فيصل الملوحي
04-23-2008, 09:18 AM
المعلّم دائماً
۲- فارس المنهجيّة
المنهج المتطوّر، أصول التّعليم وأساليبه وطرائقه، الأداء...
مصطلحات تربويّة كثيرة، تتداخل.. تتنافر، بين دولة عربيّة وأخرى، ولن أُُُُُُُُُدخل هذا البحث في متاهاتها.. - وإن كنت أؤمن جازماً أنّ توحيدها ضرورة ماسّة لمسيرتنا التّربويّة العربيّة في كلّ مدارسنا على امتداد الوطن العربيّ - .
وإذا كنّا مع توحيد المصطلحات، فهل نقبل بتوحيـد الطرائق في طريقة واحدة لا يحيد المعلّمون عنها ؟!
يقولون: على الطّالب أن يتعلّم ( تعلّماً ذاتيّا ).. المعلّم مدرّب : كلّف الطلبة بالبحث بعد أوقات المدرسة ، ثمّ دعهم يعرضون ماأعدّوه في اليوم التّالي ، في حوار يصلون به إلى الهدف المنشود : الطّالب وحده حصل على المعلومات ، فهم الخطأ وأدرك الصواب .. وما عليك ( أيّها المدرّب ) سوى أن يمارس الطّالب أمامك التعلّم. دُلَّّه على السّبيل، يصلْ في آخر المطاف إلى ما نصبو إليه ( ابدأ الحصّة بالطالب، واختمها به ) .
يقولون : قسّم أيّ موضوع إلى حصص أربع – تزيد أو تنقص قليلا – ابدأ بالكلّيّات ، واختمها بالجزئيّات ، ثمّ انتقل بعدها إلى غيرها من جوانب التّكامل اللّغويّ .. كلّف الطلبة في حصّة بالإعداد للفهم العام ّ: الفكرة الكلية والفكر الرئيسة، ثمّ دعهم في حصّة قادمة يتناقشون ، كلّفهم بإعداد جديد لجزئيّات الموضوع ..هذا ما سمّوه المنهج المتطوّر في التّعليم العامّ، ومنهج المقرّرات الحديث.. وهكذا نفعل جميعاً لا نزيغ ولا نحيد: إعداد على الدفاتر مرسوم بألفاظه ومصطلحاته، دخول إلى الصّفوف( الورش ) وتدريب للطّلبة بتوجيه رؤساء الورش !
وكأنّما فتنتنا كلمة ( الورشة ) ، فصرنا نردّد : حوّل دورات المدرّسين إلى ( ورش ) عمل ، وطلاب الصّفوف إلى مجموعات ( ورش ) عمل ، انتظر أيّها المدرّب ، سوف يمرّ بك رئيس ( الورشة ) .. وسينظر فيما صنعت .. إيّاك أن تحيد.. عن المطلوب ، فأمامك آلات وأجهزة سوف يعطبها خطأ صغير جدّا ، إيّاك أن تجتهد ، فكلّ أمر محسوب بـ( اللبرة ) مسبقا !
وكأنّنا بهذا التّصرّف قد حوّلنا نظرتنا إلى المعلّم . لم يعد يُمدح لإبداعه في الإنشاء، وإنّما يُمدح لإبداعه في التّنفيذ والطّاعة العمياء، في قدرته على حفظ ما يُطلب منه ، وتطبيق ما حفظ دون خطأ أو انحراف..ولاعيب في هذا، إنّها طبيعة التّدريب في ( الورش ) !
وكأنّنا بهذا التّصرّف قد حوّلنا نظرتنا إلى الطالب . لم يعد يُمدح لتميّزه بشخصيته عن شخصيّة إنسان آخر ، وإنّما يُمدح لأنّه مجبول على الطّبيعة نفسها التي جُبل عليها أقرانه في الورشة ، وأترابه في المجتمع والعالم ، إنّما هو واحد في أيّ مكان أقام ، وفي أي زمان عاش ، وإلى أيّ مجتمع انتمى !
وكأنّنا بهذا التّصرّف قد حوّلنا نظرتنا إلى الموادّ التعليميّة المتعدّدة وفروعها الكثيرة. لم يعد بعضها يتميّز عن بعض ، لا في المضمون ، ولا في الطّبيعة ، وإنّما يتشرّبها المتدرّب بأسلوب واحد ، فلو أخذنا نصّاً أدبيّاً في اللغة العربيّة فسيُعالج بالطّريقة ذاتها : من الكليّات إلى الجزئيّات ، فالنّصوص واحدة في القدرة على فهمها والتدريب على مهاراتها .. اربطها بمجال اختاره ( من هو أقدر منك على الاختيار ) ، ثمّ درّب الطّلبة على المهارات التي قال عنها ( من هو أقدر منك على الاختيار ) : إنّها تخدم النّصّ ! !
لامشاحة في الاصطلاحات ، وإنّما أريد أن أناقش المضمون : تحويل المعلّم من ملقّنٍ – كما يدّعون – إلى مدرّب – كما يرجون – ، قادر على التنفيذ الدّقيق لما يُطلب منه ..وقد يكون لهذا المنهج عذره إذا استعان في الميدان بمن تناقصت ذخائرهم العلميّة، ووهنت قدراتهم التربويّة، وتناسَوا إخلاصهم لرسالتهم الخالدة..
لو قبلنا – جدلاً – بوجود مثل هذه الفئة، فإنّنا نغامر بهذا الطالب، كما غامرنا من قبل بهذا المعلّم الذي كان طالبا، إنّنا نضحّي بهذا الطّالب الإنسان، ونجعله مع مدرّبه الإنسان آلة مركّبة في مصنع !
كلّ النّاس يعلمون أنّ علماء النّفس، و علماء الاجتماع توصلوا إلى نظريّات عامّة تقريبيّة تحدّد لنا سلوك الفرد السويّ والشّاذ، وعلاقات المجتمع المتوازنة والمنحرفة، وترشدنا إلى علاجات متردّدة حائرة للحالات الشّاذة والمنحرفة.. ويطبّقونها بـ( مرونة ) شديدة .
فلماذا نرفض أنْ نكون مثلهم ، لماذا نريد أنْ نكون ملكيّين أكثر من الملك ؟!
لماذا نجعل هذه النّظريّات في التّربية حقائق مطلقة غير قابلة للبحث ، ونفرضها على المعلّم في عمله ؟!
نرتاب في قدرات المعلّم ؟!
فالمشكلة – إذاً – أنّنا لم نسلّم هذه الأمانة ‘لى القويّ المؤتمن !
المعلّم لن يُمنح هذا اللقب الكريم بشهادة لجنة انتقاء متسرّعة ! شهادة المعلّم حصل عليها من قبل – من جامعة واجبها أنْ تقدّس العلم – وماعلى اللجنة إلاّ أن تدقّق في صدق هذا الاحترام !
أدخلْ الميدان معلّماً متمكّناُ في علمه ، معتزّاً به – لا متكبرا – ، غارساً في نفسه بذرة تنميته ، ( مدرّباً ) بمناهج التعليم ، حاملاً روح التّطوير إلى الأصلح دائما ، شاعراً بحريّته في تفاعله مع النّظريات التّربويّة ، موحّدا بين علمه وخلقه ، لا تاجرا يبحث عن الذّهب الرنّان !
أدخـلْ الميدان معلّماً متواضعاً يقبل نصيحـة معلّم أقدم منه وأقدر بعد اقتناع وفهـم – والمعلّم القديم المتمكّن قادر على الإقناع بعلمه وخبرته، لا بأوامره ومنصبه ، فليس في التربية رئيس ومرؤوس –
مسترشداً بآراء المنظّرين والبحّاثة، لا مرغما مميّزاً بين أهداف معرفيّة ووجدانيّة..غير محتاج إلى من يُملي عليه كلمات تكرّر في رأس كلّ إعداد،
متفاعلاً مع طلبته بالطّرائق التربويّة التي ترضيه، متحمّساً مندفعا، عارفاً بشخصيّة كلّ طالب، مختاراً أسلوب التّعامل مع ( سلبيّاته ).
لا تنتزع ثقة المعلّم من نفسه، لا تقتل فيه الحماسة للعمل، فهذا عمل إنسانيّ، وليس عمل آلة.. دعه يعمل متمتّعاً بلذّة الاكتشاف لجوانب الطّالب النّفسيّة، واختيار طريقة تربيته،
دعه يفرح بما أنجز.الحريّة القائمة على الأساس العلميّ التربويّ الذي رسمناه – وأبرزه الشّعور بالمسؤوليّة – هي وحدها التي تصل بنا إلى ماينشده مجتمعنا من تقدّم .
لن ينفعكم
- معلّم غير متمكّن، يدخل إلى الحصّة مرعوبا، ويخرج منها متأفّفاً حذرا.
- -أو معلّم رمى بكلّ شيء خلف ظهره، وهمّه أن يحسب الدّقائق حتّى يقرع الجرس !
۲- فارس المنهجيّة
المنهج المتطوّر، أصول التّعليم وأساليبه وطرائقه، الأداء...
مصطلحات تربويّة كثيرة، تتداخل.. تتنافر، بين دولة عربيّة وأخرى، ولن أُُُُُُُُُدخل هذا البحث في متاهاتها.. - وإن كنت أؤمن جازماً أنّ توحيدها ضرورة ماسّة لمسيرتنا التّربويّة العربيّة في كلّ مدارسنا على امتداد الوطن العربيّ - .
وإذا كنّا مع توحيد المصطلحات، فهل نقبل بتوحيـد الطرائق في طريقة واحدة لا يحيد المعلّمون عنها ؟!
يقولون: على الطّالب أن يتعلّم ( تعلّماً ذاتيّا ).. المعلّم مدرّب : كلّف الطلبة بالبحث بعد أوقات المدرسة ، ثمّ دعهم يعرضون ماأعدّوه في اليوم التّالي ، في حوار يصلون به إلى الهدف المنشود : الطّالب وحده حصل على المعلومات ، فهم الخطأ وأدرك الصواب .. وما عليك ( أيّها المدرّب ) سوى أن يمارس الطّالب أمامك التعلّم. دُلَّّه على السّبيل، يصلْ في آخر المطاف إلى ما نصبو إليه ( ابدأ الحصّة بالطالب، واختمها به ) .
يقولون : قسّم أيّ موضوع إلى حصص أربع – تزيد أو تنقص قليلا – ابدأ بالكلّيّات ، واختمها بالجزئيّات ، ثمّ انتقل بعدها إلى غيرها من جوانب التّكامل اللّغويّ .. كلّف الطلبة في حصّة بالإعداد للفهم العام ّ: الفكرة الكلية والفكر الرئيسة، ثمّ دعهم في حصّة قادمة يتناقشون ، كلّفهم بإعداد جديد لجزئيّات الموضوع ..هذا ما سمّوه المنهج المتطوّر في التّعليم العامّ، ومنهج المقرّرات الحديث.. وهكذا نفعل جميعاً لا نزيغ ولا نحيد: إعداد على الدفاتر مرسوم بألفاظه ومصطلحاته، دخول إلى الصّفوف( الورش ) وتدريب للطّلبة بتوجيه رؤساء الورش !
وكأنّما فتنتنا كلمة ( الورشة ) ، فصرنا نردّد : حوّل دورات المدرّسين إلى ( ورش ) عمل ، وطلاب الصّفوف إلى مجموعات ( ورش ) عمل ، انتظر أيّها المدرّب ، سوف يمرّ بك رئيس ( الورشة ) .. وسينظر فيما صنعت .. إيّاك أن تحيد.. عن المطلوب ، فأمامك آلات وأجهزة سوف يعطبها خطأ صغير جدّا ، إيّاك أن تجتهد ، فكلّ أمر محسوب بـ( اللبرة ) مسبقا !
وكأنّنا بهذا التّصرّف قد حوّلنا نظرتنا إلى المعلّم . لم يعد يُمدح لإبداعه في الإنشاء، وإنّما يُمدح لإبداعه في التّنفيذ والطّاعة العمياء، في قدرته على حفظ ما يُطلب منه ، وتطبيق ما حفظ دون خطأ أو انحراف..ولاعيب في هذا، إنّها طبيعة التّدريب في ( الورش ) !
وكأنّنا بهذا التّصرّف قد حوّلنا نظرتنا إلى الطالب . لم يعد يُمدح لتميّزه بشخصيته عن شخصيّة إنسان آخر ، وإنّما يُمدح لأنّه مجبول على الطّبيعة نفسها التي جُبل عليها أقرانه في الورشة ، وأترابه في المجتمع والعالم ، إنّما هو واحد في أيّ مكان أقام ، وفي أي زمان عاش ، وإلى أيّ مجتمع انتمى !
وكأنّنا بهذا التّصرّف قد حوّلنا نظرتنا إلى الموادّ التعليميّة المتعدّدة وفروعها الكثيرة. لم يعد بعضها يتميّز عن بعض ، لا في المضمون ، ولا في الطّبيعة ، وإنّما يتشرّبها المتدرّب بأسلوب واحد ، فلو أخذنا نصّاً أدبيّاً في اللغة العربيّة فسيُعالج بالطّريقة ذاتها : من الكليّات إلى الجزئيّات ، فالنّصوص واحدة في القدرة على فهمها والتدريب على مهاراتها .. اربطها بمجال اختاره ( من هو أقدر منك على الاختيار ) ، ثمّ درّب الطّلبة على المهارات التي قال عنها ( من هو أقدر منك على الاختيار ) : إنّها تخدم النّصّ ! !
لامشاحة في الاصطلاحات ، وإنّما أريد أن أناقش المضمون : تحويل المعلّم من ملقّنٍ – كما يدّعون – إلى مدرّب – كما يرجون – ، قادر على التنفيذ الدّقيق لما يُطلب منه ..وقد يكون لهذا المنهج عذره إذا استعان في الميدان بمن تناقصت ذخائرهم العلميّة، ووهنت قدراتهم التربويّة، وتناسَوا إخلاصهم لرسالتهم الخالدة..
لو قبلنا – جدلاً – بوجود مثل هذه الفئة، فإنّنا نغامر بهذا الطالب، كما غامرنا من قبل بهذا المعلّم الذي كان طالبا، إنّنا نضحّي بهذا الطّالب الإنسان، ونجعله مع مدرّبه الإنسان آلة مركّبة في مصنع !
كلّ النّاس يعلمون أنّ علماء النّفس، و علماء الاجتماع توصلوا إلى نظريّات عامّة تقريبيّة تحدّد لنا سلوك الفرد السويّ والشّاذ، وعلاقات المجتمع المتوازنة والمنحرفة، وترشدنا إلى علاجات متردّدة حائرة للحالات الشّاذة والمنحرفة.. ويطبّقونها بـ( مرونة ) شديدة .
فلماذا نرفض أنْ نكون مثلهم ، لماذا نريد أنْ نكون ملكيّين أكثر من الملك ؟!
لماذا نجعل هذه النّظريّات في التّربية حقائق مطلقة غير قابلة للبحث ، ونفرضها على المعلّم في عمله ؟!
نرتاب في قدرات المعلّم ؟!
فالمشكلة – إذاً – أنّنا لم نسلّم هذه الأمانة ‘لى القويّ المؤتمن !
المعلّم لن يُمنح هذا اللقب الكريم بشهادة لجنة انتقاء متسرّعة ! شهادة المعلّم حصل عليها من قبل – من جامعة واجبها أنْ تقدّس العلم – وماعلى اللجنة إلاّ أن تدقّق في صدق هذا الاحترام !
أدخلْ الميدان معلّماً متمكّناُ في علمه ، معتزّاً به – لا متكبرا – ، غارساً في نفسه بذرة تنميته ، ( مدرّباً ) بمناهج التعليم ، حاملاً روح التّطوير إلى الأصلح دائما ، شاعراً بحريّته في تفاعله مع النّظريات التّربويّة ، موحّدا بين علمه وخلقه ، لا تاجرا يبحث عن الذّهب الرنّان !
أدخـلْ الميدان معلّماً متواضعاً يقبل نصيحـة معلّم أقدم منه وأقدر بعد اقتناع وفهـم – والمعلّم القديم المتمكّن قادر على الإقناع بعلمه وخبرته، لا بأوامره ومنصبه ، فليس في التربية رئيس ومرؤوس –
مسترشداً بآراء المنظّرين والبحّاثة، لا مرغما مميّزاً بين أهداف معرفيّة ووجدانيّة..غير محتاج إلى من يُملي عليه كلمات تكرّر في رأس كلّ إعداد،
متفاعلاً مع طلبته بالطّرائق التربويّة التي ترضيه، متحمّساً مندفعا، عارفاً بشخصيّة كلّ طالب، مختاراً أسلوب التّعامل مع ( سلبيّاته ).
لا تنتزع ثقة المعلّم من نفسه، لا تقتل فيه الحماسة للعمل، فهذا عمل إنسانيّ، وليس عمل آلة.. دعه يعمل متمتّعاً بلذّة الاكتشاف لجوانب الطّالب النّفسيّة، واختيار طريقة تربيته،
دعه يفرح بما أنجز.الحريّة القائمة على الأساس العلميّ التربويّ الذي رسمناه – وأبرزه الشّعور بالمسؤوليّة – هي وحدها التي تصل بنا إلى ماينشده مجتمعنا من تقدّم .
لن ينفعكم
- معلّم غير متمكّن، يدخل إلى الحصّة مرعوبا، ويخرج منها متأفّفاً حذرا.
- -أو معلّم رمى بكلّ شيء خلف ظهره، وهمّه أن يحسب الدّقائق حتّى يقرع الجرس !