مدرس خصوصي
08-08-2010, 07:20 AM
مقالة اعجبتني، وانقلها لكم هنا
القانون التربوي الأمريكي الجديد
(No Child Left Behind)
نسخة من واقع التعليم العربي!
يدور جدل واســع في أمريكا من قبل الباحثين التربويين حول القانـون التربوي الفيدرالي "لا طفل يتخلّف" (No Child Left Behind- NCLB Act) والاستراتيجيات المتبعة لتحقيق أهدافه، ومدى فاعليته، والآثار المترتبة جراء تفعيله على النظام التعليمي بشكل عام، وعلى تعليم الموهوبين بشكل خاص، ونتسائل نحن ايضاً هل فعلاً أن واقع التعليم العربي كان له السبق ولايزال في تطبيق فحوى هذا القانون في مدارسنا؟!.
(1)
بدايةً(NCLB)هو قانون متعلق بالتعليم وقعه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في 8/1/2002، وأجيز بأغلبية النواب الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس. ويهدف قانون (NCLB) بشكل أساسي إلى الوصول بكل طلاب المدارس الحكومية للكفاءة (Proficient) في القراءة والرياضيات بحلول عام 2014. ويعد هذا القانون من أهم القوانين الاتحادية (الفيدرالية) المتعلقة بالتعليم (كما يراه المؤيدون) والذي يهدف إلى إصلاح التعليم من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وكذلك يشمل الإصلاح للمدارس التي لم تصل إلى المستوى المقبول لمعايير الكفاءة الاتحادية، وللمعلمين أيضاً، والتأكد من أن كل معلمي المدارس الحكومية على درجة عالية من التأهيل، وحيث يقوم هذا القانون بتصنيف المدارس الحكومية إلى تصنيفات عدة (مدرسة بحاجة إلى تحسين من الفئة الأولى – مدرسة بحاجة إلى تحسين فئة ثانية – إجراءات تصحيح من الفئة الاولى... مدرسة ذات مستوى فاشل!)، وهذه التصنيفات تتم من خلال معايير (Adequate Yearly Progress AYP)، هذا ويؤكد القانون على أهمية تشجيع ودعم المدارس الحكومية المتقدمة (الرائدة).
(2)
اعتقد أن مشروع قانون "لا طفل يتخلّف No Child Left Behind " (NCLB) ، يذكرنا وللوهلة الأولى بذلك التقرير الشهير عن أزمة التعليم في أميركا "أمة في خطر" مبالغة في نقد التعليم في حقبة الستينيات من القرن الماضي، والذي كان له الأثر البالغ في مراجعة كل مايرتبط بالتعليم في الولايات المتحدة الأميركية وتطويره. ولكن بعد مراجعة لكثير من المقالات العلمية ذات الصلة حول قانون (NCLB) نجد أن كثيراً من التربويين والأكاديميين قد أشاروا إلى مواطن الضعف والآثار السلبية لهذا القانون على التعليم. ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به مجلة (Instructor) باستطلاع آراء المعلمين حول قانون (NCLB) والذي حدد ايضا اختبارات تقدم للمعلمين، للتأكد من أن كل معلمي المدارس الحكومية في الولايات الامريكية على درجة عالية من التأهيل من خلال تلك الاختبارات المعيارية المقدمه لهم، وقد أكد المعلمون في استطلاع الرأي أن القانون(NCLB) يركز فقط على ما يعرفه المعلمون من خلال الاختبارات مع التجاهل لأهمية طرق واساليب التدريس المستخدمة والتقييم والملاحظات من خلال الزيارات وغيرها.
(3)
الأستاذة المشاركة جينتري (Marcia Gentry, PhD) في معهد مصادر تعليم الموهوبين بجامعة بوردو تشير إلى النواحي السلبية لقانون (NCLB) على النظام التعليمي بشكل عام، وتعليم الموهوبين بشكل خاص في مقالة علمية لها بمجلة (Roeper Review,) والتي لاقت تأييداً واسعاً، حيث تقول "إنه من المؤسف السماح بتدخل الحكومة المركزية (الفيدرالية) بشكل مباشر في التعليم، حيث إن هذا التشريع (NCLB) والذي أقرته الحكومة الفيدرالية يبدو نقياً (Pure) على السطح، إلا أنه وبشكل غير مقصود هدّام للنظام التعليمي من الداخل، فقد تم التخلص من متعة التعليم والتعلم بشكل منظم في الصفوف الدراسية!!".
وتضيف الباحثة (Gentry) أن (NCLB) جاء متناقضاً مع ما نادت به البحوث التربوية العلمية، فهو عبارة عن تفويض سياسي لاكتساح المدارس الحكومية التي أهملت معالجة التحصيل المتدني للطلاب والطالبات من خلال سد الفجوات عبر التركيز على درجات معيارية لتقييم المدارس ومجموعات الطلبة المتعلقة بكفاءة الاستيعاب وفق معايير واختبارات تحصيل مثيرة للتساؤل (Questionable Standards). زيادةً على ذلك فإن قانون (NCLB) يجبر المدارس الحكومية في جميع الولايات على الاهتمام والتركيز على "تدريس ما يتم اختباره" (Teaching What is Tested). ونتج عن ذلك محتوى منهاج تم تعريفه ووضع اختبارات ذات معايير عالية، مع استبعاد للمواد الاختيارية والآداب والعلوم واللغة الأجنبية الثانية وبرامج الموهوبين!.
وقد اشارت الباحثة (Gentry) في مقالها بعداً مهماً حول الآثار السلبية لقانون (NCLB) على تعليم الموهوبين فتقول: "إنه وبما لا ينافي الشك بعد سنوات عدة من إقرار القانون – فإنه قد اتضح فشل القانون (NCLB) في تلبية احتياجات فئة الطلاب والطالبات من الموهوبين، وتركيزه في دعم تقديم تعليم ذو معيار واحد لكافة الطلاب، وبغض النظر عن ضرورة تقديم تعليم يلبي احتياجات واهتمامات الموهوبين، فكان من الآثار السلبية لقانون (NCLB) على تعليم الموهوبين هو قيام الكثير من المدارس الحكومية باقتطاع برامج الموهوبين وتضييقها، وإعادة تخصيص التمويل للبرامج العلاجية، لخوف الإدارات المدرسية من العقوبات الصارمة في حالة فشلها في تحقيق التحسن السنوي المناسب (AYP)، والذي يعتمد علامات (درجات) الطلاب!".
والحقيقة أن الباحثة (Gentry) في مقالها قد تعاطفت مع إجراءات ادارات المدارس؛ لخوف تلك الادارات المدرسية من العقوبات الصارمة لقانون (NCLB)، فمنها إطلاق التصنيفات غير المناسبة للمدرسة "مدرسة ذات مستوى فاشل Failing Label School"، ووقف الدعم المادي الفيدرالي، وهو ما جعل مدراء المدارس تحت ضغط شديد، ومحاولتهم لإظهار تحسن سنوي مناسب أو المحافظة على مستويات المدرسة العالية، ولهذا فهم يلقون بالضغط على المعلمين ليلتزموا بالمتطلبات، وتتساءل الباحثة (Gentry) كيف يبدو كونك طالباً موهوباً في مثل هذا النظام!!.
(4)
وفي مقال لـ(Johnson) والموسوم "غياب من المدرسة ولكن بعذر!" بمجلة (Gifted Child Today) والذي انتقد من خلاله قانوناً جديداً في ولاية تكساس يُسمح من خلاله للطلاب الذين أحرزوا كفاءة في اختبارات الولاية المعتمدة من قبل (NCLB) أن يمنحوا عطلة رسمية لمدة أسبوعين، بينما يحضّر المعلمون بقية الطلاب للامتحانات. ويعزز هذا القانون فكرة أنه كلما يصل الطلاب إلى مستوى الكفاءة في الاختبار المقدم لهم (Proficiency Level) تكون مهمة المعلمين قد انتهت، ولا عزاء للطلاب الموهوبين الذين يحتاجون إلى ما ينمي مواهبهم وقدراتهم، ولا عزاء أيضاً للمعلمين الذين يسعون لمساعدة هؤلاء الطلاب بشكل يرضي ضمائرهم!
وفي مقال ساخر لـ(Anne Lewis) بعنوان(A Horse Called NCLB)، حيث تصف من خلال مقالها وبأسلوب ساخر قانون (NCLB) بالحصان الجامح الذي يجري بأقصى سرعة نحو المنحدر!، وتقول إن هذا التشريع القانوني لا يعمل بالصورة الصحيحة، وأنه آن الأوان لمراجعته. فالطلاب يحتاجون (100) عام للوصول إلى مستوى (Proficiency Level)، وإن ما يمكن تحقيقه هو هدف الوصول بالطلاب إلى تحقيق المستويات الأساسية (Basic Level).
ومن جانب آخر يتساءل (Aldridge Jerry) في مقال له بمجلة (Childhood Education) هل يكفي (1) بليون لتغطية نفقات مشروع (NCLB) لجميع الولايات؟ ويجيب على هذا التساؤل بقوله: "إن كثيراً من الولايات أعلنت أنها تخسر ميزانية التعليم نتيجة لهذا القانون، وأن الفجوة تتسع نتيجة وقف الدعم للمدارس ذات المستوى الفاشل، وتحويل هذا الدعم للمدارس التي صنفت كمدارس متقدمة"، ويؤكد الكاتب أن كثيراً من الولايات قد أبدت اعتراضها على قانون (NCLB)، فمثلاً ولاية كونيكتكت (Connecticut) قد أبدت اعتراضها على القانون، ورفعت دعوى قضائية، إلا أن القضية ما تزال معلقة، رغم أن هذه الولاية تعد كثير من مدارسها من أوائل المدارس التي تحرز تقدماً في الاختبارات المعيارية السنوية، ويتساءل الكاتب (Aldridge) في نهاية المقال، حول دلالات الصدق والثبات للاختبارات المعيارية ومعايير (AYP) المعتمدة من قبل (NCLB)، وهل تلك البيانات (Data) بمنأى عن التلاعب الإحصائي؟؟.
ولتوضيح ما يقصده الكاتب (Aldridge)، فقد أشارت التقارير أن كثيراً من المدارس الحكومية ونتيجة للحيلولة دون الوقوع في فخ عقوبات (NCLB) وفقدانها الدعم الفيدرالي وفق هذا القانون، قد أخذت في التلاعب في بياناتها والإحصاءات المقدمة (إحصاءات تم تعديلها، ومعدلات انقطاع عن المدرسة لم يعلن عنها، وغش واضح). وظهر أكثر هذه الأمثلة جسامة في مدارس هيوستن الحكومية، والتي عرفت من قبل ولاية تكساس عام 2002 كأفضل مدارس الضواحي في أمريكا، وقد أطلق عليها الرئيس الأمريكي بوش بـ"معجزة تكساس" (Texas Miracle)، والمدير السابق لمدارس هيوستن (Rod Paige) هو الآن في منصب السكرتير الأول في وزارة التعليم الأمريكي، وهو نفسه الذي اتهم مؤسسة التعليم الوطني (NEA)بعد توليه المنصب الجديد بأنها إرهابية تجني مكاسب من معدلات التخرج!.
(5)
إن أغلب مقالات التربويين قد ركزت في انتقادها ليس لأهداف القانون، وإنما كان النقد موجهاً لآلية التطبيق واستراتيجياته، والتي اعتمدت على محكات الاختبارات ومعايير التصنيف فقط، فكان نتيجة ذلك اختزال لدور المدارس في التعليم، وتحديد مستويات عطائها من خلال درجات الطلاب في الاختبارات، لذلك فالتربويون يؤكدون أن (NCLB) يعمل وفق آلية غير علمية بهدف الوصول إلى الكفاءة في أداء الامتحان، وهو ما يحيد تقديم تعليم ذوي جودة عالية وشغف الطلاب نحو المعرفة والتعلم، فلا يملك المعلم الموهوب والمتميز ولو لهامش من الحرية والوقت ليعلم طلابه، بل العكس من ذلك يعمل وفق طريقة تدريس الامتحان (Teaching What is Tested)، وعليه فإن غالبية الأوساط التربوية في أميركا اليوم تطالب بإلغاء (NCLB act) أو البدء الفوري بتنقيح أساسي لهذا القانون.
وأخيراً، وليس آخراً، أجد أن هذه الانتقادات الموجهة والجدل الدائر بين الأوساط التربوية الأميركية حول قانون (NCLB) والذي اعتمد آلية تعليم هدفها النجاح بالامتحان، أقول وأزعم إن آلية التعليم العربية قد سبقتهم في تطبيق هذه الرؤية في التعليم منذ عشرات السنين، والعجيب أن هذه الآلية لم تلقَ نقداً لاذعاً من الأوساط التربوية العربية كما هو حاصل اليوم في الولايات الأمريكية إلا ماندر!!
إن طريقة تدريس وتعليم ما سوف يتم اختباره، قد لاقت مباركة من وزارات التعليم العربية عموما وفي بلادي على وجه الخصوص، ومثال ذلك ما تزخر به كثير من المجلات الاعلانية حول ما جدّ من اصدارات لنماذج الامتحانات تحت شعار بشرى سارة للطلبة وأولياء الأمور ، ومايزيد الطين بله قيام الكثير من مدارسنا اليوم بإعداد هذه النماذج والملخصات للطلاب وخدمة للمعرفة كما يزعمون!!
إن التعليم في وطننا العربي الكبير قد كان له السبق في تطبييق استراتيجيات هذا القانون الفيدرالي الامريكي، ويحق للمسئولين على انظمة التعليم العربية الشعور بنشوة النجاح والسبق في تطبيق فحوى هذا القانون التربوي الامريكي قبل الامريكيين انفسهم، حيث ارتبط التعليم لدينا ارتباطاً لا ينفك بهدف النجاح في أداء الامتحان فقط دون هدف اكتساب المعرفة ورعاية وتحفيز عقول ابناءنا للإبداع ومتعة التعلم، ومن الآثار الطريفة على ذلك أنه ومع اقتراب فترة الامتحانات النهائية، نجد أن الطفل وأسرته يصبحون في حالة استنفار لأداء الامتحان، ويشمل هذا الاستنفار جميع ارجاء المنزل والحارة والمدرسة والمنطقة التعليمية والوزارة، وأزعم أن هذا الاستنفار يعم جميع أقطار وطننا العربي الكبير من المحيط الى الخليج باستثناء قواتنا العربية المسلحة!
القانون التربوي الأمريكي الجديد
(No Child Left Behind)
نسخة من واقع التعليم العربي!
يدور جدل واســع في أمريكا من قبل الباحثين التربويين حول القانـون التربوي الفيدرالي "لا طفل يتخلّف" (No Child Left Behind- NCLB Act) والاستراتيجيات المتبعة لتحقيق أهدافه، ومدى فاعليته، والآثار المترتبة جراء تفعيله على النظام التعليمي بشكل عام، وعلى تعليم الموهوبين بشكل خاص، ونتسائل نحن ايضاً هل فعلاً أن واقع التعليم العربي كان له السبق ولايزال في تطبيق فحوى هذا القانون في مدارسنا؟!.
(1)
بدايةً(NCLB)هو قانون متعلق بالتعليم وقعه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في 8/1/2002، وأجيز بأغلبية النواب الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس. ويهدف قانون (NCLB) بشكل أساسي إلى الوصول بكل طلاب المدارس الحكومية للكفاءة (Proficient) في القراءة والرياضيات بحلول عام 2014. ويعد هذا القانون من أهم القوانين الاتحادية (الفيدرالية) المتعلقة بالتعليم (كما يراه المؤيدون) والذي يهدف إلى إصلاح التعليم من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وكذلك يشمل الإصلاح للمدارس التي لم تصل إلى المستوى المقبول لمعايير الكفاءة الاتحادية، وللمعلمين أيضاً، والتأكد من أن كل معلمي المدارس الحكومية على درجة عالية من التأهيل، وحيث يقوم هذا القانون بتصنيف المدارس الحكومية إلى تصنيفات عدة (مدرسة بحاجة إلى تحسين من الفئة الأولى – مدرسة بحاجة إلى تحسين فئة ثانية – إجراءات تصحيح من الفئة الاولى... مدرسة ذات مستوى فاشل!)، وهذه التصنيفات تتم من خلال معايير (Adequate Yearly Progress AYP)، هذا ويؤكد القانون على أهمية تشجيع ودعم المدارس الحكومية المتقدمة (الرائدة).
(2)
اعتقد أن مشروع قانون "لا طفل يتخلّف No Child Left Behind " (NCLB) ، يذكرنا وللوهلة الأولى بذلك التقرير الشهير عن أزمة التعليم في أميركا "أمة في خطر" مبالغة في نقد التعليم في حقبة الستينيات من القرن الماضي، والذي كان له الأثر البالغ في مراجعة كل مايرتبط بالتعليم في الولايات المتحدة الأميركية وتطويره. ولكن بعد مراجعة لكثير من المقالات العلمية ذات الصلة حول قانون (NCLB) نجد أن كثيراً من التربويين والأكاديميين قد أشاروا إلى مواطن الضعف والآثار السلبية لهذا القانون على التعليم. ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به مجلة (Instructor) باستطلاع آراء المعلمين حول قانون (NCLB) والذي حدد ايضا اختبارات تقدم للمعلمين، للتأكد من أن كل معلمي المدارس الحكومية في الولايات الامريكية على درجة عالية من التأهيل من خلال تلك الاختبارات المعيارية المقدمه لهم، وقد أكد المعلمون في استطلاع الرأي أن القانون(NCLB) يركز فقط على ما يعرفه المعلمون من خلال الاختبارات مع التجاهل لأهمية طرق واساليب التدريس المستخدمة والتقييم والملاحظات من خلال الزيارات وغيرها.
(3)
الأستاذة المشاركة جينتري (Marcia Gentry, PhD) في معهد مصادر تعليم الموهوبين بجامعة بوردو تشير إلى النواحي السلبية لقانون (NCLB) على النظام التعليمي بشكل عام، وتعليم الموهوبين بشكل خاص في مقالة علمية لها بمجلة (Roeper Review,) والتي لاقت تأييداً واسعاً، حيث تقول "إنه من المؤسف السماح بتدخل الحكومة المركزية (الفيدرالية) بشكل مباشر في التعليم، حيث إن هذا التشريع (NCLB) والذي أقرته الحكومة الفيدرالية يبدو نقياً (Pure) على السطح، إلا أنه وبشكل غير مقصود هدّام للنظام التعليمي من الداخل، فقد تم التخلص من متعة التعليم والتعلم بشكل منظم في الصفوف الدراسية!!".
وتضيف الباحثة (Gentry) أن (NCLB) جاء متناقضاً مع ما نادت به البحوث التربوية العلمية، فهو عبارة عن تفويض سياسي لاكتساح المدارس الحكومية التي أهملت معالجة التحصيل المتدني للطلاب والطالبات من خلال سد الفجوات عبر التركيز على درجات معيارية لتقييم المدارس ومجموعات الطلبة المتعلقة بكفاءة الاستيعاب وفق معايير واختبارات تحصيل مثيرة للتساؤل (Questionable Standards). زيادةً على ذلك فإن قانون (NCLB) يجبر المدارس الحكومية في جميع الولايات على الاهتمام والتركيز على "تدريس ما يتم اختباره" (Teaching What is Tested). ونتج عن ذلك محتوى منهاج تم تعريفه ووضع اختبارات ذات معايير عالية، مع استبعاد للمواد الاختيارية والآداب والعلوم واللغة الأجنبية الثانية وبرامج الموهوبين!.
وقد اشارت الباحثة (Gentry) في مقالها بعداً مهماً حول الآثار السلبية لقانون (NCLB) على تعليم الموهوبين فتقول: "إنه وبما لا ينافي الشك بعد سنوات عدة من إقرار القانون – فإنه قد اتضح فشل القانون (NCLB) في تلبية احتياجات فئة الطلاب والطالبات من الموهوبين، وتركيزه في دعم تقديم تعليم ذو معيار واحد لكافة الطلاب، وبغض النظر عن ضرورة تقديم تعليم يلبي احتياجات واهتمامات الموهوبين، فكان من الآثار السلبية لقانون (NCLB) على تعليم الموهوبين هو قيام الكثير من المدارس الحكومية باقتطاع برامج الموهوبين وتضييقها، وإعادة تخصيص التمويل للبرامج العلاجية، لخوف الإدارات المدرسية من العقوبات الصارمة في حالة فشلها في تحقيق التحسن السنوي المناسب (AYP)، والذي يعتمد علامات (درجات) الطلاب!".
والحقيقة أن الباحثة (Gentry) في مقالها قد تعاطفت مع إجراءات ادارات المدارس؛ لخوف تلك الادارات المدرسية من العقوبات الصارمة لقانون (NCLB)، فمنها إطلاق التصنيفات غير المناسبة للمدرسة "مدرسة ذات مستوى فاشل Failing Label School"، ووقف الدعم المادي الفيدرالي، وهو ما جعل مدراء المدارس تحت ضغط شديد، ومحاولتهم لإظهار تحسن سنوي مناسب أو المحافظة على مستويات المدرسة العالية، ولهذا فهم يلقون بالضغط على المعلمين ليلتزموا بالمتطلبات، وتتساءل الباحثة (Gentry) كيف يبدو كونك طالباً موهوباً في مثل هذا النظام!!.
(4)
وفي مقال لـ(Johnson) والموسوم "غياب من المدرسة ولكن بعذر!" بمجلة (Gifted Child Today) والذي انتقد من خلاله قانوناً جديداً في ولاية تكساس يُسمح من خلاله للطلاب الذين أحرزوا كفاءة في اختبارات الولاية المعتمدة من قبل (NCLB) أن يمنحوا عطلة رسمية لمدة أسبوعين، بينما يحضّر المعلمون بقية الطلاب للامتحانات. ويعزز هذا القانون فكرة أنه كلما يصل الطلاب إلى مستوى الكفاءة في الاختبار المقدم لهم (Proficiency Level) تكون مهمة المعلمين قد انتهت، ولا عزاء للطلاب الموهوبين الذين يحتاجون إلى ما ينمي مواهبهم وقدراتهم، ولا عزاء أيضاً للمعلمين الذين يسعون لمساعدة هؤلاء الطلاب بشكل يرضي ضمائرهم!
وفي مقال ساخر لـ(Anne Lewis) بعنوان(A Horse Called NCLB)، حيث تصف من خلال مقالها وبأسلوب ساخر قانون (NCLB) بالحصان الجامح الذي يجري بأقصى سرعة نحو المنحدر!، وتقول إن هذا التشريع القانوني لا يعمل بالصورة الصحيحة، وأنه آن الأوان لمراجعته. فالطلاب يحتاجون (100) عام للوصول إلى مستوى (Proficiency Level)، وإن ما يمكن تحقيقه هو هدف الوصول بالطلاب إلى تحقيق المستويات الأساسية (Basic Level).
ومن جانب آخر يتساءل (Aldridge Jerry) في مقال له بمجلة (Childhood Education) هل يكفي (1) بليون لتغطية نفقات مشروع (NCLB) لجميع الولايات؟ ويجيب على هذا التساؤل بقوله: "إن كثيراً من الولايات أعلنت أنها تخسر ميزانية التعليم نتيجة لهذا القانون، وأن الفجوة تتسع نتيجة وقف الدعم للمدارس ذات المستوى الفاشل، وتحويل هذا الدعم للمدارس التي صنفت كمدارس متقدمة"، ويؤكد الكاتب أن كثيراً من الولايات قد أبدت اعتراضها على قانون (NCLB)، فمثلاً ولاية كونيكتكت (Connecticut) قد أبدت اعتراضها على القانون، ورفعت دعوى قضائية، إلا أن القضية ما تزال معلقة، رغم أن هذه الولاية تعد كثير من مدارسها من أوائل المدارس التي تحرز تقدماً في الاختبارات المعيارية السنوية، ويتساءل الكاتب (Aldridge) في نهاية المقال، حول دلالات الصدق والثبات للاختبارات المعيارية ومعايير (AYP) المعتمدة من قبل (NCLB)، وهل تلك البيانات (Data) بمنأى عن التلاعب الإحصائي؟؟.
ولتوضيح ما يقصده الكاتب (Aldridge)، فقد أشارت التقارير أن كثيراً من المدارس الحكومية ونتيجة للحيلولة دون الوقوع في فخ عقوبات (NCLB) وفقدانها الدعم الفيدرالي وفق هذا القانون، قد أخذت في التلاعب في بياناتها والإحصاءات المقدمة (إحصاءات تم تعديلها، ومعدلات انقطاع عن المدرسة لم يعلن عنها، وغش واضح). وظهر أكثر هذه الأمثلة جسامة في مدارس هيوستن الحكومية، والتي عرفت من قبل ولاية تكساس عام 2002 كأفضل مدارس الضواحي في أمريكا، وقد أطلق عليها الرئيس الأمريكي بوش بـ"معجزة تكساس" (Texas Miracle)، والمدير السابق لمدارس هيوستن (Rod Paige) هو الآن في منصب السكرتير الأول في وزارة التعليم الأمريكي، وهو نفسه الذي اتهم مؤسسة التعليم الوطني (NEA)بعد توليه المنصب الجديد بأنها إرهابية تجني مكاسب من معدلات التخرج!.
(5)
إن أغلب مقالات التربويين قد ركزت في انتقادها ليس لأهداف القانون، وإنما كان النقد موجهاً لآلية التطبيق واستراتيجياته، والتي اعتمدت على محكات الاختبارات ومعايير التصنيف فقط، فكان نتيجة ذلك اختزال لدور المدارس في التعليم، وتحديد مستويات عطائها من خلال درجات الطلاب في الاختبارات، لذلك فالتربويون يؤكدون أن (NCLB) يعمل وفق آلية غير علمية بهدف الوصول إلى الكفاءة في أداء الامتحان، وهو ما يحيد تقديم تعليم ذوي جودة عالية وشغف الطلاب نحو المعرفة والتعلم، فلا يملك المعلم الموهوب والمتميز ولو لهامش من الحرية والوقت ليعلم طلابه، بل العكس من ذلك يعمل وفق طريقة تدريس الامتحان (Teaching What is Tested)، وعليه فإن غالبية الأوساط التربوية في أميركا اليوم تطالب بإلغاء (NCLB act) أو البدء الفوري بتنقيح أساسي لهذا القانون.
وأخيراً، وليس آخراً، أجد أن هذه الانتقادات الموجهة والجدل الدائر بين الأوساط التربوية الأميركية حول قانون (NCLB) والذي اعتمد آلية تعليم هدفها النجاح بالامتحان، أقول وأزعم إن آلية التعليم العربية قد سبقتهم في تطبيق هذه الرؤية في التعليم منذ عشرات السنين، والعجيب أن هذه الآلية لم تلقَ نقداً لاذعاً من الأوساط التربوية العربية كما هو حاصل اليوم في الولايات الأمريكية إلا ماندر!!
إن طريقة تدريس وتعليم ما سوف يتم اختباره، قد لاقت مباركة من وزارات التعليم العربية عموما وفي بلادي على وجه الخصوص، ومثال ذلك ما تزخر به كثير من المجلات الاعلانية حول ما جدّ من اصدارات لنماذج الامتحانات تحت شعار بشرى سارة للطلبة وأولياء الأمور ، ومايزيد الطين بله قيام الكثير من مدارسنا اليوم بإعداد هذه النماذج والملخصات للطلاب وخدمة للمعرفة كما يزعمون!!
إن التعليم في وطننا العربي الكبير قد كان له السبق في تطبييق استراتيجيات هذا القانون الفيدرالي الامريكي، ويحق للمسئولين على انظمة التعليم العربية الشعور بنشوة النجاح والسبق في تطبيق فحوى هذا القانون التربوي الامريكي قبل الامريكيين انفسهم، حيث ارتبط التعليم لدينا ارتباطاً لا ينفك بهدف النجاح في أداء الامتحان فقط دون هدف اكتساب المعرفة ورعاية وتحفيز عقول ابناءنا للإبداع ومتعة التعلم، ومن الآثار الطريفة على ذلك أنه ومع اقتراب فترة الامتحانات النهائية، نجد أن الطفل وأسرته يصبحون في حالة استنفار لأداء الامتحان، ويشمل هذا الاستنفار جميع ارجاء المنزل والحارة والمدرسة والمنطقة التعليمية والوزارة، وأزعم أن هذا الاستنفار يعم جميع أقطار وطننا العربي الكبير من المحيط الى الخليج باستثناء قواتنا العربية المسلحة!