المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلفيّة منهاج المسلم



السعيد شيخ
08-21-2008, 04:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم





السلفية
L’Ancestralisme





اللغة : ( سلف ) مضى وانقضى ، و ( السلف ) الآباء والأجداد .
والسلفية : مصدر صناعي أخذ من كلمة السلف ، ومعنى هذا المصطلح - بعامة - حبّ جيل اليوم والأجيال الآتية الآباءَ والأجداد الذين سبقــــــوا في هذه الحياة الدنيا ، وكذلك الاعتزاز بما كانوا يؤمنـون به وبأعمالهم ومواقفهم ، والتمسك بفكرٍ آمنوا به من قبــــل و عاداتٍ التزموا بها في حياتهم ، وسلوكٍ ساروا عليه في تصرفاتهم .
والسلفية في الاصطلاح الشرعي الإسلامي : السير على منهاج السلف الصالح ، وبالأخص الصحابة الكرام في العقيدة والعبادات والمعاملات .
ومن العسير أن يكون المسلم صادقاً في إيمانه إذا لم يأخذ بهذا المبدأ، ولكن هيهات أن نسمع اليوم صوت رسولنا – صلى الله عليه وسلّم - ( حاشا الرؤيا الصادقة ) ، أو أن نتعرف بالبصر أو بالسمع على التطبيق الإسلامي الحيّ لهذه النماذج البشرية .
والقضية تتكرر مع الصحابة ، فقد تعرفنا عليهم من طريق التابعين ، وعلينا أن نتابع سلسلة التابعين إلى يومنا هذا . وإذا تكوّنت مذاهب عديدة - بقي منها عدد قليل لظروف لا حاجة لتفصيلها هنا - فالمطلوب منا أن ندرس هذه المذاهب كلها ، ونطّلع على آرائهم الفكرية أولا – لا قصد التحجّر عليها – بل للوصول إلى ذلك الماضي البعيد ، وبعد الإلمام التام بهذه المذاهب – والإلمام لغة العلم المكين - والوصول عبرها إلى مذاهب الصحابة – والمذهب يعني الرأي - يستطيع العلماء بعد البحث والتحقيق – وفق الأصول العلمية المعروفة - الوصول إلى أصول العقيدة وأحكام العبادات والمعاملات والواجب والحرام والمكروه والمستحبّ والبدعة المحرمة شرعاً وما يجوز لنا الأخذ به من جديد العصر .
فالمسلم الصادق سلفيّ لا محالة ، ولو أخذنا بهذا الفهم ما كان خلاف ، ولا كان لدينا تياران متناحران . بيد أن المشكلة فيما وراء ذلك ، عندما نخرج من هذا النطاق العام إلى التمسك بما وصل إليه الاجتهاد في فروع الأحكام ، أو يتحكم الاختلاف في بعض الأصول المطلوبة للاجتهاد ، وتخريج الأحاديث وما يتبعها من درس للسند والمتن .... أو الجهل بها كلها أو بعضها ، والأنكى من هذا أن يتحكم ( التعصب ) لرأي في الجدل العلميّ ، وكثيرا ما نجد الخلاف اللفظي متحكما في الجدل ، فتعمى البصائر عن الحقائق .
والسلفية ( بالمعنى الأخصّ ) : من هذا الخلاف أطلق قوم على أ نفسهم هذا اللفظ ، بدءا بالشيخ ( محمد بن عبد الوهاب ) – رحمه الله - الذي انطلقت دعوته في الجزيرة العربية ، وامتدت بعض الامتداد إلى العراق والشام ، والمغرب العربي – وإن مسخت مسخاً شبه كامل لدى المغاربة وبخاصة المقيمين في الغرب – فكان منهم ابن باز في الحجاز ، وناصر الدين الألباني في الشام ، ولكن المصيبة الكبرى – التي لا يُلام عليها روّاد السلفية – أنْ حملتها فئة تدّعي انتسابها إليهم ليس لها من علم يؤهلها لحمل هذا العبء ، بل فيها أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ .
أما خصوم هذه الدعوة فلا يقبلون نسبتهم إلى السلف الصالح – لأنهم خارجون عن هذا المذهب ومدّعون له بغير حقّ – ويكتفون بنسبتهم إلى صاحب الدعوة ، فيدعونهم الوهابيين .
كان الشيخ ( محمد بن عبد الوهاب ) – رحمه الله - حنبلي المذهب عقيدة و فقهاً ، وبدأت حركته بالدعوة إلى التوحيد ، وهجر التمسح بالقبور ، والتبرك بمقامات من يُدعَوْن الأولياء ، ومحاربة البدع التي أدخلت في الدين في عصور قلّ فيها زاد الناس من العلم ، فضلّ فريق منهم ، وأضلّوا .
ثم كانت العودة إلى كتب ابن تيمية الحنبلي ، وهو فقيه متأخر عن الأئمة الأربعــة ( يدلّ هذا الرقم على المذاهب الباقية ، أما المذاهب المندثرة فأكثر من هذا العدد ) ، وكانت له صولات وجولات وجهاد في سبيل الله ضد الغزاة القادمين من الشرق الأقصى، فصار من العلماء الذين جمعــوا بين العلم والجهاد بعد فترة قلّ فيها هذا الجمع بعد العصر الأول – عصور الصحابة و التابعين . وكانت له صولات وجولات مع الطرق الصوفية، وحارب سلطة شيوخهم الدينية والمادية، وحاول أن يخلّص المريدين من القول المعروف: ( على المريد أن يكون بين يدَيْ شيخه كالميت بين يدي غاسله ) وما تبع هذا من ألاعيب سحرية أو خزعبلات يدّعونها كراماتٍ للخاصّة منهم ، والبدع التي كانوا ينسبونها إلى الدين كالتمسح بالقبور ، والتبرك بمقامات من يُدعَوْن الأولياء ...
وكانت لابن تيمية بالأمس و تابعيه اليوم جولات مع الأشاعرة ( والماتريدية التي أخذ بها أبو حنيفة النعمان ) في قضايا العقيدة، واتهموهم بالخروج عن مذهب الصحابـــة في تأويل الآيات التي وصف بها الله نفسه بصفات تقترب من صفات مخلوقيه لفظياً ، كالكرسي واليد والوجه ، وقالوا : إنهم يخرجون عن النص في هذا. و الأشاعرة والماتريدية يقولون : إنما يفعلون هذا لنفي تشبيه الخالق بالمخلوق ، ويردّون على ابن تيمية و تابعيه اليوم : إن الهروب من التأويل يؤدّي إلى التجسيد . ثم تجيء مسألة أعمال الإنسان والقدر والتخيير والتسيير والجبر ، فمذهب الصحابة لا يحاول مناقشة التعارض ( في الظاهر ) بين الآيات ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ، وهديناه النجدين ، ومحاسبة الإنسان عن أفعاله الإرادية – حسب التقسيم الشائع ، وإلا فإن المؤمنين بالجبر يرفضون أن تكون للإنسان إرادة أصلاً ، فكيف يقبلون بهذا التقسيم ! ) ، أما الأشاعرة والماتريدية فيحاولون أن يضعوا حلاً ( استعاروه من مسلمين اخذوا بالفلسفة اليونانية مبتعدين كثيراً عن الإسلام الصافي ) ، فلا يكون عمل إرادي للإنسان إلا بإرادتي الله ثم إرادة العبد ، ويحاسب العبد على إرادته أي الكسب ( ما كسبت يداه ) . ومن المعلوم أن الأمر دقيق جدا ولا يمكن بالجدل الوصول إلى القطع في هذا ، والحل الالتزام بما كان يفعله الصحابة الكرام في الوقف عند النصوص والتسليم بمضمونها.
أما في الفقه ( العبادات والمعاملات ) فالاختلاف كبير ، وإذا تمسّك السلفيّة ( بالمعنى الأخصّ ) بوجوب العودة إلى الصحابة فهذا لا يعني أبدا أنّهم وحدهم الذين يأخذون بهذا المبدأ، فالأئمة الأربعة يسيرون على هذا النهج ( ولا يدّعي أبدا ابن تيمية و تابعوه اليوم من العلماء على الأئمة الأربعة بتعمد المخالفة – إلا فئة تدّعي انتسابها إليهم ليس لها من علم يؤهلها لحمل هذا العبء ) ، كل ما في الأمر أن ( السلفية بالمعنى الأخصّ ) وقفوا عند الإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم غالباً ، أما الآخرون فقد تمسكوا بالمذاهب الأربعة التي وصلتنا ( بما فيها المذهب الحنبليّ ) ، - و لا يخفى أن محاولات بذلت اليوم للاجتهاد منها ما تمسك بالمذاهب الأربعـــة ، ومنها ما خرج إلى المذهبين الظاهريين ، بل منهم من رجع إلى المذهب الجعفري ( وكلنا يعلم أن جعفرا الصادق كان أحد أساتذة لأبي حنيفة – ليس معنى ذلك أن نسبة هذا المذهب إليه بوضعه الحالي تعني أنه صاحبه ) ، وكان منهم من التزم المنهـــج العلمي ، فدرس الأدلة ، ورجّح رأياً بناء على الدليل الذي رآه أقوى ، ومنهم من أخذ يتتبع المصلحـــــة ( وليست المصلحة المرسلة أو الاستصلاح الذي له أصوله لدى المالكيّة) ، و آخرون فتّشوا في المذاهب عن الآراء التي توافق العصر !! .
لا يستطيع أحد أن يتخلى عن اجتهادات الصحابة ( السلف الصالح ) ، فقد كان أبو حنيفة – مثلا – إذا أراد الاجتهاد يبدأ بالصحابة ، و كل ما يفعله أن ينتقيَ من آرائهم ما يراه أقوى دليلاً ، فإن لم يجد بادر إلى الاجتهاد ، وقال : فإذا خرج الأمر من الصحابة إلى غيرهم من التابعين اجتهدنا ، فهم رجال ، ونحن رجال . انظر إلى مكانة الصحابة عنده وعند غيره من الفقهاء ، بل قال يعضهم : إن المصدر الرابع للتشريع ليس الإجماع المطلق في كل عصر، بل هو مقصور على الصحابة، و لا إجماع في العصور التالية .
نعم! أرى أن ما ذهب إليه ( السلفية ) من التزام بمذهب الصحابة في قضايا العقيدة هو الصحيح، و لا حاجة للأخذ بالمنطق اليوناني في الدفاع عن الإسلام كما فعل الأشاعرة والماتريدية، ولكن نلتزم بتنزيهه- تعالى- عن الشبه بمخلوقاته .
أما في الفقه فلا ضرورة للإصرار على تصويب كل ما قاله الإمام ابن حنبل ( كلٌّ يُردّ عليه إلا صاحب هذا القبر ) ، و أنه وحده الملتزم بمذهب السلف . كل ما علينا أن ندرس المذاهب – كل المذاهب – وأن نقدّم آراء الصحابة، و نأخذ بأرجحها دليلا ، فإذا فرغنا منها درسنا آراء المذاهب المتعدّدة مع أدلتها الشرعية، و أخذنا بأرجحها دليلا . و لا مانع أن يقوم بهذا العمل عالم رباني واحد تمكن من أدوات الاجتهاد وامتلك قدرة على معرفة المذاهب كلها ، والأفضل من هذا أن تقوم بهذا العمل الجليل الثقيل جدّاً جدّا مجموعة من العلماء الربانيين الذين تمكنوا من أدوات الاجتهاد وامتلكوا قدرة على معرفة المذاهب كلها ، ولكن قد لا نلزم كل عالم بالإحاطة بكل المذاهب ، بل نؤثر التعاون في هذا الأمر الخطير .

السعيد شيخ
01-20-2011, 06:51 PM
وإذا تمسّك السلفيّة ( بالمعنى الأخصّ ) بوجوب العودة إلى الصحابة فهذا لا يعني أبدا أنّهم وحدهم الذين يأخذون بهذا المبدأ، فالأئمة الأربعة يسيرون على هذا النهج ( ولا يدّعي أبدا ابن تيمية و تابعوه اليوم من العلماء على الأئمة الأربعة بتعمد المخالفة – إلا فئة تدّعي انتسابها إليهم ليس لها من علم يؤهلها لحمل هذا العبء ) ، كل ما في الأمر أن ( السلفية بالمعنى الأخصّ ) وقفوا عند الإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم غالباً ، أما الآخرون فقد تمسكوا بالمذاهب الأربعة التي وصلتنا ( بما فيها المذهب الحنبليّ ) ، - و لا يخفى أن محاولات بذلت اليوم للاجتهاد منها ما تمسك بالمذاهب الأربعـــة ، ومنها ما خرج إلى المذهبين الظاهريين ، بل منهم من رجع إلى المذهب الجعفري ( وكلنا يعلم أن جعفرا الصادق كان أحد أساتذة لأبي حنيفة – ليس معنى ذلك أن نسبة هذا المذهب إليه بوضعه الحالي تعني أنه صاحبه ) ، وكان منهم من التزم المنهـــج العلمي ، فدرس الأدلة ، ورجّح رأياً بناء على الدليل الذي رآه أقوى ، ومنهم من أخذ يتتبع المصلحـــــة ( وليست المصلحة المرسلة أو الاستصلاح الذي له أصوله لدى المالكيّة) ، و آخرون فتّشوا في المذاهب عن الآراء التي توافق العصر !! .