زين العابدين
08-29-2008, 11:32 PM
رَغِمَ أنفُ رجل دخل عليه رمضان
ثم انسلخ قبل أن يغفر له
زياد أبو رجائي
أتاكم رمضان . شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم (1) .
لقد اختار سبحانه من الشهور شهر رمضان ففضله على سائر الشهور، واختار منه ليلة القدر ففضلها على سائر الليالي . وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ؛ وهو في اللغة: الإمساك وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة وكان فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة هو والزكاة قبل بدر ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع كفر من جحد فرضيته ؛ قال النووي رحمه الله (676هـ): (( وكذلك الأمر في كلِّ من أنكر شيئاً مِمَّا أجمعت الأمة عليه من أمور الدِّين، إذا كان علمه منتشراً كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم، ونحوها من الأحكام، إلاَّ أن يكون رجلاً حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده، فإذا أنكر شيئاً منها جهلاً به لم يكفر )). شرح صحيح مسلم (1/205).
ورمضان هو : الشهر التاسع من أشهر السنة الهجرية .
إن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمى بذلك لشدة الحرِّ الذي كان يكون فيه، يقال : حتى تَرْمَض فيه الفِصَال، ( والفصال: جمع فصيل : وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه . ورمض الفصال : أن تحترق الرمضاء -وهو الرمل- فتبرك الفصال من شدة حرها ، وإحراقها أخفافها وفراسنها . ورمضت قدمه من الرمضاء : احترقت .)
وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات وفرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينا ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم ، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان ، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور .
وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة )). وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين ))
وخص شهر رمضان بالصيام لما اقترن به من مزايا أفضلها نزول القرآن
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، والله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ))(2) . وتصفيد الشياطين اختلف اهل العلم في معناه فمنهم من أجراه على ظاهره - كما نقله الحافظ ابن حجر عن عياض رخمهما الله : قال عياض يحتمل : - أنه على ظاهره وحقيقته ، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين . ومن اهل العلم من فسره :
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( وما ذاك إلا أنه في شهر رمضان تنبعث القلوب إلى الخير والأعمال الصالحة التي بها وبسببها تفتح أبواب الجنة ، ويمتنع من الشرور التي بها تفتح أبواب النار ، وتصفد الشياطين ، فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعملونه في الإفطار ؛ فإن المصفد : هو المقيد ؛ إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات ، فإذا كفوا عن الشهوات ؛ صفدت الشياطين ) ( التفسير الكبير – 3 / 132 ) 0
- أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليـه في غيره ، لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر 0
-
قال الحافظ بن حجر في الفتح : قال القرطبي : ( فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك ؟ فالجواب :
- أنها تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه 0
- أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات 0
- أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره 0
إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية ، لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية ) ( فتح الباري – 4 / 114 ) 0
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه (3).
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه ، رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، فجعل عمر -رضي الله عنه-يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه....ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله ...... الحديث ))(4).
ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له (5)
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل-عليه السلام- يلقاه كل ليل في رمضان حتى ينسخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة )) متفق عليه (6).
فإعانة الفقراء بالإطعام في شهر رمضان هو من سنن الإسلام ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من فطر صائما فله مثل أجره " ، وإعطاء فقراء القراء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح في كل وقت ، ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم في الأجر " .
وحديث أبي أمامة قال : « أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة .
قال : « عليك بالصوم ، فإنه لا عدل له » . ثم أتيته ثانية فقال : « عليك بالصوم لا مثل له ».
فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف (7)
وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوم جنة (8)
وعن سعيد بن أبي هند أن مطرفا رجلا من بني عامر بن صعصعة حدثه أن عثمان بن أبي العاص دعا له بلبن ليسقيه فقال مطرف إني صائم فقال عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال .(9)
وعن سهل ابن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصائمين باب في الجنة يقال له الريان لا يدخل فيه أحد غيرهم فإذا دخل آخرهم أغلق من دخل فيه شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا (10)
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر الخير
كان صلى الله عليه وسلم يعَجِّل الفطر، ويحث عليه، ويتسحر ويحث عليه، ويؤخره ويرغب في تأخيره.
وكان يفطر قبل أن يُصلي، وكان فطره على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها، فعلى تمرات، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء.
وكان يقول إذا أفطر: « ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى » [صحيح أبي داود].
وكان من هديه في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان.
وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف.
وكان يخصه من العبادات بما لا يخص به غيره، حتى إنه ليواصل فيه أحيانًا، وكان ينهي أصحابه عن الوصال، وأذن فيه إلى السحر.
وكان يستاك وهو صائم، ويتمضمض ويستنشق وهو صائم، وكان يصب على رأسه الماء وهو صائم.
ورخص للمريض والمسافر أن يفطر ويقضيا، والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، قال ابن القيم: وإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم. وهذا روي عن ابن عمر وابن عباس وهو قول الشافعي وأحمد.
ولنا في السلف الصالح أسوة :
كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن ، و كان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين
وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة وفي كل شهر ثلاثين ختمة
وكان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر
و كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة
وجاء في الترهيب عن الفطر في رمضان استهتارا ولغير عذر ، في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة وصوم رمضان » .
وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه » . رواه أبو داود وغيره . ذلك لأن رمضان ليس له مثيل في فضله وشرفه ومزاياه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/230) . ورواه النسائي (4/129) كتاب الصيام ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2 /98)
(2) رواه الترمذي في سننه (2/95، 96) ، أبواب الصوم حديث رقم (677) . وقال : حديث غريب .ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/188)أبواب فضائل شهر رمضان ، حديث رقم (1883) .ورواه ابن ماجه في سننه (1/526) كتاب الصوم ، رقم الحديث (1642) ، ورواه الحاكم في المستدرك ( 1/421) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وقال الذهبي في تلخيصه : لم يخرجاه بهذه السياقة .
(3) رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/115) ، كتاب الصوم ، حديث رقم (1901) .ورواه مسلم في صحيحه (1/524،523) ، كتاب صلاة المسافرين ، حديث رقم (760) .
(4) رواه أحمد في مسنده ( 5/297) . ورواه مسلم في صحيحه (3/818، 819) كتاب الصيام ، حديث رقم (1162) . ورواه أبو داود في سننه (3/ 807، 808) كتاب الصوم ، حديث رقم ( 2425) . ورواه النسائي في سننه (4/209)كتاب الصيام ، باب صوم ثلثي الدهر ..ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 301) كتاب الصيام، حديث رقم (2126) ، مختصراً.
(5) رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/ 254) . ورواه الترمذي في سننه (5/210) أبواب الدعوات ، حديث رقم (3613) . وقال : حديث حسن غريب ، واللفظ له . ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/192، 193) حديث رقم (1888) .ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 153، 154) كتاب البر والصلة ، عن كعب بن عجرة بلفظ آخر ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه .
(6) رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري(4/116) كتاب الصوم، حديث رقم (1902).ورواه مسلم في صحيحه(2/1803) كتاب الفضائل، حديث رقم(2308)
(7) صحيح الترغيب والترهيب : قال الألباني : صحيح 986
(8) صحيح الجامع ( 3865 )
(9) صحيح ابن ماجة ( 1639 )
(10) صحيح سنن النسائي 2236
. . .
www.almenhaj.net
ثم انسلخ قبل أن يغفر له
زياد أبو رجائي
أتاكم رمضان . شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم (1) .
لقد اختار سبحانه من الشهور شهر رمضان ففضله على سائر الشهور، واختار منه ليلة القدر ففضلها على سائر الليالي . وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ؛ وهو في اللغة: الإمساك وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة وكان فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة هو والزكاة قبل بدر ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع كفر من جحد فرضيته ؛ قال النووي رحمه الله (676هـ): (( وكذلك الأمر في كلِّ من أنكر شيئاً مِمَّا أجمعت الأمة عليه من أمور الدِّين، إذا كان علمه منتشراً كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم، ونحوها من الأحكام، إلاَّ أن يكون رجلاً حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده، فإذا أنكر شيئاً منها جهلاً به لم يكفر )). شرح صحيح مسلم (1/205).
ورمضان هو : الشهر التاسع من أشهر السنة الهجرية .
إن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمى بذلك لشدة الحرِّ الذي كان يكون فيه، يقال : حتى تَرْمَض فيه الفِصَال، ( والفصال: جمع فصيل : وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه . ورمض الفصال : أن تحترق الرمضاء -وهو الرمل- فتبرك الفصال من شدة حرها ، وإحراقها أخفافها وفراسنها . ورمضت قدمه من الرمضاء : احترقت .)
وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات وفرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينا ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم ، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان ، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور .
وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة )). وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين ))
وخص شهر رمضان بالصيام لما اقترن به من مزايا أفضلها نزول القرآن
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، والله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ))(2) . وتصفيد الشياطين اختلف اهل العلم في معناه فمنهم من أجراه على ظاهره - كما نقله الحافظ ابن حجر عن عياض رخمهما الله : قال عياض يحتمل : - أنه على ظاهره وحقيقته ، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين . ومن اهل العلم من فسره :
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( وما ذاك إلا أنه في شهر رمضان تنبعث القلوب إلى الخير والأعمال الصالحة التي بها وبسببها تفتح أبواب الجنة ، ويمتنع من الشرور التي بها تفتح أبواب النار ، وتصفد الشياطين ، فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعملونه في الإفطار ؛ فإن المصفد : هو المقيد ؛ إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات ، فإذا كفوا عن الشهوات ؛ صفدت الشياطين ) ( التفسير الكبير – 3 / 132 ) 0
- أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليـه في غيره ، لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر 0
-
قال الحافظ بن حجر في الفتح : قال القرطبي : ( فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك ؟ فالجواب :
- أنها تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه 0
- أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات 0
- أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره 0
إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية ، لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية ) ( فتح الباري – 4 / 114 ) 0
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه (3).
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه ، رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، فجعل عمر -رضي الله عنه-يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه....ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله ...... الحديث ))(4).
ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له (5)
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل-عليه السلام- يلقاه كل ليل في رمضان حتى ينسخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة )) متفق عليه (6).
فإعانة الفقراء بالإطعام في شهر رمضان هو من سنن الإسلام ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من فطر صائما فله مثل أجره " ، وإعطاء فقراء القراء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح في كل وقت ، ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم في الأجر " .
وحديث أبي أمامة قال : « أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة .
قال : « عليك بالصوم ، فإنه لا عدل له » . ثم أتيته ثانية فقال : « عليك بالصوم لا مثل له ».
فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف (7)
وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوم جنة (8)
وعن سعيد بن أبي هند أن مطرفا رجلا من بني عامر بن صعصعة حدثه أن عثمان بن أبي العاص دعا له بلبن ليسقيه فقال مطرف إني صائم فقال عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال .(9)
وعن سهل ابن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصائمين باب في الجنة يقال له الريان لا يدخل فيه أحد غيرهم فإذا دخل آخرهم أغلق من دخل فيه شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا (10)
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر الخير
كان صلى الله عليه وسلم يعَجِّل الفطر، ويحث عليه، ويتسحر ويحث عليه، ويؤخره ويرغب في تأخيره.
وكان يفطر قبل أن يُصلي، وكان فطره على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها، فعلى تمرات، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء.
وكان يقول إذا أفطر: « ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى » [صحيح أبي داود].
وكان من هديه في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان.
وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف.
وكان يخصه من العبادات بما لا يخص به غيره، حتى إنه ليواصل فيه أحيانًا، وكان ينهي أصحابه عن الوصال، وأذن فيه إلى السحر.
وكان يستاك وهو صائم، ويتمضمض ويستنشق وهو صائم، وكان يصب على رأسه الماء وهو صائم.
ورخص للمريض والمسافر أن يفطر ويقضيا، والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، قال ابن القيم: وإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم. وهذا روي عن ابن عمر وابن عباس وهو قول الشافعي وأحمد.
ولنا في السلف الصالح أسوة :
كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن ، و كان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين
وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة وفي كل شهر ثلاثين ختمة
وكان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر
و كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة
وجاء في الترهيب عن الفطر في رمضان استهتارا ولغير عذر ، في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة وصوم رمضان » .
وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه » . رواه أبو داود وغيره . ذلك لأن رمضان ليس له مثيل في فضله وشرفه ومزاياه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/230) . ورواه النسائي (4/129) كتاب الصيام ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2 /98)
(2) رواه الترمذي في سننه (2/95، 96) ، أبواب الصوم حديث رقم (677) . وقال : حديث غريب .ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/188)أبواب فضائل شهر رمضان ، حديث رقم (1883) .ورواه ابن ماجه في سننه (1/526) كتاب الصوم ، رقم الحديث (1642) ، ورواه الحاكم في المستدرك ( 1/421) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وقال الذهبي في تلخيصه : لم يخرجاه بهذه السياقة .
(3) رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/115) ، كتاب الصوم ، حديث رقم (1901) .ورواه مسلم في صحيحه (1/524،523) ، كتاب صلاة المسافرين ، حديث رقم (760) .
(4) رواه أحمد في مسنده ( 5/297) . ورواه مسلم في صحيحه (3/818، 819) كتاب الصيام ، حديث رقم (1162) . ورواه أبو داود في سننه (3/ 807، 808) كتاب الصوم ، حديث رقم ( 2425) . ورواه النسائي في سننه (4/209)كتاب الصيام ، باب صوم ثلثي الدهر ..ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 301) كتاب الصيام، حديث رقم (2126) ، مختصراً.
(5) رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/ 254) . ورواه الترمذي في سننه (5/210) أبواب الدعوات ، حديث رقم (3613) . وقال : حديث حسن غريب ، واللفظ له . ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/192، 193) حديث رقم (1888) .ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 153، 154) كتاب البر والصلة ، عن كعب بن عجرة بلفظ آخر ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه .
(6) رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري(4/116) كتاب الصوم، حديث رقم (1902).ورواه مسلم في صحيحه(2/1803) كتاب الفضائل، حديث رقم(2308)
(7) صحيح الترغيب والترهيب : قال الألباني : صحيح 986
(8) صحيح الجامع ( 3865 )
(9) صحيح ابن ماجة ( 1639 )
(10) صحيح سنن النسائي 2236
. . .
www.almenhaj.net