زين العابدين
06-09-2008, 06:32 PM
ديمقراطية (قصة قصيرة)
حاول (حمدان) الاتصال بزوجته المعلِّمة (رغدة) فلم يستطع، لانقطاع كل الخطوط الهاتفية، فصعد إلى سيارته البرازيلية، وسار بسرعةٍ كبيرةٍ تحت القصف الشديد ليطمئنّ عليها وعلى ابنته الغالية (روعة)، التلميذة في الصف الثالث الأساسي..
ولدى وصوله إلى موقع المدرسة لم يتمكّن من تمييز مَعَالِمِها، لأنها تحوّلت إلى ركامٍ بسبب القصف العشوائي، وقد شاهد بعض الطفلاتِ يبكينَ ويصرخنَ، فتختلط صرخاتهنَّ الواجفة مع أصوات انهيار الجدران ودَويّ الانفجارات.. أما زوجته (رغدة)، فقد خرجت من تحت الركام وهي تحمل طفلتها (روعة) بين ذراعيها، والدماء تنزف من الأم وابنتها!..
أسرع (حمدان) لحمل ابنته، واتجه بها فوراً إلى المشفى، بينما عادت (رغدة)، المضرّجة بدمها ودم ابنتها، لإنقاذ مَن يمكن إنقاذهنّ من التلميذات.. وفي المشفى المدمَّر نصفُهُ، لم يتمكّن حمدان من إسعاف (روعة) لانقطاع الكهرباء، ولكثرة الضحايا من النساء والأطفال والرجال الذين يحتاجون إلى الإسعافات الفورية.. حاول أن يُسرع إلى قسم الطوارئ، لكنّ الحرائق المشتعلة والجثث المكدّسة في الممرّات التي تعرّضت للقصف.. كانت تُعيق حركَتَه، فاستحال إسعاف (روعة)... إلى أن أصيبت بالشلل التام، ثم بالإغماء الكامل!..
- اشتغلي.. اشتغلي.. هل هذا وقت الأعطال؟!.. (هكذا خاطب حمدان سيارته حين قرّر التحرك إلى مشفى المدينة الثاني).. لكنّ نضوب الوقود حال دون دوران المحرّك، فاستعان ببعض الرجال لدفع سيارته إلى محطة الوقود المجاورة، فقال له ناطورها:
- ألا تعلم يا أخي بأنّ الوقودَ والمحروقاتِ مفقودة منذ احتلال العراق؟!..
بعد أكثر من ساعة، وصل (حمدان) بسيارة صديقه إلى بيت الطبيب (عبدالقادر)، حاملاً بين ذراعيه (روعة) الحبيبة، بينما العَرَق المتصبّب من وجهه وعُنُقِهِ، يختلط بالدم النازف من الجسد الغضّ للطفلة البريئة:
- أرجوك يا دكتور، افعل شيئاً من أجل هذه الطفلة المصابة، هي طفلتي الوحيدة والله العظيم!..
- آسف.. آسف جداً يا أخي.. ابنتكَ فارقت الحياة منذ ساعتين تقريباً!.. (قالها الطبيب بحسرةٍ وألمٍ شَديدَيْن).
قام الدكتور (عبدالقادر) بتأمين بعض الماء من بئر جيرانه، لغسل الطفلة، قبل أن يقومَ والدُها وصاحبُه بإيوائها إلى مثواها الأخير في حديقةٍ مهجورةٍ مجاورة.. ثم استلّ (حمدان) قلماً من جيب قميصه، ليكتب على ورقةٍ كبيرةٍ شبه بيضاء:
- هنا، في بغداد المحرَّرة، ترقد طفلةٌ.. رحمكِ الله يا روعة الرائعة، كم كنتِ جميلةً وذكيةً ونقيّة!..
دعا الدكتور (عبدالقادر) حمدانَ وصاحبَه الغاضِبَيْن إلى بيته، فيما تناقلت وكالات الأنباء الخبرَ العاجلَ التالي:
[لقد عبّر الكونغرس الأميركي عن امتعاضه الشديد، وطالب بمحاكمة الجندي الأميركي (ريتشارد آلين)، الذي دَهَسَ بدبّابته -خطأً- رجلاً مُسِنّاً في (ساحة التحرير) وسط بغداد، وذلك أثناء قيامه بواجبه القوميّ هناك]!..
زين العابدين
حاول (حمدان) الاتصال بزوجته المعلِّمة (رغدة) فلم يستطع، لانقطاع كل الخطوط الهاتفية، فصعد إلى سيارته البرازيلية، وسار بسرعةٍ كبيرةٍ تحت القصف الشديد ليطمئنّ عليها وعلى ابنته الغالية (روعة)، التلميذة في الصف الثالث الأساسي..
ولدى وصوله إلى موقع المدرسة لم يتمكّن من تمييز مَعَالِمِها، لأنها تحوّلت إلى ركامٍ بسبب القصف العشوائي، وقد شاهد بعض الطفلاتِ يبكينَ ويصرخنَ، فتختلط صرخاتهنَّ الواجفة مع أصوات انهيار الجدران ودَويّ الانفجارات.. أما زوجته (رغدة)، فقد خرجت من تحت الركام وهي تحمل طفلتها (روعة) بين ذراعيها، والدماء تنزف من الأم وابنتها!..
أسرع (حمدان) لحمل ابنته، واتجه بها فوراً إلى المشفى، بينما عادت (رغدة)، المضرّجة بدمها ودم ابنتها، لإنقاذ مَن يمكن إنقاذهنّ من التلميذات.. وفي المشفى المدمَّر نصفُهُ، لم يتمكّن حمدان من إسعاف (روعة) لانقطاع الكهرباء، ولكثرة الضحايا من النساء والأطفال والرجال الذين يحتاجون إلى الإسعافات الفورية.. حاول أن يُسرع إلى قسم الطوارئ، لكنّ الحرائق المشتعلة والجثث المكدّسة في الممرّات التي تعرّضت للقصف.. كانت تُعيق حركَتَه، فاستحال إسعاف (روعة)... إلى أن أصيبت بالشلل التام، ثم بالإغماء الكامل!..
- اشتغلي.. اشتغلي.. هل هذا وقت الأعطال؟!.. (هكذا خاطب حمدان سيارته حين قرّر التحرك إلى مشفى المدينة الثاني).. لكنّ نضوب الوقود حال دون دوران المحرّك، فاستعان ببعض الرجال لدفع سيارته إلى محطة الوقود المجاورة، فقال له ناطورها:
- ألا تعلم يا أخي بأنّ الوقودَ والمحروقاتِ مفقودة منذ احتلال العراق؟!..
بعد أكثر من ساعة، وصل (حمدان) بسيارة صديقه إلى بيت الطبيب (عبدالقادر)، حاملاً بين ذراعيه (روعة) الحبيبة، بينما العَرَق المتصبّب من وجهه وعُنُقِهِ، يختلط بالدم النازف من الجسد الغضّ للطفلة البريئة:
- أرجوك يا دكتور، افعل شيئاً من أجل هذه الطفلة المصابة، هي طفلتي الوحيدة والله العظيم!..
- آسف.. آسف جداً يا أخي.. ابنتكَ فارقت الحياة منذ ساعتين تقريباً!.. (قالها الطبيب بحسرةٍ وألمٍ شَديدَيْن).
قام الدكتور (عبدالقادر) بتأمين بعض الماء من بئر جيرانه، لغسل الطفلة، قبل أن يقومَ والدُها وصاحبُه بإيوائها إلى مثواها الأخير في حديقةٍ مهجورةٍ مجاورة.. ثم استلّ (حمدان) قلماً من جيب قميصه، ليكتب على ورقةٍ كبيرةٍ شبه بيضاء:
- هنا، في بغداد المحرَّرة، ترقد طفلةٌ.. رحمكِ الله يا روعة الرائعة، كم كنتِ جميلةً وذكيةً ونقيّة!..
دعا الدكتور (عبدالقادر) حمدانَ وصاحبَه الغاضِبَيْن إلى بيته، فيما تناقلت وكالات الأنباء الخبرَ العاجلَ التالي:
[لقد عبّر الكونغرس الأميركي عن امتعاضه الشديد، وطالب بمحاكمة الجندي الأميركي (ريتشارد آلين)، الذي دَهَسَ بدبّابته -خطأً- رجلاً مُسِنّاً في (ساحة التحرير) وسط بغداد، وذلك أثناء قيامه بواجبه القوميّ هناك]!..
زين العابدين