bodalal
01-02-2008, 10:15 PM
كتب ألبير كامو رواية بعنوان " الطاعون " يصف فيها ما عاناه أهل مدينة وهران في الجزائر بسبب الطاعون في الستينات .. يقول فيها :
" لقد كانوا ينكرون في هدوء ، ورغم ما لا يستطاع نكرانه ، أنه قد مر بنا وقت عرفنا فيه ذلك العالم المجنون الذي كان مقتل الرجل فيه من الأمور التي تحدث كل يوم كمقتل الذباب ، وأننا قد عرفنا تلك الوحشية المحددة المعالم ، ذلك الهذيان المدبر ، ذلك السجن الذي يجلب معه نوعاً من الحرية البشعة بالنسبة لكل ما لم يكن حاضراً ، رائحة الموت التي كانت تذهل جميع من تلتهم . .. وكنا كشعب يذهب منه كل يوم جزء – في شكل كومة – إلى الأتون ، فما يلبث أن يتحول إلى دخان دسم بينما ينتظر جزء آخر دوره مكبلاً بأصفاد العجز والخوف . "
وفي هذا المعنى – معنى الموت الجماعي الرهيب ، كما يحدث في الحروب والكوارث – كتب السياب قصيدة " نبوءة ورؤيا " على إثر نبوءة عرّاف هندي زعم بأن الحياة على الأرض سوف تنتهي في اليوم الثاني من شهر فبراير سنة 1961 بالتحديد ، وقد دب الذعر بين الناس وساد الهلع ، ولكن ما لبث اليوم الثالث أن كشف زيفه وكذبه وارتاح الناس وأمنوا .. لبرهة !
نبوءتك المريرة عذّبتني ، مزّقت روحي ،
نبوءتك الرهيبة ، أيها العراف تبكيني
رأيت مسالك الأفلاك تُهرعُ بالملايينِ
ووسوسة الظلام كأنّ حقلاً بات ينتحبُ
" ستنطفئ الحياة " ، ورحت ترسم موعد القدرِ
إذا حدجتني الشُهُبُ
هتفتُ بها : " غداً سنموت ، فانهمري على البشرِ
لأَهونُ أن أموت لديك وحدي دون حشرجةٍ ولا أنّهْ
من القدر المروِّع يجرف الأحياء بالآلافْ "
ولكني أصيخُ إلى النهار فأسمع العرافْ
يهدّد : " سوف يهلك من عليها ، سوف تلتهبُ "
وتسرّب في دمي جِنهْ
وحين رقدتُ أمسِ رأيت في ظلموت أحلامي
رؤىً تتلاحق الأنفاس منها ثم تنقطعُ
أفقت وما تزال تضيء في خلدي وتندلعُ
كما يتفجر البركان في ظلمات ليلٍ دون أنسامِ
بلا قمر وإن يكُ في المحاق أكاد أُقتلعُ
أكاد أمزّق الدم في عروقي بارتعادة روحي الحيرى
أكاد أعانق القبرا
أرى أفقاً وليلاً يطبقان عليّ من شرفهْ
ولي ولزوجتي ، في الصمت ، عند حدودها وقفهْ
نحدّقُ في السماء ونمنع طفلين من نظرْ
إلى ما في دجاها الراعب المأخوذ من سقرْ
تطفأت الكواكب وهي تسقط فيه كالشررْ
...
كأن عصاً تسوق مواكب الأفلاكِ في صحراءٍ من ظُلمِ
ويلهث تحتنا الآجر ، يزحفُ تحتنا زحفا ...
تضعضع فهو يمسك نفسه ويئنُّ من ألمِ
ليهوى حين يغفل ، حين يعجز ثم ينهارُ
دجىً نُثِرَتْ بها نارُ
بنيّ إليك صدري ، فيه فادفن وجهك الطفلا
بنيّ صهٍ أقصُّ عليك .. أيةُ قصةٍ عندي ؟؟؟
تفجرت الفقاعة وانتهى أبدٌ إلى حدِّ
علام أتيت للدنيا ؟!
ليُدركَ عُمرُك الليلا ؟
لتحيا أربع السنواتِ ثم لتبصر الساعة
تقوم ولستَ تُدركُ ما تراهُ ؟ تريد أن تحيا
وتجهل أن موتك فيه بعثك ، أن للدنيا
نهاية سلّمٍ يُفضي إلى أبد من الملكوت
قلبُكَ ؟ آآآآه ... من راعه ؟
.....
وفي ظلال هذه اللوعة والحرقة على ما في موت الأطفال من بؤس وشقاء ، والتي نجد صداها يتردد في كثير من قصائد السياب بما يؤكد أنها قد شكلت لديه هاجساً مروعاً . والحق ، فإن هذه التجربة ذاتها قد أخذت من الفلاسفة الوجوديين حيزاً ليس بالهين من الاهتمام والبحث ، ولا عجب في ذلك ، فما أصعب أن يوسّد المرء طفله في ظلمة القبر ، وما أعنف أن يحثو عليه التراب بيديه .. ويمضي عنه ويتركه في حفرة مقفرة حيث لا عودة !
ورد وود ...
" لقد كانوا ينكرون في هدوء ، ورغم ما لا يستطاع نكرانه ، أنه قد مر بنا وقت عرفنا فيه ذلك العالم المجنون الذي كان مقتل الرجل فيه من الأمور التي تحدث كل يوم كمقتل الذباب ، وأننا قد عرفنا تلك الوحشية المحددة المعالم ، ذلك الهذيان المدبر ، ذلك السجن الذي يجلب معه نوعاً من الحرية البشعة بالنسبة لكل ما لم يكن حاضراً ، رائحة الموت التي كانت تذهل جميع من تلتهم . .. وكنا كشعب يذهب منه كل يوم جزء – في شكل كومة – إلى الأتون ، فما يلبث أن يتحول إلى دخان دسم بينما ينتظر جزء آخر دوره مكبلاً بأصفاد العجز والخوف . "
وفي هذا المعنى – معنى الموت الجماعي الرهيب ، كما يحدث في الحروب والكوارث – كتب السياب قصيدة " نبوءة ورؤيا " على إثر نبوءة عرّاف هندي زعم بأن الحياة على الأرض سوف تنتهي في اليوم الثاني من شهر فبراير سنة 1961 بالتحديد ، وقد دب الذعر بين الناس وساد الهلع ، ولكن ما لبث اليوم الثالث أن كشف زيفه وكذبه وارتاح الناس وأمنوا .. لبرهة !
نبوءتك المريرة عذّبتني ، مزّقت روحي ،
نبوءتك الرهيبة ، أيها العراف تبكيني
رأيت مسالك الأفلاك تُهرعُ بالملايينِ
ووسوسة الظلام كأنّ حقلاً بات ينتحبُ
" ستنطفئ الحياة " ، ورحت ترسم موعد القدرِ
إذا حدجتني الشُهُبُ
هتفتُ بها : " غداً سنموت ، فانهمري على البشرِ
لأَهونُ أن أموت لديك وحدي دون حشرجةٍ ولا أنّهْ
من القدر المروِّع يجرف الأحياء بالآلافْ "
ولكني أصيخُ إلى النهار فأسمع العرافْ
يهدّد : " سوف يهلك من عليها ، سوف تلتهبُ "
وتسرّب في دمي جِنهْ
وحين رقدتُ أمسِ رأيت في ظلموت أحلامي
رؤىً تتلاحق الأنفاس منها ثم تنقطعُ
أفقت وما تزال تضيء في خلدي وتندلعُ
كما يتفجر البركان في ظلمات ليلٍ دون أنسامِ
بلا قمر وإن يكُ في المحاق أكاد أُقتلعُ
أكاد أمزّق الدم في عروقي بارتعادة روحي الحيرى
أكاد أعانق القبرا
أرى أفقاً وليلاً يطبقان عليّ من شرفهْ
ولي ولزوجتي ، في الصمت ، عند حدودها وقفهْ
نحدّقُ في السماء ونمنع طفلين من نظرْ
إلى ما في دجاها الراعب المأخوذ من سقرْ
تطفأت الكواكب وهي تسقط فيه كالشررْ
...
كأن عصاً تسوق مواكب الأفلاكِ في صحراءٍ من ظُلمِ
ويلهث تحتنا الآجر ، يزحفُ تحتنا زحفا ...
تضعضع فهو يمسك نفسه ويئنُّ من ألمِ
ليهوى حين يغفل ، حين يعجز ثم ينهارُ
دجىً نُثِرَتْ بها نارُ
بنيّ إليك صدري ، فيه فادفن وجهك الطفلا
بنيّ صهٍ أقصُّ عليك .. أيةُ قصةٍ عندي ؟؟؟
تفجرت الفقاعة وانتهى أبدٌ إلى حدِّ
علام أتيت للدنيا ؟!
ليُدركَ عُمرُك الليلا ؟
لتحيا أربع السنواتِ ثم لتبصر الساعة
تقوم ولستَ تُدركُ ما تراهُ ؟ تريد أن تحيا
وتجهل أن موتك فيه بعثك ، أن للدنيا
نهاية سلّمٍ يُفضي إلى أبد من الملكوت
قلبُكَ ؟ آآآآه ... من راعه ؟
.....
وفي ظلال هذه اللوعة والحرقة على ما في موت الأطفال من بؤس وشقاء ، والتي نجد صداها يتردد في كثير من قصائد السياب بما يؤكد أنها قد شكلت لديه هاجساً مروعاً . والحق ، فإن هذه التجربة ذاتها قد أخذت من الفلاسفة الوجوديين حيزاً ليس بالهين من الاهتمام والبحث ، ولا عجب في ذلك ، فما أصعب أن يوسّد المرء طفله في ظلمة القبر ، وما أعنف أن يحثو عليه التراب بيديه .. ويمضي عنه ويتركه في حفرة مقفرة حيث لا عودة !
ورد وود ...