فيصل الملوحي
04-22-2008, 05:08 PM
المعلّم دائماً
١ - أوّلا وأخيرا
التعليم المتردّي .. التّأخّر العلميّ.. التّخلّف الاجتماعيّ..
كلمات تتردّد على ألسنة الكتّاب والأدباء والعلماء والصحفيّين، يجعلونها ميداناً لأبحاثهم ، وحقلاً لتجاربهم ، هادفين من كلّ هذا إيجاد حلول ناجعة لهذه المعضلات .
والداء له مسبّباتـه المتعدّدة : المجتمـع بفئاته ، والقائمون على العلاج ، وأطراف أخرى ، وتقابلهـا مسوّغات متعـدّدة قد تغفر للمجتمع ذنبه ، وتسامح القائمين على العلاج .
واسمحوا لي أن أخصّص هذا البحث للتّعليم ، بل للتّربية بتعبير أدقّ ، فما كان لي أن أخرج عمّا عشت له عقوداً ، وما كان لجهة أخرى – مهما علا شأنها – أن يُعالج داؤها قبل أن يُعالج داء التّربية .
واسمحوا لي – كذلك – دون مقدّمات أو تعليلات أن أوجّه اللّوم إلى المعلّم – وحده – دون سواه من الجهات الأخرى .
وكأنّي بهذا الاتّهام سأثير خلية النّحل من حولي ، وسيطيش صوابي ، ويزيغ بصري ، وتثقّب أذناي ، وتسيل دماء من جلدي ، ولن أبعد عن ذهني سيّارة الإسعاف تُعنى بحالتي البائسة ، وربما استطعت – وأنا في غيبوبتي – أن التقط صرخات مؤلمة،واحتجاجات مريرة :
المعلّم إنسان ، فهل يتحمّل :
ضغط المادّة في أنّات تصدرها أفواه الصّبية ينتظرون لقمة العيش ، ورعشات البرد في أجسادهم تتطلّع إلى أثواب تسترهم ..
أم نظرة المجتمع المادّيّة ، وتقويمه الإنسان بقدر ما معه من مال ..
أم عقوق الطّلبة ، وتمرّدهم على التربية ..
أم ثورة الأهل كلّما حاول جادّاً أن يعلّم الأولاد ويهذ بهم ..
أم ضغط العمل الذي لا يرحم بين تدريس وتصحيح وأعباء لها صلة بالتّدريس ، وأخرى ليس لها صلة بالتّدريس " أيّ أعمال أخرى يُكلّف بها ! " ..
أم تحوّل التربية إلى أوامر متلاحقة تقتل الإبداع في كيان المعلّم .. ؟والقائمة طويلة ...
وسأصحو في ردهات المستشفى ، وأردّ على الغاضبين قائلا :قد يكون جوابي مثاليا خياليا ، فكلّ ماحو لنا يناقضه ويسفّهه ، والحلّ بيد المربّي :
المعلّم الذي نذر نفسه للتربية ، وعدّه رسالة وُلد لها ، ونهجاً يموت في خاتمته !
المعلّم الذي يبذل كلّ ما يستطيع لينهل من نبع العلم والتربية ،
المعلّم الذي يأخذ من سير الأنبياء والمصلحين في تحمّل السّفهاء والمارقين– مهما صعدوا أو هبطوا .
المعلّم الذي لا يخشى في الله لومة لائم .
المعلّم الذي يردّ على كلّ من حوله بكلمة الصدق ، وبدافع الإصلاح ، لا "التّشفّي " .
المعلّم الذي يعلم أنّ من يخاطبه :
< طفل بريء ضلّلوه و" عشّموه " بالنّجاح والشّهادات المزيّفة > .
أو < كبير مسيّر أو مخيّر في حربه على صدق المعلّم في أداء رسالته الخالدة >
المعلّم الذي يتّبع في هذا قوله – تعالى – : " ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة " .
ربما شطّ بي الخيال ، وتطلّعت إلى ما أسميه آمالا ، ويدعوه غيري " أحلاما " .
ولكن هل ترون إصلاحاً في خضمّ هذه " الدّوّامة " بغير اصل هذا الإصلاح : المعلّم ؟!
نحن نطالب بإصلاح وضع المعلّم المادّيّ .. وهو طلب لا يقرّ به أحد إلاّ إذا أثبت المطالب حقّه فيه .
ثمّ إيّاك أن تقول – أيّها المربّي الفاضل – : إنّي أعطي على " قدّ فلوسهم " ، فهذه رسالة ، والمال ضروريّ لمعاشك ، لا لأخلاقك!
نحن نطالب باحترام المعلّم ، وهو طلب لا يقرّ به أحد إلاّ إذا احترم المطالب نفسه قبل أن يحترمه الآخرون .
إيّاك أن تفقد اعتزازك بنفسك ، وثقتك بما تملكه من ذخائر العلم إن لم يشعر الآخرون باحترام ما في عقلك وروحك والرّسالة التي تعيش لها .
نحن نطالب أن تكون للمعلم شخصيّته وكيانه – إذا كان يتمتّع بمؤهّلات المربّي – وهو طلب لا يقر به أحد إلاّ إذا بذلت الواجب وأكثر. إيّاك أن تتهرّب من أداء ما تفرضه عليك رسالتك ، ولوعدّك الآخرون آلة يصنعون بها الخام الذي يختارون !
بهذه الكلمة " يختارون " توقّفت عن الكتابة ، - ثمّ عدت إليها في اليوم التّالي - لأنّي سمعت حركة خارج البيت تبشّر بقدوم مجلّة " المعلم " ، فسارعت إلى تلقّفها ، فكان العدد ١٥٤ – تاريخ ١٨ / ١۲ / ١۹۹۷م . كنت أمنّي النّفس بالعودة إلى الكتابة بعد اطّلاعي على مجمل ما جاء في المجلّة ، ولكن صورة الغلاف لهذا التّائه الحيران " المزيّنة " بعبارة " المعلم الوافد .. مَن سينصفه "..؟! أوقفت تدفّق الكلام . كنت أكتب وأنا في أحلام اليقظة – سامحونا على أحلام اليقظة والمنام – وصحوت على واقع مرّ مخزٍ ، على صورة إنسان فرغ عقله ، واغتمّ قلبه ، صورة أتردّد في الحكم على شرعيّة نشرها ، أتردّد فأميل إلى الإقرار ، فهي حال القائمين على التربية ، فما جانبت المجلة الصواب حين صوّرت الواقع تصويراً صادقا، ثمّ أتردّد فأميل إلى الإنكار ، فما هي إلاّ صورة للمعلم تخالف مانرضاه لنفوسنا ، صورة غير مشرّفة لإنسان يقود المجتمع ، ويبني أمّة ، ويصنع حضارة – أو هكذا عليه أن يكون -
ندائي إليكم – إخوتي الذين هم أقرب إلى نفسي من أهلي وولدي _ ،
ندائي إلى هذه البقيّة الباقية ممّن ساروا على نهج السّلف الصّالح في التربية :أن يتذاكروا الأمر بينهم ، وأن يكون كلّ منهم ردفاً للآخر، وأن يردّوا عليّ القول إن نأيت عن الحقّ.. وأن يعلموا أنّما على كلّ منّا البلاغ .
١ - أوّلا وأخيرا
التعليم المتردّي .. التّأخّر العلميّ.. التّخلّف الاجتماعيّ..
كلمات تتردّد على ألسنة الكتّاب والأدباء والعلماء والصحفيّين، يجعلونها ميداناً لأبحاثهم ، وحقلاً لتجاربهم ، هادفين من كلّ هذا إيجاد حلول ناجعة لهذه المعضلات .
والداء له مسبّباتـه المتعدّدة : المجتمـع بفئاته ، والقائمون على العلاج ، وأطراف أخرى ، وتقابلهـا مسوّغات متعـدّدة قد تغفر للمجتمع ذنبه ، وتسامح القائمين على العلاج .
واسمحوا لي أن أخصّص هذا البحث للتّعليم ، بل للتّربية بتعبير أدقّ ، فما كان لي أن أخرج عمّا عشت له عقوداً ، وما كان لجهة أخرى – مهما علا شأنها – أن يُعالج داؤها قبل أن يُعالج داء التّربية .
واسمحوا لي – كذلك – دون مقدّمات أو تعليلات أن أوجّه اللّوم إلى المعلّم – وحده – دون سواه من الجهات الأخرى .
وكأنّي بهذا الاتّهام سأثير خلية النّحل من حولي ، وسيطيش صوابي ، ويزيغ بصري ، وتثقّب أذناي ، وتسيل دماء من جلدي ، ولن أبعد عن ذهني سيّارة الإسعاف تُعنى بحالتي البائسة ، وربما استطعت – وأنا في غيبوبتي – أن التقط صرخات مؤلمة،واحتجاجات مريرة :
المعلّم إنسان ، فهل يتحمّل :
ضغط المادّة في أنّات تصدرها أفواه الصّبية ينتظرون لقمة العيش ، ورعشات البرد في أجسادهم تتطلّع إلى أثواب تسترهم ..
أم نظرة المجتمع المادّيّة ، وتقويمه الإنسان بقدر ما معه من مال ..
أم عقوق الطّلبة ، وتمرّدهم على التربية ..
أم ثورة الأهل كلّما حاول جادّاً أن يعلّم الأولاد ويهذ بهم ..
أم ضغط العمل الذي لا يرحم بين تدريس وتصحيح وأعباء لها صلة بالتّدريس ، وأخرى ليس لها صلة بالتّدريس " أيّ أعمال أخرى يُكلّف بها ! " ..
أم تحوّل التربية إلى أوامر متلاحقة تقتل الإبداع في كيان المعلّم .. ؟والقائمة طويلة ...
وسأصحو في ردهات المستشفى ، وأردّ على الغاضبين قائلا :قد يكون جوابي مثاليا خياليا ، فكلّ ماحو لنا يناقضه ويسفّهه ، والحلّ بيد المربّي :
المعلّم الذي نذر نفسه للتربية ، وعدّه رسالة وُلد لها ، ونهجاً يموت في خاتمته !
المعلّم الذي يبذل كلّ ما يستطيع لينهل من نبع العلم والتربية ،
المعلّم الذي يأخذ من سير الأنبياء والمصلحين في تحمّل السّفهاء والمارقين– مهما صعدوا أو هبطوا .
المعلّم الذي لا يخشى في الله لومة لائم .
المعلّم الذي يردّ على كلّ من حوله بكلمة الصدق ، وبدافع الإصلاح ، لا "التّشفّي " .
المعلّم الذي يعلم أنّ من يخاطبه :
< طفل بريء ضلّلوه و" عشّموه " بالنّجاح والشّهادات المزيّفة > .
أو < كبير مسيّر أو مخيّر في حربه على صدق المعلّم في أداء رسالته الخالدة >
المعلّم الذي يتّبع في هذا قوله – تعالى – : " ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة " .
ربما شطّ بي الخيال ، وتطلّعت إلى ما أسميه آمالا ، ويدعوه غيري " أحلاما " .
ولكن هل ترون إصلاحاً في خضمّ هذه " الدّوّامة " بغير اصل هذا الإصلاح : المعلّم ؟!
نحن نطالب بإصلاح وضع المعلّم المادّيّ .. وهو طلب لا يقرّ به أحد إلاّ إذا أثبت المطالب حقّه فيه .
ثمّ إيّاك أن تقول – أيّها المربّي الفاضل – : إنّي أعطي على " قدّ فلوسهم " ، فهذه رسالة ، والمال ضروريّ لمعاشك ، لا لأخلاقك!
نحن نطالب باحترام المعلّم ، وهو طلب لا يقرّ به أحد إلاّ إذا احترم المطالب نفسه قبل أن يحترمه الآخرون .
إيّاك أن تفقد اعتزازك بنفسك ، وثقتك بما تملكه من ذخائر العلم إن لم يشعر الآخرون باحترام ما في عقلك وروحك والرّسالة التي تعيش لها .
نحن نطالب أن تكون للمعلم شخصيّته وكيانه – إذا كان يتمتّع بمؤهّلات المربّي – وهو طلب لا يقر به أحد إلاّ إذا بذلت الواجب وأكثر. إيّاك أن تتهرّب من أداء ما تفرضه عليك رسالتك ، ولوعدّك الآخرون آلة يصنعون بها الخام الذي يختارون !
بهذه الكلمة " يختارون " توقّفت عن الكتابة ، - ثمّ عدت إليها في اليوم التّالي - لأنّي سمعت حركة خارج البيت تبشّر بقدوم مجلّة " المعلم " ، فسارعت إلى تلقّفها ، فكان العدد ١٥٤ – تاريخ ١٨ / ١۲ / ١۹۹۷م . كنت أمنّي النّفس بالعودة إلى الكتابة بعد اطّلاعي على مجمل ما جاء في المجلّة ، ولكن صورة الغلاف لهذا التّائه الحيران " المزيّنة " بعبارة " المعلم الوافد .. مَن سينصفه "..؟! أوقفت تدفّق الكلام . كنت أكتب وأنا في أحلام اليقظة – سامحونا على أحلام اليقظة والمنام – وصحوت على واقع مرّ مخزٍ ، على صورة إنسان فرغ عقله ، واغتمّ قلبه ، صورة أتردّد في الحكم على شرعيّة نشرها ، أتردّد فأميل إلى الإقرار ، فهي حال القائمين على التربية ، فما جانبت المجلة الصواب حين صوّرت الواقع تصويراً صادقا، ثمّ أتردّد فأميل إلى الإنكار ، فما هي إلاّ صورة للمعلم تخالف مانرضاه لنفوسنا ، صورة غير مشرّفة لإنسان يقود المجتمع ، ويبني أمّة ، ويصنع حضارة – أو هكذا عليه أن يكون -
ندائي إليكم – إخوتي الذين هم أقرب إلى نفسي من أهلي وولدي _ ،
ندائي إلى هذه البقيّة الباقية ممّن ساروا على نهج السّلف الصّالح في التربية :أن يتذاكروا الأمر بينهم ، وأن يكون كلّ منهم ردفاً للآخر، وأن يردّوا عليّ القول إن نأيت عن الحقّ.. وأن يعلموا أنّما على كلّ منّا البلاغ .