زين العابدين
01-22-2008, 02:31 AM
عكاشة .. وإضاءة القمر
زياد أبو رجائي
هكذا سيكون أحد مشاهد يوم القيامة :
- النبي والنبيان يمرون معهم الرهط(1)
- النبي ليس معه أحد
- النبي ومعه الرجل
- النبي ومعه والرجلان
- النبي موسى بن عمران وقومه (سواد عظيم (2)، قيل هذا موسى وقومه )
- أهل الأفق(3) واد يملأ الأفق ، فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال(4)؛ قد ملؤوا السهل والجبل (5) قيل هذه أمة محمد
- جماعة عكاشة قوامها (سبعون ألفا ) (6)، وفي رواية (مع كل ألف سبعون ألفا (7)، تضيء وجوههم إضاءة القمر(8) ليلة البدر(9)، ثم الذين يلونهم على أحسن كوكب درى إضاءة في السماء (10) ، يقفون أمام وقدام أمة محمد .. ،قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع أهل الجنة ) قال : ( فكبرنا ثم قال إني لأرجو أن يكونوا الثلث ) قال : فكبرنا ثم قال إني لأرجو أن يكونوا الشطر )
شروط دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب :
أولاً: لا يسترقون ( من الرقية )
ثانياً : لا يتطيرون ( من التشاؤم )
ثالثاً : لا يكتوون ( كي الجروح )
والقاسم المشترك للبديل في هذه الكلمات – كما يتضح من دلالة سياقها – هو : التوكل على الله. «انهم على ربهم يتوكلون » ، ونستطيع ان نجمع تلك الكلمات في هذا البديل الشرعي لما له من اهمية كبرى في مسألة التوحيد إذ يدخل في صلبها ، لأنه يعني بلا شك توحيد الربوبية ، فالتوكل نقيض شرك الربوبية لأنه يعني إيمانك بأن الله مدبر ومتصرف في هذا الكون.
العلاقة البنيوية بين الشروط و البديل
لا شك ان العلاقة القائمة بين النهي عن هذه الأعمال وبين التوكل على الله ، هي علاقة تضاد بحيث تجد طرفي المعادلة على نقيض لبعضهم البعض، لما يفهم منها الاعتماد على غير الله في الشفاء . وهي مناف لتوحيد الألوهية ؛وهو أعظم فريضة فرضها الله عز وجل على عباده ، وهو قصده إياه وطلبه وحده سبحانه وتعالى . وتوحيد الألوهية هو توحيد العبادة ( أي: إفراد الله -سبحانه وتعالى- بجميع أنواع العبادة التي أمر بها كالدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من العبادات التي أمر الله بها كلها ؛ من أصول العبادة أن الله تعالى يُعبد بالحب والخوف والرجاء جميعاً , وعبادته ببعضها دون بعض ضلال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الألوهية لله وحده بأن يشهدوا أن لا له إلا الله، ولا يعبدوا إلا إياه، ولا يتوكلوا إلا عليه تعالى، ولا يوالوا إلا له، ولا يعادوا إلا فيه، ولا يعملوا إلا لأجله، وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية" .
قال ابن رجب: فإن تحقق القلب بمعنى لا إله إلا الله، وصدقه فيها، وإخلاصه، يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالاً، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيماً، وتوكلاً، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك لم تبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينتفي بذلك من القلب جميع أهواء النفس وإرادتها، ووسواس الشيطان، فمن أحب شيئا، وأطاعه، وأحب عليه، وأبغض عليه، فهو إلهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا الله، ولا يوالي ولا يعادي إلا لله، فالله إلهه حقاً، ومن أحب لهواه وأبغض له، ووالى عليه وعادى عليه وترتكز هذه العلاقة بالشق العملي من التوحيد ...
والنهي هنا تنزيه حيث أمكن الاستغناء عنه بغيره لأنه يشبه التعذيب بعذاب الله الذي نهى عنه ولما فيه من الألم الذي ربما زاد على ألم المرض أما عند تعيينه طريقا فلا يكره فقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن وأبي بن كعب المخصوص بأنه أقرأ الأمة وأما قوله في وصف السبعين ألفا لا يكتوون محمول على ما إذا لم يضطر إليه
قال الطبري قيل لا يستحق التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا من لم يسع في طلب رزق ولا في مداواة ألم .
لا يسترقون
قال الإمام الالباني : وأما الاسترقاء _ وهو طلب الرقية من الغير _ فهو وإن كان جائزا ؛ فهو مكروه ؛ للحديث (13)( هم الذين لا يسترقون ... ولا يكتون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ) وقال في السلسلة الصحيحة في معرض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : الى الشفاء بنت عبدالله : ارقيه . قال من فوائد هذا الحديث مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى . بخلاف طلب الرقية من غيره ، فهو مكروه لحديث : سبقك بها عكاشة وهو معروف مشهور (14)
لا يتطيرون :
تقرأ بياء بالكسر وقد تسكن ؛ وهي التشاؤم بالشين وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة قال بعض أهل اللغة لم يجيء من المصادر هكذا غير هاتين وتعقب بأنه سمع طيبة وأورد بعضهم التولة وفيه نظر وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر وأن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها فجاء الشرع بالنهي عن ذلك .
ولا يكتون :
قال الشوكاني في النيل قد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو الله سبحانه وتعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش .
عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية بنار وأنهى أمتي عن الكي . (15)
أقوال العلماء في فهم الحديث : كما اوردها ابن حجر في فتح الباري : (16)
1. قال الطبري والمازري وطائفة أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون
2. قال الداودي وطائفة : إن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا وقد وهذا اختيار بن عبد البر غير أنه معترض بما قدمته من ثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء (17)
3. قال الحليمي يحتمل أن يكون لمراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه فهم غافلون عن طب الأطباء ورقي الرقاة ولا يحسنون من ذلك شيئا
4. نحا الخطابي ومن تبعه أن المراد بترك الرقي والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب .
5. قال الكرماني أي عند غير الضرورة والاعتقاد بأن الشفاء من الكي .
6. قال الشوكاني : هو الثناء على من تركه
7. قال ابن القيم : ولا حاجة لذلك كله فإن كراهته له لا تدل على المنع منه والثناء على تاركيه في خبر السبعين ألفا إنما يدل على أن تركه أفضل فحسب
( يتبع )
زياد أبو رجائي
هكذا سيكون أحد مشاهد يوم القيامة :
- النبي والنبيان يمرون معهم الرهط(1)
- النبي ليس معه أحد
- النبي ومعه الرجل
- النبي ومعه والرجلان
- النبي موسى بن عمران وقومه (سواد عظيم (2)، قيل هذا موسى وقومه )
- أهل الأفق(3) واد يملأ الأفق ، فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال(4)؛ قد ملؤوا السهل والجبل (5) قيل هذه أمة محمد
- جماعة عكاشة قوامها (سبعون ألفا ) (6)، وفي رواية (مع كل ألف سبعون ألفا (7)، تضيء وجوههم إضاءة القمر(8) ليلة البدر(9)، ثم الذين يلونهم على أحسن كوكب درى إضاءة في السماء (10) ، يقفون أمام وقدام أمة محمد .. ،قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع أهل الجنة ) قال : ( فكبرنا ثم قال إني لأرجو أن يكونوا الثلث ) قال : فكبرنا ثم قال إني لأرجو أن يكونوا الشطر )
شروط دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب :
أولاً: لا يسترقون ( من الرقية )
ثانياً : لا يتطيرون ( من التشاؤم )
ثالثاً : لا يكتوون ( كي الجروح )
والقاسم المشترك للبديل في هذه الكلمات – كما يتضح من دلالة سياقها – هو : التوكل على الله. «انهم على ربهم يتوكلون » ، ونستطيع ان نجمع تلك الكلمات في هذا البديل الشرعي لما له من اهمية كبرى في مسألة التوحيد إذ يدخل في صلبها ، لأنه يعني بلا شك توحيد الربوبية ، فالتوكل نقيض شرك الربوبية لأنه يعني إيمانك بأن الله مدبر ومتصرف في هذا الكون.
العلاقة البنيوية بين الشروط و البديل
لا شك ان العلاقة القائمة بين النهي عن هذه الأعمال وبين التوكل على الله ، هي علاقة تضاد بحيث تجد طرفي المعادلة على نقيض لبعضهم البعض، لما يفهم منها الاعتماد على غير الله في الشفاء . وهي مناف لتوحيد الألوهية ؛وهو أعظم فريضة فرضها الله عز وجل على عباده ، وهو قصده إياه وطلبه وحده سبحانه وتعالى . وتوحيد الألوهية هو توحيد العبادة ( أي: إفراد الله -سبحانه وتعالى- بجميع أنواع العبادة التي أمر بها كالدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من العبادات التي أمر الله بها كلها ؛ من أصول العبادة أن الله تعالى يُعبد بالحب والخوف والرجاء جميعاً , وعبادته ببعضها دون بعض ضلال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الألوهية لله وحده بأن يشهدوا أن لا له إلا الله، ولا يعبدوا إلا إياه، ولا يتوكلوا إلا عليه تعالى، ولا يوالوا إلا له، ولا يعادوا إلا فيه، ولا يعملوا إلا لأجله، وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية" .
قال ابن رجب: فإن تحقق القلب بمعنى لا إله إلا الله، وصدقه فيها، وإخلاصه، يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالاً، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيماً، وتوكلاً، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك لم تبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينتفي بذلك من القلب جميع أهواء النفس وإرادتها، ووسواس الشيطان، فمن أحب شيئا، وأطاعه، وأحب عليه، وأبغض عليه، فهو إلهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا الله، ولا يوالي ولا يعادي إلا لله، فالله إلهه حقاً، ومن أحب لهواه وأبغض له، ووالى عليه وعادى عليه وترتكز هذه العلاقة بالشق العملي من التوحيد ...
والنهي هنا تنزيه حيث أمكن الاستغناء عنه بغيره لأنه يشبه التعذيب بعذاب الله الذي نهى عنه ولما فيه من الألم الذي ربما زاد على ألم المرض أما عند تعيينه طريقا فلا يكره فقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن وأبي بن كعب المخصوص بأنه أقرأ الأمة وأما قوله في وصف السبعين ألفا لا يكتوون محمول على ما إذا لم يضطر إليه
قال الطبري قيل لا يستحق التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا من لم يسع في طلب رزق ولا في مداواة ألم .
لا يسترقون
قال الإمام الالباني : وأما الاسترقاء _ وهو طلب الرقية من الغير _ فهو وإن كان جائزا ؛ فهو مكروه ؛ للحديث (13)( هم الذين لا يسترقون ... ولا يكتون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ) وقال في السلسلة الصحيحة في معرض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : الى الشفاء بنت عبدالله : ارقيه . قال من فوائد هذا الحديث مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى . بخلاف طلب الرقية من غيره ، فهو مكروه لحديث : سبقك بها عكاشة وهو معروف مشهور (14)
لا يتطيرون :
تقرأ بياء بالكسر وقد تسكن ؛ وهي التشاؤم بالشين وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة قال بعض أهل اللغة لم يجيء من المصادر هكذا غير هاتين وتعقب بأنه سمع طيبة وأورد بعضهم التولة وفيه نظر وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر وأن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها فجاء الشرع بالنهي عن ذلك .
ولا يكتون :
قال الشوكاني في النيل قد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو الله سبحانه وتعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش .
عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية بنار وأنهى أمتي عن الكي . (15)
أقوال العلماء في فهم الحديث : كما اوردها ابن حجر في فتح الباري : (16)
1. قال الطبري والمازري وطائفة أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون
2. قال الداودي وطائفة : إن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا وقد وهذا اختيار بن عبد البر غير أنه معترض بما قدمته من ثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء (17)
3. قال الحليمي يحتمل أن يكون لمراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه فهم غافلون عن طب الأطباء ورقي الرقاة ولا يحسنون من ذلك شيئا
4. نحا الخطابي ومن تبعه أن المراد بترك الرقي والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب .
5. قال الكرماني أي عند غير الضرورة والاعتقاد بأن الشفاء من الكي .
6. قال الشوكاني : هو الثناء على من تركه
7. قال ابن القيم : ولا حاجة لذلك كله فإن كراهته له لا تدل على المنع منه والثناء على تاركيه في خبر السبعين ألفا إنما يدل على أن تركه أفضل فحسب
( يتبع )