المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السبيل إلى النصر والتمكين



زين العابدين
08-02-2008, 07:56 PM
السبيل إلى النصر والتمكين






إِنَّ الْحَمدَ للَّهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللَّهِ مِنْ شُرُورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، مَنْ يهده اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِي لَهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّهُ وحده لا شريكَ لَهُ، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

أمَّا بعدُ:

معشرَ الْمُسلمين، لا يَخفى عليكم ما يعيشه الْمُسلمونَ اليومَ من مِحَنٍ وبلايا، وما تعترِضُهم من عقَباتٍ، وما يصيبُهم من نَكَباتٍ.

إنَّ للمسلمين أعداءً لاَ يَرحَمونَهم، ولاَ يَغفلُون عنهم، وتلك سنَّةُ اللهِ في خلقه، أن يَمتحنَ الطيِّبَ بالْخَبيث، ليستخلصَ من صفِّ المسلمين صفوَتَه، وليجتبِيَ منه خيرَتَه؛ ذلك لأنَّه بالامتحان يعرف من يستحقُّ الإكرامَ مِمَّن يستحقُّ الامتهانَ، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].

وقال تعالى: {الـم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3].

ومِمَّا لا يَخفى على كلِّ ناظر مُطلع لِمَا تَمر به الأمة الإسلامية إلا ويرى أنَّ مدَّةَ الامتحان قد طالت، والمسلمونَ همُ الْمُسلمونَ، وضعفُهم هو ضعفُهم، وذلُّهم هو ذلُّهم إلاَّ مَن رَحِمَ الله.

إذن؛ ما هو الذي يَجب على كلِّ مسلمٍ أن يُدركَه حتَّى يتَّخذَ الأسبابَ الَّتِي يُرتِّبُ اللَّهُ عليها النَّصرَ؟!

* الإعداد الإيـمـانـي والإعداد الْمَادي:

فإنَّ من سُنن اللهِ أيضًا أنَّ لكلِّ مُسبَّبٍ سببًا، وأنَّ اللهَ -تبارك وتعالَى- اشترط على الْمُسلمينَ الذين ينشُدون النَّصرَ أن يُحقِّقوا شَرطَيْن عظيمين:

الأول: هو الإعدادُ الإيْمَانِي؛ وذلك لأنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- قد رهنَ النَّصرَ بأهله، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [مُحمَّد:7].

الثانِي: هو الإعدادُ الْمَادي، قال سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60].

فأقول مستعينًا بالله عز وجل:

1- العدة الإيمانية هي تقوى الله عز وجل، فقد جعل اللهُ العاقبةَ الْحُسنَى لأهل التقوى، قال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128].

ويقول: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128].

ويقول: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:120].

وتقوى الله قسمان:

الأول: هو توحيد الله.

والثانِي: هو تَجريدُ الْمُتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.




فأعظمُ شيءٍ يُعِدُّه الْمُؤمنون ليتَقَوَّوْا على عدُوِّهم هو أن يتَّصلوا بالله: توحيدًا، ومَحبَّةً، ورجاءً، وخوفًا، وإنابةً، وخشوعًا وتوكُّلاً، ووُقوفًا بين يديه، واستغناءً عمّا سِواهُ.


قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاََ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55].

فهل انتبهَ الْمُسلمونَ لِهَذا الشَّرْط العظيم: {يَعْبُدُونَنِي لاََ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يعلِّقُ أمَلَه بِحَجَر؟

وهل يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يستغيثُ بِميِّتٍ من البشر؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يسجدُ عند قبرٍ؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يطوفُ بِمشهَد رجلٍ صالِحٍ؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يَجعلُ سرَّه وعلانيتَه بيد ولِيٍّ، أو يُقْسِم بنبِيٍّ؟

والقسم الثانِي من أقسام التقوى: هو تَجريدُ الْمُتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الَّتِي هي الأساس الثانِي بعد الإخلاص الذي يُبنَى عليه العزُّ والتمكين، كما أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ الظهورَ والانتصارَ هو حقٌّ خالصٌ لأهل السُّنَّةِ، فقال: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتِي ظاهرين على الْحَقِّ، لا يضرُّهم مَن خذلَهم حَتَّى يأتي أمرُ الله وهم كذلك)).

قال الإمام أحمد: ((إن لَم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحابَ الحديث فلا أدري مَن هم!)).

إنَّ الذي جعل هؤلاء منصورين هو تَمسُّكهم بالسُّنَّة، فمتابعةُ الرسول صلى الله عليه وسلم من غير ابتداعٍ ولا معصيةٍ؛ من أعظم أسباب العز والتمكين بعد توحيد الله عز وجل، وقد جَمعَهما اللَّهُ عز وجل في آيةٍ واحدةٍ، ألا وهي قولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]. أي: أنَّ اللهَ معك ومؤيِّدُك ونصيرُك ووليُّك، وهو أيضًا مع الْمُسلمين الذين اجتمع فيهم الشَّرطان: الإيْمَان، والْمُتابعةُ: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ}.

2- من تَمام التوكُّل على الله إعدادُ الأسبابِ الْمَاديَّة الَّتِي أمر الله بِها عبادَه الذين حقَّقوا الإيْمان لِمواجهة عدوِّهم، حيث قال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60].

وقد بيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم معنَى القوة المذكورة فِي الآية، فقال: ((ألاَ إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألاَ إنَّ القوَّةَ الرَّميُ))، فخصَّ اللَّهُ عز وجل الْخَيلَ بالذِّكرِ؛ لأنَّها أحسنُ ما يُقاتَلُ عليه يومئذٍ، وخصَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّميَ بالذِّكر؛ لأنَّه أقوى ما يُقاتَل به يومئذٍ؛ تنبيهًا للمسلمين على أنَّ الإعدادَ هو ما كان على مستوى أرقى ما لدى العدو، فهذه هي العدة العسكرية.

أما العدة البشرية، فلا شك أن المسلمين اليوم كثيرٌ، ولكن لا معنَى لثروة بشريَّة لا تُزكِّيها أعمالُها، لذلك أخبر الرسولُ صلى الله عليه وسلم أنَّ الإسلامَ لا يُنصَرُ بالغُثاء، فقال صلى الله عليه وسلم: ((يوشِكُ الأُمَمُ أن تداعى عليكم كما تداعى الأَكَلَةُ إلى قَصعتِها. فقال قائلٌ: ومِن قلَّةٍ نَحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، لكنَّكم غُثاءٌ كغثاءِ السَّيل، ولَيَنْزعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم الْمَهابةَ منكم، ولَيَقْذِفنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهْنَ. فقال قائلٌ: يا رسول الله! ما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهيةُ الْمَوت)).

أيها المسلمون إن الله عز وجل لا يظلم عباده مثقالَ ذرَّة، فما بالنا نغفل عن واجباتنا، وإنَّما العبرةُ بأَنْ نتلبَّس بِمَا أمرنا الله عز وجل به، هذا خيرُ ما يتدارسُه الْمُسلمون فيما بينهم، أمَّا أن يجلسوا لكي يذكروا ضعفهم ويُعدِّدوا قوَّةَ عدوِّهم فهذا هو الخذلان.

فيجب أن يعلم المسلمون هذه الحقيقة ويتفطنوا لها جيدًا ويعملوا جاهدين على تحقيقها: وهي أنَّ عدوَّ الْمُسلمين لا ينتصرُ عليهم لقوَّتِه، وإنَّما ينتصرُ عليهم حين يتركُهم ربُّهم، ويَكِلُهم إلَى أنفسِهم؛ قال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوَهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [المائدة:12].

فبَانَ لِذِي عَيْنَين أنَّ اللهَ عز وجل ناصرٌ هذه الأمَّةَ، لكن النصرَ تابعٌ لأهله، ليس بالأمانِيِّ والتخيُّلات، قال الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِياًّ وَلاَ نَصِيراً} [النساء:123].


فاللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.