التدريس، ويفضل وضع معايير صارمة (فعلى سبيل المثال، أفضل 5% فقط من خريجي الثانوية العامة في كوريا قد يختارون التدريس مهنة لهم).
- تأسيس كلية حصرية للتربية، سواء كانت في جامعة الكويت أو كجهة مستقلة، بحيث يشترط على جميع المدرسين الكويتيين الجدد التخرج منها وتكون شروط القبول فيها صارمة ومقيدة بصورة كبيرة.
- كما هي الحال في سنغافورة، دفع راتب إلى طلبة كلية التربية أثناء تلقيهم للتدريب الموكل إليهم من الجامعة، ينبغي أن لا يفعل ذلك مع المهن الأخرى حتى يرفع من شأن مهنة التدريس وهيبتها والرغبة فيها.
- تحسين التدريب العملي للمدرسين في أثناء الدراسة الجامعية وأثناء ممارسة الوظيفة.
- قياس المهارات غير العلمية للمرشح وتقييمها (على سبيل المثال، التواصل ومهارات التعامل مع الآخرين والدافع للتدريس).
- زيادة التجارب العملية للفصول الدراسية الجامعية إذ ينبغي أن تكون الخبرة العملية الكبيرة والتدريب العملي شرطًا للتخرج.
- توسيع نطاق التدريب أثناء ممارسة الوظيفة.
- تحسين مستوى أداء المدرسين من خلال التقييم وربط الأداء بنظام حوافز.
- طرح نظم اختبارات مقارنة على المستوى الوطني لتوفير الشفافية في عملية تقييم المدرس وأداء المدرسة عبر النظام بأكمله.
- مكافأة المدرس الجيد عبر تقديم المكافآت المالية وغيرها من الحوافز غير المالية لاولئك المدرسين الذين تبوأت صفوفهم الدراسية ضمن فئة الأفضل 20% في امتحانات المقارنة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، واكتفينا بذكر ماسبق، فهناك أمورا أخرى ذكرها التقرير معروفة، وتعرفها تماما وزارة التربية.
الإطالة أنموذجا
وإذا أخذنا إطالة الدوام الدراسي كأنموذج لما أخذت به وزارة التربية كخطوة من خطوات التطوير والإصلاح، فإننا نجد أنها ـ أي الوزارة ـ اتخذت القرار على عجل «سلق»، دون أن تضع في حسبانها الكثير من المعايير، كتوفير الملاعب والصالات الرياضية والمسارح، التي تجعل المدرسة جاذبة للطالب لا منفرة، ودون أن تعتمد آلية جديدة للنشاط المدرسي، وكل ما تمخض عنه فكر مخترع الإطالة أنه اتخذ القرار، وترك الميدان التربوي والإدارات المدرسية تتخبط وتعيش كل يوم ثلاثاء في دوامة، كان بإمكاننا تجنبها.
موضع الخلل
نضيف إلى ذلك ماجاء في رد جمعية المعلمين على الوزارة بخصوص موضوع الإطالة، عندما ذكرت في المذكرة التفسيرية التي رفعتها إلى وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي د . موضي الحمود أن عدد أسابيع التدريس في السنة التعليمية في اللكويت يقل عن دول (OECD) بواقع ستة أسابيع فقط وحوالي 50 ساعة دراسية.
وأشارت الجمعية إلى موضع الخلل في الأمر، وهو أن تقرير المؤشرات التربوية لعام 2007 عندما أشار إلى انخفاض ساعات التدريس الفعلية إنما حدث خلط بين انخفاض ساعات الدوام الرسمي وساعات التدريس الفعلية، حيث يتبين أن الخلل ليس في قلة ساعات الدراسة الرسمية ولا في قلة عدد أسابيع الدراسة الرسمية، بل في عدد الساعات الفعلية التي يتم فيها التدريس وهو الخلل الذي يحدثه عدم الالتزام بتطبيق الخطة الموضوعة.
حلول
بعد ذلك طرحت الجمعية مقترحات الحل، التي تكمن في الحرص على التزام الوزارة بعدد الساعات الرسمية الموضوعة من قبل قطاع التعليم العام، ومحاسبة كل من لا يلتزم بها، والتركيز على جودة التعليم ونوعيته، وليس الأمور الكمية التي لن ترفع من مستوى التعليم لدينا، معتبرة أن زيادة عدد ساعات التدريس وإطالة اليوم الدراسي لن يضمن لنا تدريسا جيدا، وعلينا أن نركز على تغيير أسلوب التدريس، على كيفية الاستفادة القصوى من الساعات الرسمية للتدريس، بدلا من إهدارها، بدلا من المطالبة بزيادة ساعات الدوام الرسمي.
أخيرا، بقي أن نقول إننا لسنا ضد الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في إصلاح نظامنا التعليمي، ولسنا ضد التقارير الموضوعية وأجندات الإصلاح، التي تضع طبيعة المجتمع الكويتي بعين الاعتبار، بل نحن ضد التنفيذ الخاطئ لهذه الأجندات، ونسأل وزارتنا : ألا يوجد في الكويت دراسات وأبحاث ميدانية تشخص حالتنا التعليمية وتصف لنا الدواء الناجع مما يعاني منه تعليمنا وتخرجنا من أزمتنا؟ ولماذا نترك ونهمل بنودا رئيسة وأساسية في عملية إصلاح التعليم، ونتمسك ببنود أخرى ثانوية ونطبقها فورا دون أن نعالج المهم منها.