المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إني أختنق 2



زين العابدين
08-11-2008, 05:59 PM
إني أختنق


الجواب:


لمستُ من استشارتكِ ألمك بوضوح، وكأني أسمع صوت غضبك من المجتمع وأسلوب تعامله مع مَنْ تجاوزت عمرًا حدَّدَهُ المجتمع للزواج! وصفكِ جعلني أعيش معكِ، وأرى ما ترينه بوضوح، وأستطيع تمامًا أن أقدِّر ما تعانينه.

نحن لا نملك أن نغير الآخرين بسهولة، ولا نستطيع أن نغير ثقافة مجتمع أو اتجاهه في يوم وليلة، وفي نفس الوقت لا يمكننا أن نعمم ونطلق الأحكام السلبية على مجتمع بأكمله!

ما يحصل لنا لا يتجاوز ثلاثًا:
- أمور نملك التحكم بها، ولنا يدٌ في وقوعها - بالتأكيد بعد توفيق الله وتيسيره - ويكون التوكل فيها مناطًا بالعمل، كاختبار نقدمه ونستعد له، ونبذل الجهد لنصل لطموحنا به، وكطريقٍ نختار السير به، ونعطيه حقه، ونسعى إليه.
- وأمور لا نملكها؛ بل تتعلق أكثر بمَنْ حولنا، على الرغم من تأثيرها علينا، وتدخل فيها اتجاهات المجتمع وثقافته.
- وهناك أمور من الله، ليس لنا أي تدخل بشري بها، وليس لنا أمامها إلا الصبر والدعاء، أو الشكر والحمد.
فلو نظرتِ لمشكلتكِ؛ تجدينها لا تخرج عن هذه الحالات الثلاثة.

فكري أولاً: ما الذي يمكنكِ أنتِ فعله؟
أنت تستقبلين العرسان، وتفتحين بابكِ، ولا تردِّين إلا مَنْ لا يناسبكِ، وتتخذين الأسباب وأهلك؛ فما الذي يمكنك فعله أيضًا ولم تفعليه؟ هل تلجئين للدعاء، وتستشعرين قرب الله منك بكل أمر؛ فهو الذي قال - وصدق وعده -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
فالدعاء أيضًا من اتخاذ الأسباب، ويدخل ضمن النوع الأول من الأمور التي تدخل ضمن نطاق تحكُّمنا.

هل تهتمين بنفسكِ، وتوازنين أهدافكِ؛ بحيث لا يطغى هدف على بقية الأهداف، فلا يكون الزواج هو الهدف الوحيد الذي تفتقدينه، وتسير حياتك في انتظاره فحسب؟! اجعلي لك أهدافًا تحققين بها طموحكِ، وترضين بها نفسكِ.

ذهابك للمسجد رائع؛ فلا تجعلي هدفك منه شغل نفسك ريثما يأتيك الزوج فحسب؛ بل اجعلي من أهدافك طلب العلم الشرعي – مثلاً - وستلمسين الفرق وقتها في متعتك وفائدتك بما تقومين به.
اجعلي لك خُطَّة تقومين بها بتنظيم حياتك وموازنة أمورك من كل النواحي: الروحية، والاجتماعية، والنفسية، والعقلية.

ثم تدرَّجي مما تملكينه للأمور التي تدخل في النوع الثاني التي تتعلق بالآخرين وتؤثر عليك؛ كنظرة القلق التي ترينها بعين والديك، وكعبارات التعاطف أو الشفقة ممَّن حولك، وكذهاب العرسان الذين تشعرين أنهم مناسبون لكِ، ونظرة المجتمع لسن العنوسة، و... إلخ.

أغلب هذه الأمور لا نملك تغييرها بالرغم من إزعاجها، لكن تركيزنا على الجانب الأول يجعلها أقل بكثير، فكلما كان تركيزنا أكبر على ما نملكه؛ يقل تلقائيًّا تركيزنا على ما لا نملك، لكن بكل الأحوال؛ فهمنا له يجعلنا أقدر على التعامل معه؛ فقلق والديك طبيعي، ويدل على حبهما لك، وربما يكون لحكمة؛ لتكون دعواتهما أصدق، لكن يخفف عنهما شعورهما بسعادتك وقدرتك على التعامل مع الأمر.

نظرة المجتمع هي مشكلة تعانيها الكثيرات الآن، وليس في مصر فحسب؛ بل في غالب المجتمعات العربية والخليجية عمومًا، وإن كان التعميم من الأخطاء الشائعة التي نقع بها كثيرًا فتزيدنا تشاؤمًا!

شعورك بالألم ممن حولك يجعلك أقدر على فهم من هي مثلك، وربما يكون لكما دور في تغيير نظرة المجتمع يومًا، ولنا في خديجة - رضي الله عنها - خير نموذج نفخر به؛ حيث حظيت بالزواج من أشرف الخلق، على الرغم من أنَّها سبق لها الزواج قبله، وكانت كبيرة السن، وبقيت هي صاحبة الأثر الأكبر في قلبه وفي حياته.

ويتبقى الجانب الأخير؛ الذي يتعلق بما هو بيد الله وحده؛ فالزواج رزق من الله، مثله مثل بقية أنواع الرزق، يحتاج منا اللجوء لله، وكثرة الاستغفار؛ لنصل لوعده - بإذن الله -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12]

وقد أخبرتني إحدى صديقاتي بمصر - ولها خبرة بمجال الدعوة والمساجد - تقول: "أعرف أختًا قنتت لله تعالي شهرًا كاملاً، تقوم الليل وتبكي، تدعو الله تعالى أن يمنَّ عليها بالزوج الصالح! شهر كامل تدعو الله تعالى، تقول: لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم...

فوالله بعد هذا الشهر بأسبوع واحد فقط طرق بابها أخٌ صالحٌ حسن الخُلُق!! تقول الأخت: فوالله لقد علمت أنه نصيبي؛ لأنني ظننتُ في الله خيرًا!!

وأعرف أختًا أخرى زاد عمرها عن الثلاثين، ودخل بيتها أكثر من 200 عريس! وكانت تقول: والله إني أتمنى أن أتزوج وأعيش في مدينة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لكن لم ترفض متقدِّمًا إلا لغرض شرعي؛ فعوض الله صبرها خيرًا، وكانت خطبتها وعقد قرانها في أسبوع، وكانت المفاجأة أنها ستعيش في مدينة رسول الله - صلي الله عليه وسلم -!!".

المهم:
أن تتفهمي أنَّ الأمور الصعبة في حياتنا تكون من باب الابتلاء والامتحان، وتذكري أنه كلما كان الامتحان أصعب؛ كلما كان الأجر أكبر - بإذن الله - بحال استطعتِ اجتيازه، وأنتِ قادرةٌ - بإذن الله - فقط اجعلي سلاحك التقوى والثقة بالله، واستشعري أجر الصبر ومعيَّة الله للصابرين، وستجدين حلاوة ذلك بقلبك، وسينعكس على حياتك - بإذن الله تعالى.

أسعدكِ الله ويسر لكِ كلَّ خير.

basmala
08-12-2008, 10:37 PM
جزاك الله خيرا
و جعل هذا العمل فى ميزان حسناتك

همس الرووح
08-23-2008, 09:43 AM
نحن لا نملك أن نغير الآخرين بسهولة، ولا نستطيع

أن نغير ثقافة مجتمع أو اتجاهه في يوم وليلة، وفي نفس

الوقت لا يمكننا أن نعمم ونطلق الأحكام

السلبية على مجتمع بأكمله!



موضوع في غاية الأهمية

كلماته في الصميم وأحرفه

من ذهب ونور

بارك الله فيك وفي قلمك

كالعادة اختيار موفق ،،