زين العابدين
05-12-2008, 09:32 PM
سليم الهلالي
الدّين قشر ولباب:
إن هذه المقالة المرذولـة؛ غايةٌ في الضلالة، ونهايةٌ في الجهالة
-والعياذ بالله -تبارك وتعالى- وسنورد عليها بإذن الله -عزّ وجلّ- صريحَ كتابِ الله، وصحيحَ سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومأثور السلف الصالح، ثم نَكِرّ عليها بالمعقول، ثم ننتهي بفتاوى العلماء الفحول:
أ- أدلة الكتاب العزيز:
إن تقسيم الدين إلى قشر ولباب قسمة ضيزى(1 ) –يا عباد الله-، وحسبكم قول الله -تبارك
( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) [البقرة:208]،
فهذا خطاب الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين -كلِّ المؤمنين- أن يدخلوا في السلم كافة.
ولأهل التفسير فيها قولان:
القول الأول: أي: ادخلوا جميكم في الإسلام، لا يستثنى أحد.
القول الثاني: ادخلوا في الإسلام جميعه.
وكلّ من التفسيرين صحيح، ولا يتنافى مع صاحبه؛ فإن مراد الله
-سبحانه وتعالى- أنه يخاطب المؤمنين: أن يأخذوا الإسلام كلَّه، وأن ينتهجوا منهج الدِّين كلِّه، فيحلوا حلاله، ويحرِّموا حرامه، فلا يَدَعوا صغيرة ولا كبيرة إلا قاموا بها، كما أمر الله، وكما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تدبروا -أيها الإخوة- كلامَ الإمام ابن كثير-رحمه الله-؛ فإنه يقول في تفسير هذه الآية: «يقول الله -تعالى- آمراً عباده المؤمنين به، المصدقين برسوله، أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره، ما استطاعوا من ذلك».
ثم نقل -عليه رحمة الله- أقوال السلف، ثم قال: «والصحيح هو أنهم أُمروا كلهم أن يعملوا بجميع شعب الإيمان، وشرائع الإسلام، وهي كثيرةٌ جداً ما استطاعوا منها» (2 ) .
إذاً؛ فالخطاب أن يدخلوا في السلم -أي: في الإسلام- كما بيّنه حبر الأمة، وترجمان القرآن؛ ابن عباس، وكما أقره جمهور المفسرين.
ثم قال الله -سبحانه وتعالى-: ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان )[الأنعام:142]؛ أي: أن الشيطان هو الذي يفرّق بين أمور الدِّين، وهو الذي يفرّق بين أعمال الإسلام، فيقول: هذا قشر، وهذا لباب، وهذا أهم، وهذا مهم، وهذا غير مهم؛ ليضع الإنسان في دوامة الاهتمامات المزعومة؛ فلا يدري المسكين من أين يبدأ؟ وإلى أين ينتهي! وكأنه يريد أن يوقعه في حلقة لا يُعلَم أولها من آخرها.
وقول الله -تبارك وتعالى-: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )[آل عمران:103]، خطابٌ من الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين أن يعتصموا بحبل الله جميعه؛ فلا يتركوا منه شيئاً ولا يذروا منه أمراً، ولا ينحرفوا عنه قيد شبر.
ب- أدلة السنة المطهرة:
وهكذا يبين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مرادَ الله -كما في عددٍ من الأحاديث الصحيحة الصريحة-؛ وهي على أنواع:
القسم الأول: أحاديث تبين ارتباط بعض العبادات -التي يعدونَها فرعية- بالأجر العظيم والمقام الكريم:
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين؛ فإن من وافق قولُه قولَ الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (3 )؛ فبمجرد أن يوافق قولك قول الإمام بالتأمين؛ فتوافق قول الملائكة؛ تحصل على هذه الجائزة العظيمة، وهذا الأجر العميم؛ بأن يُغفر لك ما تقدم من ذنبك.
إن الإنسان منا يَكِد ويجتهد طول عمره؛ ليغفر له ما تقدم من ذنبه، فبماذا تحصل هذه المغفرة؟ إنَّما تحصل باتّباع سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظروا إلى هذا الأجر العميم والثواب العظيم، كيف ارتبط بهذه السُّنَّة النبوية، التي يعدّها من لا علم عنده من القشور!
القسم الثاني: أمور يعدونها من الأمور الهامشية، السطحية، الخلافية، الفرعية: جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أركان العزة لهذا الدين:
فانظروا إلى قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل النَّاس الفطر» (4 )؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون، وفي رواية: «لا يزال الدين عزيزاً ما عجل النَّاس الفطر».
وفي حديث آخر؛ «لا تزال أمتي على سنتي ما عجلوا الفطر»(5 ).
انظروا -رحمكم الله- ما أجلّ هذا الأثر! فإنَّ تعجيل الفطر سنة؛ يُحارَب عليها السَّلفيون، وبها يُتهمون أنهم يتمسكون بالقشور! مع كونِ النبي صلى الله عليه وسلم جعل التَّمسك بها سبباً من أسباب انتصار الدين، وبقائه عزيزاً منيعاً.
القسم الثالث: إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم تشغله القضايا -التي يسمونها مصيرية!- عن هذه الأمور التي يضعونها في باب الأمور الفرعية:
فعن زيد بن خالد الجُهَني، عن أبي طلحة الأنصاري -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه ***، أو تماثيل»، قال: فأتيت عائشة، فقلت: إن هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا، فهل سمعتِ رسول الله صلى الله عليه وسلمذكر ذلك؟ فقالت: لا؛ ولكن سأحدثكم ما رأيته فعل؛ رأيته خرج في غزاة فأخذت نمطاً(6 )، فسترته على الباب، فلمّا قدم، فرأى النمط عرفتُ الكراهة على وجهه، فجذبته حتى هتكته -أو قطعته-، فقال: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين» (7 ).
انظروا -أصلحكم الله- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حال عوده من غزوة من الغزوات، ينبه على هذا الأمر.
ت- الآثار السلفية: وأما آثار السلف الصالح؛ فهي كثيرةٌ جداً، ولعل من أوضحها وأصحها أثرَ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما طُعن، ودخل عليه المسلمون يواسونه، فدخل عليه شاب من قريش، وبدأ يذكر محاسنه، وفضائله، فلما خرجَ الشابُّ نظر عمر -رضي الله عنه- إليه- وهو ينزف، وجرحه يثغب دماً، قال: ردوا عليَّ الغلام!! -إذ إنه رأى ثوبه طويلاً، مسبَلاً- فقال: «يا ابن أخي ارفع ثوبك؛ فإنه أنقى لثوبك، واتقى لربك»(8 ).
فتأملوا كيف أنَّ النَّاس في مصيبة، والخليفة مطعون مجروح!! لكنه -رضي الله عنه- ينبه على قضية الإسبال التي لو ذكرت في هذه الأعصار لَقهقه بعضهم، ولغمزك ولمزك!! وهو يقول: «يُذبح المسلمون، وأنتم تهتمون بالثوب»!
وأما المعقول: فهو من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا التقسيم باطلٌ في نفسه، فلا يوجد في الدين قشرٌ ولبابٌ، إذ كلُّ دين الله سواء؛ لأن نصوصه آتية من عند الله -سبحانه وتعالى-(9 ).
وأما الوجه الثاني: فنقول -من باب التنزل-: هَبْ أن الدين قشرٌ ولبّ، فإنه لا يُحفَظ اللباب إلا بالقشر، ولولا القشر لفسد اللباب.
انظروا إلى هذه الثمار: فإن فيها لباً وقشراً، فإذا نزعت قشرها؛ فسدت! وإذا ذهبت إلى السوق ورأيت أن تشتري تفاحاً فهل تشتري تفاحاً مقشوراً؟! أتقول: أريد اللباب ولا أريد القشر؟! إذا وجدت البائع قد صنع هذا بتفاحه فإنك تعرض عنه، تريد تفاحاً بقشره؛ وما ذاك إلا لأن القشر يحمي اللباب!!
وأمَّا فتاوى أهل العلم: فأنقل إليكم فتوى العز بن عبدالسلام في «فتاويه»، يقول: «لا يجوز التعبير عن الشريعة بأنها قشر مع كثرة ما فيها من المنافع والخيور، وكيف يكون الأمر بالطاعة والإيمان قشراً؟! وإن العلم الملقب بالحقيقة جزء من أجزاء علم الشريعة، ولا يُطلِق مثل هذه الألقاب إلا *** شقي قليل الأدب، ولو قيل لأحدهم: إن كلام شيخك قشورٌ؛ لأنكر غاية الإنكار، ويطلق لفظ القشور على الشريعة!».
هكذا يتبين لنا أن الإسلام كلٌّ متكامل، فخذوا الإسلام
جملة -عملاً بقول الله-: ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )[البقرة:208].
----------------------------
(1 ) أي: ظالمة.
(2 ) «تفسير القرآن العظيم» (1/255).
( 3) أخرجه الشيخان، البخاري، ومسلم.
(4 ) أخرجه الشيخان، وله ألفاظ متقاربة عند الترمذي وأحمد والبيهقي، انظر «إرواء الغليل» (917).
(5 ) صحيح، انظر «الإرواء» (917)، «صحيح الجامع» (7284).
(6 ) وهو ثوب من الصوف يُوضع على الهودج.
(7 ) أخرجه الشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد بألفاظ متقاربة، واللفظ مع القصة لمسلم.
(8 ) رواه البخاري.
(9 ) مع التسليم أنّ مسائل الشرع تتفاوت في درجاتها من حيث الأجر والثواب، وفي تركها من حيث الوزر والعقاب، غير أن كلها مهم، لا ينبغي أن يفوّت شيء منها، حتى إن الواحد من المسلمين لا يحل له -إذا سمع حكماً شرعياً- إلا إن يسلّم له، تاركاً تلك الحجج الواهية: أن غيره أهم منه!!
محبكم / زين العابدين
الدّين قشر ولباب:
إن هذه المقالة المرذولـة؛ غايةٌ في الضلالة، ونهايةٌ في الجهالة
-والعياذ بالله -تبارك وتعالى- وسنورد عليها بإذن الله -عزّ وجلّ- صريحَ كتابِ الله، وصحيحَ سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومأثور السلف الصالح، ثم نَكِرّ عليها بالمعقول، ثم ننتهي بفتاوى العلماء الفحول:
أ- أدلة الكتاب العزيز:
إن تقسيم الدين إلى قشر ولباب قسمة ضيزى(1 ) –يا عباد الله-، وحسبكم قول الله -تبارك
( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) [البقرة:208]،
فهذا خطاب الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين -كلِّ المؤمنين- أن يدخلوا في السلم كافة.
ولأهل التفسير فيها قولان:
القول الأول: أي: ادخلوا جميكم في الإسلام، لا يستثنى أحد.
القول الثاني: ادخلوا في الإسلام جميعه.
وكلّ من التفسيرين صحيح، ولا يتنافى مع صاحبه؛ فإن مراد الله
-سبحانه وتعالى- أنه يخاطب المؤمنين: أن يأخذوا الإسلام كلَّه، وأن ينتهجوا منهج الدِّين كلِّه، فيحلوا حلاله، ويحرِّموا حرامه، فلا يَدَعوا صغيرة ولا كبيرة إلا قاموا بها، كما أمر الله، وكما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تدبروا -أيها الإخوة- كلامَ الإمام ابن كثير-رحمه الله-؛ فإنه يقول في تفسير هذه الآية: «يقول الله -تعالى- آمراً عباده المؤمنين به، المصدقين برسوله، أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره، ما استطاعوا من ذلك».
ثم نقل -عليه رحمة الله- أقوال السلف، ثم قال: «والصحيح هو أنهم أُمروا كلهم أن يعملوا بجميع شعب الإيمان، وشرائع الإسلام، وهي كثيرةٌ جداً ما استطاعوا منها» (2 ) .
إذاً؛ فالخطاب أن يدخلوا في السلم -أي: في الإسلام- كما بيّنه حبر الأمة، وترجمان القرآن؛ ابن عباس، وكما أقره جمهور المفسرين.
ثم قال الله -سبحانه وتعالى-: ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان )[الأنعام:142]؛ أي: أن الشيطان هو الذي يفرّق بين أمور الدِّين، وهو الذي يفرّق بين أعمال الإسلام، فيقول: هذا قشر، وهذا لباب، وهذا أهم، وهذا مهم، وهذا غير مهم؛ ليضع الإنسان في دوامة الاهتمامات المزعومة؛ فلا يدري المسكين من أين يبدأ؟ وإلى أين ينتهي! وكأنه يريد أن يوقعه في حلقة لا يُعلَم أولها من آخرها.
وقول الله -تبارك وتعالى-: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )[آل عمران:103]، خطابٌ من الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين أن يعتصموا بحبل الله جميعه؛ فلا يتركوا منه شيئاً ولا يذروا منه أمراً، ولا ينحرفوا عنه قيد شبر.
ب- أدلة السنة المطهرة:
وهكذا يبين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مرادَ الله -كما في عددٍ من الأحاديث الصحيحة الصريحة-؛ وهي على أنواع:
القسم الأول: أحاديث تبين ارتباط بعض العبادات -التي يعدونَها فرعية- بالأجر العظيم والمقام الكريم:
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين؛ فإن من وافق قولُه قولَ الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (3 )؛ فبمجرد أن يوافق قولك قول الإمام بالتأمين؛ فتوافق قول الملائكة؛ تحصل على هذه الجائزة العظيمة، وهذا الأجر العميم؛ بأن يُغفر لك ما تقدم من ذنبك.
إن الإنسان منا يَكِد ويجتهد طول عمره؛ ليغفر له ما تقدم من ذنبه، فبماذا تحصل هذه المغفرة؟ إنَّما تحصل باتّباع سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظروا إلى هذا الأجر العميم والثواب العظيم، كيف ارتبط بهذه السُّنَّة النبوية، التي يعدّها من لا علم عنده من القشور!
القسم الثاني: أمور يعدونها من الأمور الهامشية، السطحية، الخلافية، الفرعية: جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أركان العزة لهذا الدين:
فانظروا إلى قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل النَّاس الفطر» (4 )؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون، وفي رواية: «لا يزال الدين عزيزاً ما عجل النَّاس الفطر».
وفي حديث آخر؛ «لا تزال أمتي على سنتي ما عجلوا الفطر»(5 ).
انظروا -رحمكم الله- ما أجلّ هذا الأثر! فإنَّ تعجيل الفطر سنة؛ يُحارَب عليها السَّلفيون، وبها يُتهمون أنهم يتمسكون بالقشور! مع كونِ النبي صلى الله عليه وسلم جعل التَّمسك بها سبباً من أسباب انتصار الدين، وبقائه عزيزاً منيعاً.
القسم الثالث: إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم تشغله القضايا -التي يسمونها مصيرية!- عن هذه الأمور التي يضعونها في باب الأمور الفرعية:
فعن زيد بن خالد الجُهَني، عن أبي طلحة الأنصاري -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه ***، أو تماثيل»، قال: فأتيت عائشة، فقلت: إن هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا، فهل سمعتِ رسول الله صلى الله عليه وسلمذكر ذلك؟ فقالت: لا؛ ولكن سأحدثكم ما رأيته فعل؛ رأيته خرج في غزاة فأخذت نمطاً(6 )، فسترته على الباب، فلمّا قدم، فرأى النمط عرفتُ الكراهة على وجهه، فجذبته حتى هتكته -أو قطعته-، فقال: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين» (7 ).
انظروا -أصلحكم الله- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حال عوده من غزوة من الغزوات، ينبه على هذا الأمر.
ت- الآثار السلفية: وأما آثار السلف الصالح؛ فهي كثيرةٌ جداً، ولعل من أوضحها وأصحها أثرَ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما طُعن، ودخل عليه المسلمون يواسونه، فدخل عليه شاب من قريش، وبدأ يذكر محاسنه، وفضائله، فلما خرجَ الشابُّ نظر عمر -رضي الله عنه- إليه- وهو ينزف، وجرحه يثغب دماً، قال: ردوا عليَّ الغلام!! -إذ إنه رأى ثوبه طويلاً، مسبَلاً- فقال: «يا ابن أخي ارفع ثوبك؛ فإنه أنقى لثوبك، واتقى لربك»(8 ).
فتأملوا كيف أنَّ النَّاس في مصيبة، والخليفة مطعون مجروح!! لكنه -رضي الله عنه- ينبه على قضية الإسبال التي لو ذكرت في هذه الأعصار لَقهقه بعضهم، ولغمزك ولمزك!! وهو يقول: «يُذبح المسلمون، وأنتم تهتمون بالثوب»!
وأما المعقول: فهو من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا التقسيم باطلٌ في نفسه، فلا يوجد في الدين قشرٌ ولبابٌ، إذ كلُّ دين الله سواء؛ لأن نصوصه آتية من عند الله -سبحانه وتعالى-(9 ).
وأما الوجه الثاني: فنقول -من باب التنزل-: هَبْ أن الدين قشرٌ ولبّ، فإنه لا يُحفَظ اللباب إلا بالقشر، ولولا القشر لفسد اللباب.
انظروا إلى هذه الثمار: فإن فيها لباً وقشراً، فإذا نزعت قشرها؛ فسدت! وإذا ذهبت إلى السوق ورأيت أن تشتري تفاحاً فهل تشتري تفاحاً مقشوراً؟! أتقول: أريد اللباب ولا أريد القشر؟! إذا وجدت البائع قد صنع هذا بتفاحه فإنك تعرض عنه، تريد تفاحاً بقشره؛ وما ذاك إلا لأن القشر يحمي اللباب!!
وأمَّا فتاوى أهل العلم: فأنقل إليكم فتوى العز بن عبدالسلام في «فتاويه»، يقول: «لا يجوز التعبير عن الشريعة بأنها قشر مع كثرة ما فيها من المنافع والخيور، وكيف يكون الأمر بالطاعة والإيمان قشراً؟! وإن العلم الملقب بالحقيقة جزء من أجزاء علم الشريعة، ولا يُطلِق مثل هذه الألقاب إلا *** شقي قليل الأدب، ولو قيل لأحدهم: إن كلام شيخك قشورٌ؛ لأنكر غاية الإنكار، ويطلق لفظ القشور على الشريعة!».
هكذا يتبين لنا أن الإسلام كلٌّ متكامل، فخذوا الإسلام
جملة -عملاً بقول الله-: ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )[البقرة:208].
----------------------------
(1 ) أي: ظالمة.
(2 ) «تفسير القرآن العظيم» (1/255).
( 3) أخرجه الشيخان، البخاري، ومسلم.
(4 ) أخرجه الشيخان، وله ألفاظ متقاربة عند الترمذي وأحمد والبيهقي، انظر «إرواء الغليل» (917).
(5 ) صحيح، انظر «الإرواء» (917)، «صحيح الجامع» (7284).
(6 ) وهو ثوب من الصوف يُوضع على الهودج.
(7 ) أخرجه الشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد بألفاظ متقاربة، واللفظ مع القصة لمسلم.
(8 ) رواه البخاري.
(9 ) مع التسليم أنّ مسائل الشرع تتفاوت في درجاتها من حيث الأجر والثواب، وفي تركها من حيث الوزر والعقاب، غير أن كلها مهم، لا ينبغي أن يفوّت شيء منها، حتى إن الواحد من المسلمين لا يحل له -إذا سمع حكماً شرعياً- إلا إن يسلّم له، تاركاً تلك الحجج الواهية: أن غيره أهم منه!!
محبكم / زين العابدين