moalma
06-05-2007, 09:46 PM
هناك حيث البياض يشبه الكفن :
____________________________
____________________________
لا أدري مالذي كنتُ أنتظره ،
حينما أكد لي الطبيب يومها أن عليّ إجراء العملية ،
وكنتُ كلّ يوم أتصل بخالي / وكان يعمل في المستشفى
لأتأكد إن كانوا قد وجدوا سريراً يكفيني أم لا ..! .. طلبت مني والدتي يومها أن أوضب حقيبتي ، وضعتها على السرير ، ووقفت أتطلع إليها ، صغيرة .. ستذهب إلى المستشفى .. وقد لا تعود ..! مالذي قد توضبه ؟.! ،اتجهت إلى مكتبتي ..لا أدري لمَ حتى الآن .. أخذت معي رواية قرأتها من قبل !..مع أن مكتبتي لازال فيها روايات لم أقرأها بعد، أخذت " حرير صاخب " لرجاء نعمة ، وضعتها في الحقيبة، وقفت مذهولة مره أخرى…فتحت خزانة ملابسي…أخذت بعض الـ " بيجامات " ..وبعض الملابس التي قد أحتاجها…واخذت من دورة المياه فرشاة أسناني ..وضعت الحقيبة قرب سريري ، اسبوعاً كاملاً وأنا أعبر قربها كل يوم ! ..أنظر إليها .. وإلى الأشياء في داخلها ..
الخميس / ليلة الجمعة .. قررت قراءة " عمر الشيطان "..انتهيتها تلك الليلة…وضعتها على وسـادتي .. وغفوت ، ولأن الصداع أصبح في الفترة الأخيرة لا يُطاق ألمه .. كنت أنهض للصلاة فقط وأعود للنوم ، استيقظت لصلاة الظهر ..حينما انتهيت وجدتُ والدي قربي .. أمسك بيدي .. ثمّ وضع رأسي على صدره ..
- أين حقيبتك ؟
- الآن ؟
- ……..
-………. هاهي !
رغم أني أعلم ان هذا اليوم سيأتي … ولكني خفت كثيراً وكأني لم أتأهب له ! ، شعرت في تلك اللحظة أني لو أولد بعد ، وأنني في المخاض الآن !تذكرت أن صديقتي أخذت مني وعد أن أتصل بها قبل ذهابي….اتصلت واتصلت واتصلت…لم تجب ..خرجت…اتصلت هي وانا في الطريق …أخبرتها .. ثم أغلقت السماعة…لا أذكر الآن مالذي قالته حينها…ولا مالذي قلته أنا .!..وصلتُ إلى هناك، لأول مرّه أذهب .. لا لأزور أحدهم .. بس لأضطجع انا .! ..كان كل شيء بارداً ، حتى ملامح وجهي ، والدتي .. شعرت أنها خارج الوعي حينها لا تدري مالذي تفعله .. رتبت حقيبتي داخل الخزانة ، لم أستطع النوم ليلتها ضللتُ مستيقظة ..وأصوات النساء بقربي مزعجة ! ، أخبئ رأسي داخل الغطاء ..تقترب إحداهن إلى والدتي
- مابها ؟
- ورم في الراس .. كفاك ربي الشر
- إيش سببه ؟
- مو عارفين والله .. فجأة طلع !
تقترب مني .. وأنا مشغولة عنها في محاولة لطرد هذا الصداع اللعين الذي يفتكك عظام رأسي ..تمسح على رأسي .. تنظر إلى أمي
- صغيييرة ! .. كم عمرها ؟
- 18 سنة
- حرام .! بتسوي عملية
- بإذن الله
- خليك عن العمليات بس ! صدقيني هذي عين .. شوفي البنت ماشاءالله تبارك الرحمن صغيرة و…..
تمنيت حينها لو أنهض وأنهال عليها بكل شتائم العالم أن تبتعد !..فهمت من ملامح والدتي أن علينا الراحه .. وذهبت
الارسال في المستشفى كان ضعيف جداً .. كنت أحاول جاهدة كي تصل الرسائل !
لجأتُ إليه " بشاير " فجراً .. لم يكن بيدنا سوى رسائل الجوال
النّوم هنا مُرعب .. و رائحة المعقمّات تخترق الذّاكرة !
: ( ماذا يحدث هُناك ؟.! / طمنيني
لا شيء هنا ينبؤ بنومٍ قريب ! صوت الطنين مخيف ف ف ف و ضجيج / لا صوت له يُنذر بقيامة السّهر .!
العملية متى ؟
معلّقةٌ للغياب .. لا شيء محدّد حتى الآن …. ، البرودة ة ة ة هنا تختلس ما بين الجلد واللحم
والأرض بورٌ يا رفيقة ! الضوء ينام لكنه يتلصص من فواق ، لا بأس عليكِ .. سيجيئكِ بأنوار مزجاة … كفّ تتلمّس جبينكِ ، وتدعو .. و تدعو مشغولة بك…. /
جاهدت كي يصل رقم الغرفة إلى جميع من كانوا يطلبونه…طلبت مني الممرضة أي مسكن قد يجعلني انام ، فطلبت مني الانتظار قليلاً ..
قُرب صلاة الفجر..جاءت وبيدها " المغذي "..أدخلته في يدي اليمنى .. وأنا أنظر ببرود إليها ، ثمّ دسّت فيه المسكن .. وهدأت !
في الثامنة صباحاً استيقظت على ضجيج عاملات التنظيف كنتُ مضطجعة على جهتي اليسرى و فرشت يدي اليمنى على الوسـادة ، ضللتُ أنظر إلى يدي المهترئة تغيرت ملامحها ! .. كبرت 70 سنة !
كي أعيش / بنظرهم .. كان على ( المغذّي ) أن يخترق الوريد الأيمن .. ولكنّي أكتب بيديّ اليمنى .. كيف افعل ذلك .. ألا يكفيني البرد هُنا .! كيف سأكتب .!
من ناداني ؟.!
أنا هُنا
ماذا تريدين؟.
انزعي هذا الشّيء منّي
يؤلمكِ .!
كثيراً
يا دلّوعه !
حاولت / حاولت / حاولت الكتابة .. وارتجفَ القلم .. ، مرّ ذاك اليوم مثقلاً ،خفف عنه بعض الاتصالات من صديقاتي
منذُ أيّامٍ وأنا هُنا .. أشعر كأنّ العالم في الخارج توقّف .!
أنا التي لم أعتد نوم الضّجيج .. ولا الاضاءات .. لم يرميني هُنا وسط الحلم إلاّ التّعب ..
صباحاً .. جاء إليّ ( الجرّاح ) حينما دخل وقبل أن يلقي السّلام .. نظر إلى الطاولة أمامي
حرير صاخب .. رجاء نعمة … أوه .. تبدو الرواية جميلة لذلك أحضرتيها معكِ هُنا .. هل أعجبكِ قلم الكاتبة .!؟
لم أقرأ لها سوى هذه ..
كيف حالكِ الآن يا صغيرة ؟.!
بخير ..
أمتأكدة .!
أظنّ ذلك .. لمَ ؟.!
في كلّ التسجيلات لـ ( الضّغط ) .. لديكِ منخفضّ جداً .. عليكِ الاعتناء به ..
…… ( و المكان يساعد ؟.! )
سنحاول أن نجري لكِ العملية غداً صباحاً .. وإن لم نستطع .. فـ يوم الاثنين .. وإن لم نستطع كذلك .. لن يبقَ لنا سوى الثلاثاء .. بعدها سأكون في إجازة .. وعليكِ الانتظار حتى عودة الجرّاح الآخر من اجازته .. كم عمركِ ؟.!
18 سنة
من يرافقكِ ؟.!
ابنة عمّتي ..
سيأتي والدكِ اليوم ؟.!
نعم .. مساءً
دعيه يأتي إلى قسم الاستقبال أولاً ويوقّع
ولمَ لا أفعل ذلكَ أنا .!
…….
أظّنني كبيرة كفاية
حينما خرج .. اتصلت بآلاء ، احبّ احتواءها لتعبي .!
آلاء .. غداً .!
ستكونين بخير ..
آلاء .. صباحاً
ساكون معك !
جرّ أثقاله اليوم ، حتى جاء الليل
هدّول .. كيف أنتِ الآن؟؟
آلاء .. لا يعرفون النّوم هُنا .. آلاء .. ابقي بالقرب .. آلاء .. أأنتِ قريبة .!
للحدّ الذي أنقطع به عن النّاس كلّهم واتّصل بكِ
هناك ما ختنق في المحجر !
نامي .. عين الله ترعاكِ ..
لم تكن مرّه .. أو اثنتين .. ثلاث مرّات يعلّقون فيها الصّغيرة على أمل الألم .. ويتمّ التأجيل قبل الموعد بدقائق .!
في الليلة الأولى .. جاءني فيها صوت هند ( وطناً ) و هي تدعو .. وأنا أردّد .. حتّى انقطع صوتي ..! و أكملت هي تقرأ القرآن .. لأنام وفي قلبي برداً وسلاماً منها .. ربّما .. في ذلك الوقت .. كنت كالطّفل .. يحتاج إلى أكثر من لعبه كي يلهى عن جرح الحديقة .!
كانوا يأتون ليلاً ،يطلبون مني ارتداء ثيابهم ، ويمنعوني عن الطعام والشراب منذ الثانية عشر ليلاً ، وأنا أنتفض من البرد ! ..حتى الساعة التاسعة صباحاً .. يجرون أقدامهم معتذرين … أن تم تأجيل العملية ..! 3 أيام ..!
حتى ذلك الصباح / صباح الثلاثاء ..أيقظوني في التاسعة صباحاً ، لم أعي شيئاً حينها…طلبوا مني أن أغير الفراش بسرعة..أن أجلس على آخر متحرك
أدخلوا في يدي سائلاً شفافاً..وأنا اتلفت من حولي…للتو فقط استيقظت من النّوم !…نظرت إلى عمتي / وقد بقيت معي ليلتها…كانت خائفة و تحاول أن لا تظهر ذلك كي لا أشعر به !
خرجنا خارج الغرفة..إلى الممرات…والضجيج يعلو ويعلو…وانا داخل صومعة الدهشة…والضجيج يعلو….وانا داخل صومعة الدهشة…والسرير يمشي
أدخلوني إلى غرفة فارغة …جلستُ هناك قليلاً…ثوانٍ فقط…حتى أخذوني إلى غرفة العمليات..كنت أراها في التلفاز من قبل..ولم أتخيلها هكذا مخيفة !
التفت إلى الطبيبة قربي..ابتسمت لي .. مسحت على رأسي .. ودست المخدر في المغذي .. ووضعوا لي الاكسجين .. هذا آخر ماأذكره حينها ..!
استيقظت بعدها .. وجدتني في غرفة العناية المركزة …بلا صوت .. بلا حراك .. والاجهزة بي في كل مكان !
حاولت الالتفات..كان في وريد عنقي مغذي..وعلى كفي اليمنى..واليسرى…والاكسجين على وجهي…واللفافات على رأسي..والغرفة مضيئة بقوة
أغمضت عيني ..لم أتحمل الأضواء حينها، اقترب خالي مني..سمحوا له فقط بالدخول لأنه يعمل هُنا ، أمسكت بيده ، تشبثت بها .! كنت أحاول التحدث ولم أستطع..اقترب مني
الحمدلله ع السلامة
……. ( بلا صوت )
دخلتِ الساعة 9 الصباح والحين الساعة 5 العصر .. الحمدلله العملية نجحت : )
….. ( وبلا صوت أيضاً )
استطعت بصعوبة أن أُفهمه أني أرغب بمجئ والدي ووالدتي ، سمحوا لهم بعد أن تأكدوا أني استيقظت ، طلبت منهم اطفاء الاضواء لانها مزعجة جداً !
أطفؤوها..حينما وصل والدي …أمسكت به…وشرعت بالبكاء دون صوت ! …كان حاراً ..! …كان يحفر وجنتيّ!..نعم أذكر ذلك…أذكره تماماً..والدتي لم تستطع النظر إليّ..أمسك بها أخي الكبير وأخذها خارجاً كي لا تبكي امامي ، كنتُ أعي كل هذا دون أن يعلموا ..بعد قليل فقط خرجوا
بعد سبع ساعات تحت العملية .. أسوأ ثلاث أيّام عشتها في حياتي .. كانت في العناية المركزّة .. هناك .. حيث يجب عليك أن تمسك بيد - الآخر - حتى لأجل النّفس ..
و لوجود الأكسجين .. والمغذي على وريد عنقي .. لم يكن صوتي يصل تماماً ..
أذكر يوم الأربعاء زارني والدي مساءً امسكت بيده و قرّبته ..
كم تاريخ اليوم ؟
8 / هجري ..
أوه .. بقيَ عشرة أيّام .
عـ.. ؟
جماعة السّرد ..
أذكر يومها انه ابتسم لي وأمسك بيدي بقوّة فقط ..
كنتُ أعدّ الدقائق هُناك .. أنتظر موعد الزيارة .. الساعة الخامسة مساءً .. حينما يصلون والدي ووالدتي .. كنتُ أمسك بيدهم .. أتشبّث بها .. وأبكي .!.. ثمّ أنظر للساعة مرة أخرى ..أخشى أن تصل بسرعة إلى التاسعة
..أخشى أن تصل بسرعة إلى التاسعة والنصف .. وينصرفون !
لم أكن أحتمل الاضاءة حينها .. فكانت الغرفة مظلمة دائماً .. حينما استيقظ في العاشرة أجدهم خرجوا .. ولا يبقَ إلاّ أنا … و الظلام .. وصوت خالد القحطاني يصل قارئاً ما تيسّر من القرآن م نقناة المجد للقرآن الكريم ..
كانت الساعة كبيرة .. أمام سريري .. كنتُ أنظر إليها وأعدّ الدقائق والثواني ، وألعن العقارب لأنها تبدو بطيئة وتزدري بي !..أذكر مرة .. أنني شعرت بألم في معدتي..كنت أحاول الصراخ أطلب الممرضة ولم تسمعني ، أضرب بيدي على طرف السرير .. ولم تسمعني ، كانت بعيدة ، والألم يزداد ..حينها … تقيأت دماً .! وشعرت بالخدر في جسدي بعدها ..في هذه اللحظة عبرت أخرى قرب غرفتي ورأتني .. أسرعت لتنادي ممرضتي..جاءت ..تمنيت لو بقيت متسخة على أن تفعل ما فعلت بي .! ، جردتني من ثيابي .. وبدأت تغسل جسدي ..!
ياألله ..! انا التي أخجل حتى من أن أرى نفسي في المرآة عارية .. تنظر هي إليّ هكذا .. في أشد حالاتي ضعفاً ؟.!
أنا التي كنتُ أرفض أن تراني والدتي حتى في ملابسي الداخلية .. هذه تنظر إليّ ؟.!
هي تغسل .. وأنا أبكي ..! ..وأمسك بطرف اللحاف بقوّة من شدّة الـ " قهر " ..!
ولازلتُ أذكر كل الأصوات في قناة المجد للقرآن…كلها التي كلما سمعتها الآن .. ارتعش جسدي .! كان والدي كلّما زارني .. يفتح التلفاز ويضعها
وأنا أمسك بيده ويد والدتي ..أخشى أن يخرجوا ، ولأنني لم أنم الفجر ..أغفو دون وعي..أتذكر أن الساعة كانت العاشرة ، أستيقظ في العاشرة وعشر دقائق..ولا أجدهم ! ..خرجت بعدها إلى غرفة عادية
3 أيام .. ثمّ إلى المنزل
بعدما خرجتُ .. حينما أعبر في السيارة قرب أيّ مستشفى .. أصبحت أدرك مالذي يحدث خلف هذه الجدارن .!
كأنّي أعيش معهم حتى ينتهي السّور .. و نبتعد عنه ..
ربّما .. لا ندرك كيف هوَ خيط البياض حينما يلتحفنا كالكفن .. إلاّ حينما نشتمّ رائحته .!
الكاتبة / هديل ناصر العبدان
____________________________
____________________________
لا أدري مالذي كنتُ أنتظره ،
حينما أكد لي الطبيب يومها أن عليّ إجراء العملية ،
وكنتُ كلّ يوم أتصل بخالي / وكان يعمل في المستشفى
لأتأكد إن كانوا قد وجدوا سريراً يكفيني أم لا ..! .. طلبت مني والدتي يومها أن أوضب حقيبتي ، وضعتها على السرير ، ووقفت أتطلع إليها ، صغيرة .. ستذهب إلى المستشفى .. وقد لا تعود ..! مالذي قد توضبه ؟.! ،اتجهت إلى مكتبتي ..لا أدري لمَ حتى الآن .. أخذت معي رواية قرأتها من قبل !..مع أن مكتبتي لازال فيها روايات لم أقرأها بعد، أخذت " حرير صاخب " لرجاء نعمة ، وضعتها في الحقيبة، وقفت مذهولة مره أخرى…فتحت خزانة ملابسي…أخذت بعض الـ " بيجامات " ..وبعض الملابس التي قد أحتاجها…واخذت من دورة المياه فرشاة أسناني ..وضعت الحقيبة قرب سريري ، اسبوعاً كاملاً وأنا أعبر قربها كل يوم ! ..أنظر إليها .. وإلى الأشياء في داخلها ..
الخميس / ليلة الجمعة .. قررت قراءة " عمر الشيطان "..انتهيتها تلك الليلة…وضعتها على وسـادتي .. وغفوت ، ولأن الصداع أصبح في الفترة الأخيرة لا يُطاق ألمه .. كنت أنهض للصلاة فقط وأعود للنوم ، استيقظت لصلاة الظهر ..حينما انتهيت وجدتُ والدي قربي .. أمسك بيدي .. ثمّ وضع رأسي على صدره ..
- أين حقيبتك ؟
- الآن ؟
- ……..
-………. هاهي !
رغم أني أعلم ان هذا اليوم سيأتي … ولكني خفت كثيراً وكأني لم أتأهب له ! ، شعرت في تلك اللحظة أني لو أولد بعد ، وأنني في المخاض الآن !تذكرت أن صديقتي أخذت مني وعد أن أتصل بها قبل ذهابي….اتصلت واتصلت واتصلت…لم تجب ..خرجت…اتصلت هي وانا في الطريق …أخبرتها .. ثم أغلقت السماعة…لا أذكر الآن مالذي قالته حينها…ولا مالذي قلته أنا .!..وصلتُ إلى هناك، لأول مرّه أذهب .. لا لأزور أحدهم .. بس لأضطجع انا .! ..كان كل شيء بارداً ، حتى ملامح وجهي ، والدتي .. شعرت أنها خارج الوعي حينها لا تدري مالذي تفعله .. رتبت حقيبتي داخل الخزانة ، لم أستطع النوم ليلتها ضللتُ مستيقظة ..وأصوات النساء بقربي مزعجة ! ، أخبئ رأسي داخل الغطاء ..تقترب إحداهن إلى والدتي
- مابها ؟
- ورم في الراس .. كفاك ربي الشر
- إيش سببه ؟
- مو عارفين والله .. فجأة طلع !
تقترب مني .. وأنا مشغولة عنها في محاولة لطرد هذا الصداع اللعين الذي يفتكك عظام رأسي ..تمسح على رأسي .. تنظر إلى أمي
- صغيييرة ! .. كم عمرها ؟
- 18 سنة
- حرام .! بتسوي عملية
- بإذن الله
- خليك عن العمليات بس ! صدقيني هذي عين .. شوفي البنت ماشاءالله تبارك الرحمن صغيرة و…..
تمنيت حينها لو أنهض وأنهال عليها بكل شتائم العالم أن تبتعد !..فهمت من ملامح والدتي أن علينا الراحه .. وذهبت
الارسال في المستشفى كان ضعيف جداً .. كنت أحاول جاهدة كي تصل الرسائل !
لجأتُ إليه " بشاير " فجراً .. لم يكن بيدنا سوى رسائل الجوال
النّوم هنا مُرعب .. و رائحة المعقمّات تخترق الذّاكرة !
: ( ماذا يحدث هُناك ؟.! / طمنيني
لا شيء هنا ينبؤ بنومٍ قريب ! صوت الطنين مخيف ف ف ف و ضجيج / لا صوت له يُنذر بقيامة السّهر .!
العملية متى ؟
معلّقةٌ للغياب .. لا شيء محدّد حتى الآن …. ، البرودة ة ة ة هنا تختلس ما بين الجلد واللحم
والأرض بورٌ يا رفيقة ! الضوء ينام لكنه يتلصص من فواق ، لا بأس عليكِ .. سيجيئكِ بأنوار مزجاة … كفّ تتلمّس جبينكِ ، وتدعو .. و تدعو مشغولة بك…. /
جاهدت كي يصل رقم الغرفة إلى جميع من كانوا يطلبونه…طلبت مني الممرضة أي مسكن قد يجعلني انام ، فطلبت مني الانتظار قليلاً ..
قُرب صلاة الفجر..جاءت وبيدها " المغذي "..أدخلته في يدي اليمنى .. وأنا أنظر ببرود إليها ، ثمّ دسّت فيه المسكن .. وهدأت !
في الثامنة صباحاً استيقظت على ضجيج عاملات التنظيف كنتُ مضطجعة على جهتي اليسرى و فرشت يدي اليمنى على الوسـادة ، ضللتُ أنظر إلى يدي المهترئة تغيرت ملامحها ! .. كبرت 70 سنة !
كي أعيش / بنظرهم .. كان على ( المغذّي ) أن يخترق الوريد الأيمن .. ولكنّي أكتب بيديّ اليمنى .. كيف افعل ذلك .. ألا يكفيني البرد هُنا .! كيف سأكتب .!
من ناداني ؟.!
أنا هُنا
ماذا تريدين؟.
انزعي هذا الشّيء منّي
يؤلمكِ .!
كثيراً
يا دلّوعه !
حاولت / حاولت / حاولت الكتابة .. وارتجفَ القلم .. ، مرّ ذاك اليوم مثقلاً ،خفف عنه بعض الاتصالات من صديقاتي
منذُ أيّامٍ وأنا هُنا .. أشعر كأنّ العالم في الخارج توقّف .!
أنا التي لم أعتد نوم الضّجيج .. ولا الاضاءات .. لم يرميني هُنا وسط الحلم إلاّ التّعب ..
صباحاً .. جاء إليّ ( الجرّاح ) حينما دخل وقبل أن يلقي السّلام .. نظر إلى الطاولة أمامي
حرير صاخب .. رجاء نعمة … أوه .. تبدو الرواية جميلة لذلك أحضرتيها معكِ هُنا .. هل أعجبكِ قلم الكاتبة .!؟
لم أقرأ لها سوى هذه ..
كيف حالكِ الآن يا صغيرة ؟.!
بخير ..
أمتأكدة .!
أظنّ ذلك .. لمَ ؟.!
في كلّ التسجيلات لـ ( الضّغط ) .. لديكِ منخفضّ جداً .. عليكِ الاعتناء به ..
…… ( و المكان يساعد ؟.! )
سنحاول أن نجري لكِ العملية غداً صباحاً .. وإن لم نستطع .. فـ يوم الاثنين .. وإن لم نستطع كذلك .. لن يبقَ لنا سوى الثلاثاء .. بعدها سأكون في إجازة .. وعليكِ الانتظار حتى عودة الجرّاح الآخر من اجازته .. كم عمركِ ؟.!
18 سنة
من يرافقكِ ؟.!
ابنة عمّتي ..
سيأتي والدكِ اليوم ؟.!
نعم .. مساءً
دعيه يأتي إلى قسم الاستقبال أولاً ويوقّع
ولمَ لا أفعل ذلكَ أنا .!
…….
أظّنني كبيرة كفاية
حينما خرج .. اتصلت بآلاء ، احبّ احتواءها لتعبي .!
آلاء .. غداً .!
ستكونين بخير ..
آلاء .. صباحاً
ساكون معك !
جرّ أثقاله اليوم ، حتى جاء الليل
هدّول .. كيف أنتِ الآن؟؟
آلاء .. لا يعرفون النّوم هُنا .. آلاء .. ابقي بالقرب .. آلاء .. أأنتِ قريبة .!
للحدّ الذي أنقطع به عن النّاس كلّهم واتّصل بكِ
هناك ما ختنق في المحجر !
نامي .. عين الله ترعاكِ ..
لم تكن مرّه .. أو اثنتين .. ثلاث مرّات يعلّقون فيها الصّغيرة على أمل الألم .. ويتمّ التأجيل قبل الموعد بدقائق .!
في الليلة الأولى .. جاءني فيها صوت هند ( وطناً ) و هي تدعو .. وأنا أردّد .. حتّى انقطع صوتي ..! و أكملت هي تقرأ القرآن .. لأنام وفي قلبي برداً وسلاماً منها .. ربّما .. في ذلك الوقت .. كنت كالطّفل .. يحتاج إلى أكثر من لعبه كي يلهى عن جرح الحديقة .!
كانوا يأتون ليلاً ،يطلبون مني ارتداء ثيابهم ، ويمنعوني عن الطعام والشراب منذ الثانية عشر ليلاً ، وأنا أنتفض من البرد ! ..حتى الساعة التاسعة صباحاً .. يجرون أقدامهم معتذرين … أن تم تأجيل العملية ..! 3 أيام ..!
حتى ذلك الصباح / صباح الثلاثاء ..أيقظوني في التاسعة صباحاً ، لم أعي شيئاً حينها…طلبوا مني أن أغير الفراش بسرعة..أن أجلس على آخر متحرك
أدخلوا في يدي سائلاً شفافاً..وأنا اتلفت من حولي…للتو فقط استيقظت من النّوم !…نظرت إلى عمتي / وقد بقيت معي ليلتها…كانت خائفة و تحاول أن لا تظهر ذلك كي لا أشعر به !
خرجنا خارج الغرفة..إلى الممرات…والضجيج يعلو ويعلو…وانا داخل صومعة الدهشة…والضجيج يعلو….وانا داخل صومعة الدهشة…والسرير يمشي
أدخلوني إلى غرفة فارغة …جلستُ هناك قليلاً…ثوانٍ فقط…حتى أخذوني إلى غرفة العمليات..كنت أراها في التلفاز من قبل..ولم أتخيلها هكذا مخيفة !
التفت إلى الطبيبة قربي..ابتسمت لي .. مسحت على رأسي .. ودست المخدر في المغذي .. ووضعوا لي الاكسجين .. هذا آخر ماأذكره حينها ..!
استيقظت بعدها .. وجدتني في غرفة العناية المركزة …بلا صوت .. بلا حراك .. والاجهزة بي في كل مكان !
حاولت الالتفات..كان في وريد عنقي مغذي..وعلى كفي اليمنى..واليسرى…والاكسجين على وجهي…واللفافات على رأسي..والغرفة مضيئة بقوة
أغمضت عيني ..لم أتحمل الأضواء حينها، اقترب خالي مني..سمحوا له فقط بالدخول لأنه يعمل هُنا ، أمسكت بيده ، تشبثت بها .! كنت أحاول التحدث ولم أستطع..اقترب مني
الحمدلله ع السلامة
……. ( بلا صوت )
دخلتِ الساعة 9 الصباح والحين الساعة 5 العصر .. الحمدلله العملية نجحت : )
….. ( وبلا صوت أيضاً )
استطعت بصعوبة أن أُفهمه أني أرغب بمجئ والدي ووالدتي ، سمحوا لهم بعد أن تأكدوا أني استيقظت ، طلبت منهم اطفاء الاضواء لانها مزعجة جداً !
أطفؤوها..حينما وصل والدي …أمسكت به…وشرعت بالبكاء دون صوت ! …كان حاراً ..! …كان يحفر وجنتيّ!..نعم أذكر ذلك…أذكره تماماً..والدتي لم تستطع النظر إليّ..أمسك بها أخي الكبير وأخذها خارجاً كي لا تبكي امامي ، كنتُ أعي كل هذا دون أن يعلموا ..بعد قليل فقط خرجوا
بعد سبع ساعات تحت العملية .. أسوأ ثلاث أيّام عشتها في حياتي .. كانت في العناية المركزّة .. هناك .. حيث يجب عليك أن تمسك بيد - الآخر - حتى لأجل النّفس ..
و لوجود الأكسجين .. والمغذي على وريد عنقي .. لم يكن صوتي يصل تماماً ..
أذكر يوم الأربعاء زارني والدي مساءً امسكت بيده و قرّبته ..
كم تاريخ اليوم ؟
8 / هجري ..
أوه .. بقيَ عشرة أيّام .
عـ.. ؟
جماعة السّرد ..
أذكر يومها انه ابتسم لي وأمسك بيدي بقوّة فقط ..
كنتُ أعدّ الدقائق هُناك .. أنتظر موعد الزيارة .. الساعة الخامسة مساءً .. حينما يصلون والدي ووالدتي .. كنتُ أمسك بيدهم .. أتشبّث بها .. وأبكي .!.. ثمّ أنظر للساعة مرة أخرى ..أخشى أن تصل بسرعة إلى التاسعة
..أخشى أن تصل بسرعة إلى التاسعة والنصف .. وينصرفون !
لم أكن أحتمل الاضاءة حينها .. فكانت الغرفة مظلمة دائماً .. حينما استيقظ في العاشرة أجدهم خرجوا .. ولا يبقَ إلاّ أنا … و الظلام .. وصوت خالد القحطاني يصل قارئاً ما تيسّر من القرآن م نقناة المجد للقرآن الكريم ..
كانت الساعة كبيرة .. أمام سريري .. كنتُ أنظر إليها وأعدّ الدقائق والثواني ، وألعن العقارب لأنها تبدو بطيئة وتزدري بي !..أذكر مرة .. أنني شعرت بألم في معدتي..كنت أحاول الصراخ أطلب الممرضة ولم تسمعني ، أضرب بيدي على طرف السرير .. ولم تسمعني ، كانت بعيدة ، والألم يزداد ..حينها … تقيأت دماً .! وشعرت بالخدر في جسدي بعدها ..في هذه اللحظة عبرت أخرى قرب غرفتي ورأتني .. أسرعت لتنادي ممرضتي..جاءت ..تمنيت لو بقيت متسخة على أن تفعل ما فعلت بي .! ، جردتني من ثيابي .. وبدأت تغسل جسدي ..!
ياألله ..! انا التي أخجل حتى من أن أرى نفسي في المرآة عارية .. تنظر هي إليّ هكذا .. في أشد حالاتي ضعفاً ؟.!
أنا التي كنتُ أرفض أن تراني والدتي حتى في ملابسي الداخلية .. هذه تنظر إليّ ؟.!
هي تغسل .. وأنا أبكي ..! ..وأمسك بطرف اللحاف بقوّة من شدّة الـ " قهر " ..!
ولازلتُ أذكر كل الأصوات في قناة المجد للقرآن…كلها التي كلما سمعتها الآن .. ارتعش جسدي .! كان والدي كلّما زارني .. يفتح التلفاز ويضعها
وأنا أمسك بيده ويد والدتي ..أخشى أن يخرجوا ، ولأنني لم أنم الفجر ..أغفو دون وعي..أتذكر أن الساعة كانت العاشرة ، أستيقظ في العاشرة وعشر دقائق..ولا أجدهم ! ..خرجت بعدها إلى غرفة عادية
3 أيام .. ثمّ إلى المنزل
بعدما خرجتُ .. حينما أعبر في السيارة قرب أيّ مستشفى .. أصبحت أدرك مالذي يحدث خلف هذه الجدارن .!
كأنّي أعيش معهم حتى ينتهي السّور .. و نبتعد عنه ..
ربّما .. لا ندرك كيف هوَ خيط البياض حينما يلتحفنا كالكفن .. إلاّ حينما نشتمّ رائحته .!
الكاتبة / هديل ناصر العبدان